من وصية أمير المؤمنين عليه السلام لولديه الحسن والحسين عليهما السلام: “أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أموركم”.
التقوى والنظم عاملان أساسان في سلامة المجتمع.
التقوى تحصّن المجتمع من الداخل، وتحفظ حدود الله سبحانه وتعالى بين الناس. والنظم يحفظ الأولويات في العمل، ويحفظ الجهد من الإهدار. ويؤمن الحاجات الأساس في المجتمع، ويحقّق الإنتاج الكثير بأقل الجهد والزمن. ويطوّر حركة المجتمع.
والنظم مسألة ضرورية لكلّ جوانب حياة الإنسان، حتى في حياته الشخصية، ولا تختصّ بالجانب الإداري من المجتمع… وعلى المسلم أن ينظّم حياته ووقته بين العمل والعبادة والراحة والنوم والاهتمام بشؤون البيت والعائلة حتى تنتظم حياته الشخصية.
والتخطيط نحو من التنظيم للمشاريع الكبيرة قبل البدء بها وعناصر التخطيط تحدِّد الغايات والأهداف وتضع البرامج العملية للوصول إلى الغايات والأهداف، ضمن مراحل من العمل.
والتخطيط الواقعي الدقيق يأخذ بنظر الاعتبار دور الزمان في إنجاز المشروع والإمكانات اللازمة له والعقبات التي تعيق العمل، والطريقة الصحيحة لمواجهة العقبات…
وهذا هو معنى التدبير والعلم والحيلة على لسان النصوص الشرعية.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “يا ابن مسعود إذا عملت عملاً، فاعمل بعلم وعقل، وإيّاك أن تعمل بغير تدبير، وعلم، فإنّه جلّ جلاله يقول: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا﴾[1].[2]
قالوا: إن امرأة حمقاء في مكة كانت تغزل الصوف ثم تنقض غزلها من بعد قوة أنكاثاً.
وكذلك العمل إذا لم يكن عن تدبير وتخطيط يكون هذا شأنه، نقض بعد غزل، وهدم بعد بناء.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: “إمارات الدول إنشاء الحيل”[3].
إن التدبير الصحيح والحيل الصحيحة تحفظ الدول وتبقيها.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً: “التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم”[4]. وإنّما يندم الإنسان على جهده وعمله، حيث لا يسبق جهده وعمله التدبير والتخطيط الصحيح.
فإذا أعطى الإنسان المشروع اهتماماً في التخطيط والتدبير قبل العمل، بشكل موضوعي وعلمي، وفكّر في كل جوانب العمل لم تواجهه العقبات، إنّما يُفاجئ الإنسان بالعقبات إذا لم يُخطّط من قبل لمواجهتها، ولم يأخذها بنظر الاعتبار.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: “من قعد عن حيلته أقامته الشدائد”[5].
ولربما يُغني التخطيط الصحيح عن الإمكانات والآليات الكثيرة، وفي ذلك يروى عن أمير المؤمنين عليه السلام: “التلطُّف في الحيلة أجدى من الوسيلة”[6].
وليس من عمل ولا مشروع إلّا وقد جعل الله السبيل إليه التخطيط والتدبير السليم والحيلة المناسبة.
قبسات من الثقافة الإدارية في نهج البلاغة، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] سورة النحل، الآية 92.
[2] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 74، ص 110.
[3] الريشهري، ميزان الحكمة، ج 2، ص 551.
[4] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 68، ص 338.
[5] الآمدي، غرر الحكم، ج 2، ص 206.
[6] م.ن، ج 1، ص 107.