Search
Close this search box.

الشـيخ البهجة قدس سره : آخذٌ بيدك إلى الله(1)

الشـيخ البهجة قدس سره : آخذٌ بيدك إلى الله(1)

سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله)

حديث فريدُ النوع، عظيم المعاني، روحانيّ الأحرف، انساب شلّالاً عذباً على لسان الأمين العام لحزب الله سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في مقابلة تحدّث فيها عن آية الله العظمى الشيخ محمد تقي البهجة قدس سره، المنبع الصافي والأصيل للأمور المعنويّة. نستعرض هذه المقابلة في حلقتين يكون مسكُ أولاهما في هذا العدد.

– سماحة السيّد، كيف تعرّفتم إلى آية الله العظمى الشيخ البهجة قدس سره؟

تشرّفنا بلقاء سماحته بعد عام 1985م تقريباً، حيث كنّا نذهب كوفود من حزب الله إلى الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، نلتقي مع الإخوة المسؤولين لمتابعة شؤون لبنان والمنطقة، وبالخصوص شؤون المقاومة. وفي السفر الأوّل، عندما تشرّفنا بزيارة قم، قمنا بزيارة سماحة آية الله العظمى الشيخ البهجة قدّس سره، وكان ذلك في حياة الإمام الخميني قدّس سره.

عندما استقبلنا سماحة الشيخ البهجة قدس سره وجلسنا في خدمته، شعرتُ بهيبة كبيرة، حتّى أنّ الأسئلة التي كانت في بالنا أنا والإخوة، عندما صرنا في حضرته، نسيناها كلّها. وأغلب الجلسة كان قدس سره ساكتاً ينظر إلينا ونحن لا نستطيع النظر إليه، حتّى سأله أحد الإخوة عن توجيهات سماحته، فأكّد على: اجتناب المعصية، وأن اعملوا بما تعلمون، الصلاة في أوّل الوقت، الإكثار من الصلاة على محمّد وآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، والإكثار من الاستغفار. بعد ذلك صرنا نحرص دائماً على زيارة سماحته، عندما نتشرّف بزيارة قم.

– ما هو سبب انجذابكم ومحبّتكم لسماحة الشيخ قدس سره؟

بعد انتصار الثّورة الإسلاميّة في إيران وطلوع شمس الإمام الخمينيّ قدّس سره على العالم، تأثّرنا بشخصيّة الإمام قدّس سره. وفي تلك الفترة، كانت العلاقة بين قلوب المسلمين، وخصوصاً جيل الشباب المؤمن والمجاهد، مع الإمام الخمينيّ علاقة مباشرة وكانت المعرفة به مباشرة. لذلك أسمّيها طلوع شمس الإمام، وليس هناك واسطة بين الإنسان وبين الشمس. وكان الإمام قدّس سره من أهل هذا المسلك، عارف كبير ولديه كتب في المجال الأخلاقيّ والعرفانيّ والسير والسلوك، ولذلك، عشقاً بالإمام، أصبحنا نعشق هذا الطريق، وكلّ من يُنسب إليه. وعند زيارتنا الأولى إلى إيران. في وفد حزب الله سألنا عن عالم ربانيٍّ عارفٍ مأمونٍ موثوقٍ، فأشاروا إلى سماحة الشيخ البهجة قدس سره. وقمنا بزيارته كما سبق وأشرت، فهو المرشد الذي إذا جلست معه أو استمعت إلى نصائحه يأخذ بيدك إلى الله سبحانه وتعالى دون أيّة شبهة أو أيّ ريب، وتشعر أنّه ملَك قلبك وروحك.

– سماحة السيّد، ما مدى تأثّركم بشخصيّة سماحة الشيخ البهجة قدس سره وفكره ومسلكه؟

كنّا (أنا ومجموعة من الإخوة في لبنان) متعطّشين جداً لنعرف، لنتعلّم، لنسترشد… طبعاً، كنّا نقرأ الكتب، ولكنّ الأمر مختلف مع وجود شخص عندما تجلس في محضره يرشدك ولديه العلم والمعرفة وتعتقد بأنّه طوى المراحل، أيضاً. الشيخ البهجة كان لا يتكلّم من موقع فكريّ فحسب. بل بالبرهان والوجدان. كانت كلمات سماحته بمثابة الزاد الروحيّ. ولعلّ هذه من مميّزات سماحته التي انعكست على عملنا في حزب الله في التوكّل على الله سبحانه وتعالى. الثقة بالوعد الإلهيّ، اليقين بالنصر الإلهيّ، اللجوء إلى الله والاستغاثة والتوسّل. وهذا كلّه كان من وصايا سماحة الشيخ قدس سره لنا في الحزب.

لقد أرسل سماحة الشيخ البهجة قدس سره لكم رسائل خاصة مرّتين. حبذا لو تبيّنون لنا موضوع هاتين الرسالتين.

الرسالة الأولى كانت قبل حرب تموز 2006م بعدّة أشهر. جاءني أحد الإخوة الطلّاب اللبنانيين ممّن كان يدرس في قم وقال: “إنّ سماحة الشيخ البهجة قدس سره، يوصيك من الآن فصاعداً أن تلتزم بهذا الدعاء: “اللهمّ اجعلني في درعك الحصينة التي تجعل فيها من تريد” ثلاث مرات في الصباح، وثلاثاً في المساء”. عندما سألته عن السبب، قال لي: “لا أعرف، فقط هذا ما بعثني به سماحة الشيخ إليكم”. طبعاً، طبيعة الدعاء تشير إلى الجانب الأمنيّ، الحراسة، والحفظ والانتباه. ونحن في لبنان ظروفنا الأمنيّة صعبة، حيث استشهد إخواننا سابقاً. ومنهم أميننا العام الشهيد السيّد عباس (رحمة الله عليه)، هو وزوجته وطفله الصغير، ومن الطبيعيّ أن يشعر الإنسان بالخطر. عندما حصلت حرب “33 يوماً”، بعد أشهر قليلة، ورأينا كم كان العدو الإسرائيليّ منذ اليوم الأوّل. مصرّاً على قصف وتدمير أيّ مكان ممكن أن أُوجد فيه، علمنا أهميّة هذا الذكر في تلك الفترة، زمن الحرب.

أمّا الرسالة الثانية، فكانت خلال حرب تموز 2006م، حيث كانت الظروف قاسية وصعبة جدّاً. والعالم المستكبر وكثيرٌ من دول المنطقة قد احتشدوا ضدّنا… بحسب الظاهر، لم يكن من السهل أن يتكلّم أحد عن انتصار. لكن، هنا أسجّل لشخصيّتين حديثهما لنا عن ذلك، الأوّل: سماحة الشيخ البهجة قدس سره حيث أرسل لي في أيام الحرب الأولى أن: “كونوا مطمئنّين، وأنتم ستنتصرون في هذه الحرب إن شاء الله”. وطبعاً هذا الكلام أعطى دفعاً معنويّاً هائلاً، لأنّنا نثق ونؤمن بسماحة الشيخ قدس سره.

أمّا الشخصية الثانية، فهي سماحة القائد دام ظله، حيث أرسل في الأسبوع الأوّل للحرب، أيضاً: “إنّ هذه الحرب أشبه بحرب الأحزاب، وستبلغ القلوب فيها الحناجر، وتظنّون بالله الظنون. ولكن توكّلوا على الله، واثبتوا، وأنتم ستنتصرون، بل ستصبحون بعدها قوّة إقليميّة”.

هذه البشارة من الشيخ وسماحة القائد شكّلت بالنسبة إليّ وإلى إخواني دفعاً معنويّاً وإيمانيّاً روحيّاً هائلاً، ولذلك كنّا، رغم كلّ الظروف الصعبة، على يقينٍ بالنصر.

– تميَّز أهل هذا الطريق بعناية إلهيّة خاصّة وأحياناً بعض الكرامات، فهل شهدتِم كرامة ما لسماحة الشيخ البهجة قدس سره؟

أذكر قصّتين، لهما علاقة بالاستخارة:
القصّة الأولى، مهمّة بالنسبة إليّ شخصيّاً. ففي عام 1989م لم يكن لدى تشكيلات حزب الله منصب الأمين العام، فقد كان لدينا شورى وأمين سرّ فقط. لكن أشار علينا سماحة السيّد القائد دام ظله بانتخاب أمين عامّ، يتحمّل المسؤوليّة، ويلتقي الناس والمسؤولين. كان هذا أمراً جديداً وكانت ظروف لبنان معقّدة جدّاً: صراعات سياسيّة قاسية. فاتّفقنا على المبدأ، وكنت والإخوة في الحزب في طهران، وبينهم أساتذتي، فجرى اختياري لهذا المنصب، لم أقبل وقلت لهم: “أنا أصغركم سنّاً، وفيكم مَن هو أقدم منّي وأكبر والمسؤوليّة ثقيلة جدّاً عليّ”. فوعدوني بمدّ يد العون والمساعدة. تجادلنا ساعات طويلة. في نهاية المطاف فكّرت في الاستخارة. فأرسلت في الليلة نفسها أحد الأصدقاء إلى سماحة الشيخ البهجة قدس سره أطلب منه استخارةً لأمر هامّ جدّاً دون أن أذكره، فكان الجواب مدهشاً وملفتاً لنا: “لا تقبل منهم ما يَعرضونه عليك، وبعض الذين يعدونك أنّهم سيقفون إلى جانبك ويساعدونك، لن يفعلوا”. لم يكن هذا جواباً استثنائيّاً وخاصّاً فقط، فقد شعرت منه كأنّه كان حاضراً معنا في الجلسة.

أمّا القصّة الثانية:

فقد حدثت معي عندما كنت في قم حيث كان في زيارتي أحد الأصدقاء وهو رجل دين، وكان قد حان وقت اللقاء، لي وللإخوة، بسماحة الشيخ البهجة قدس سره حيث أخذنا له الإذن ودخل معنا إلى اللقاء. وفي آخره طلب استخارة من سماحة الشيخ قدس سره. فقرأ سماحته جملتين سريعتين وفتح القرآن، ثمّ قال: “لا تذهب إلى ذاك المكان الذي تنوي أن تذهب إليه، فمن ستذهب إليهم لن يقبلوك وسيزعجونك. أعرض عن هذا السفر”. وفوجئ الشيخ الصديق. وعندما خرجنا من البيت قال لي: “الله أكبر، كنت أريد أن أسافر إلى بلد غربي للتبليغ، وسأقيم عند بعض أقاربي مدّة شهر، وكنت متردّداً إنْ كان ذلك سيزعجهم. إنّ سماحة الشيخ قدس سره لم يقرأ آية القرآن، بل قرأ حديث نفسي، وأجابني عن تساؤلاتي ومخاوفي وشكوكي”.

يتبع في العدد القادم.

(*) في حوار مع سماحته تم عرضه على تلفزيون المنار، بتاريخ 3/4/2016م.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل