Search
Close this search box.

الحرب الناعمة والجيل الرابع من الحرب

الحرب الناعمة والجيل الرابع من الحرب

الشيخ الحسين أحمد كريمو

كثُر الحديث في هذه الأيام عن الحرب الناعمة، علماً أنها شُنَّت علينا منذ زمن بعيد من قبل الاستكبار العالمي ولكن كانت محفوفة بالسرية لأن ذلك من صميمها وتصميمها منذ نشوئها وانتشارها في هذه البلاد والأمة المرحومة والمحاربة من جميع قوى الشر العالمي، وإمبراطورية الشيطان الأكبر. ولكن ممنوع على أهل الفكر والوعي والبصيرة في هذه الأمة أن يتحدَّثوا عن هذه الحرب، وهذا الغزو الفكري والثقافي والروحي في أي وسيلة، فكم سخروا منَّا عندما كنا نتحدَّث عن “نظرية المؤامرة” الكبرى علينا.

فالحرب النفسية، والفكرية، والروحية كانت حاضرة في كل زمان ومكان لا سيما في صراعنا مع الكيان المغتصب للقدس الشريف، والغدة السرطانية في جسد الأمة العربية والإسلامية. ولكن كانت تغطي عليها الحرب التقليدية القديمة والساخنة حيث خاضت الكثير من الحروب. منذ إعلانها في حيِّز الوجود في الزمان والمكان الغير مناسبين لها. ولكن قوى الشر العالمي وإمبراطورية الشيطان الأكبر أرادت أن تجعل لها موطأ قدم في هذه المنطقة الحساسة حيث منبع الطاقة العالمية تتركز فيها. ويكون لها يد قوية وضاربة فيها أيضاً فأوجدت مملكة النفط (آرامكو) لضمان تدفُّق الذهب الأسود في شرايين العالم ولكن بإذن وأمر الإمبراطورية. وزرعت الغدة السرطانية لتتخلَّص من اليهود وشرهم. ثم لتستخدمهم كقوة شرسة وخارجة عن كل القوانين والأعراف الدولية لتأديب حركات التحرر وما يسمونه “بالدول المارقة” عن الطاعة والقرار الأمريكي في المنطقة.

ولكن ما جرى في نهاية القرن الماضي غيَّر كل الخطط الاستراتيجية والعملاقة التي كانت تطمح أمريكا فيها للسيطرة على الكرة الأرضية. بكل ما فيها لا سيما بعد أن أزاحت العدو التقليدي وما يسمَّى الكتلة الشرقية الاشتراكية من طريقها بأساليب الحرب الناعمة، والخشنة ولكن بأيدي غيرها، فالخسائر البشرية من غير جنودها لأن حرب فيتنام لقَّنتها دروساً قاسية جداً في هذا المجال. فما كان منها إلا أن أوجدت فرقاً وجيوشاً غير نظامية. وغير تقليدية، وغير عادية. من كل النواحي فتُسلحهم، وتُدربهم، وتُعطيهم الرواتب العالية فتغريهم. وتُؤيِّدهم ليكونوا يدها في ضرب الدول الأخرى التي ترى فيها أنها تُشكل خطراً على الأمن القومي والمصالح الأمريكية في أي نقطة من العالم مهما كانت بعيدة ونائية لأن الشيطان يريد أن يستحكم السيطرة على الإنسان في كل مكان.

ولكن ما ظهر في إيران، وظهور الإمام الخميني (قدس الله روحه الوثابة إلى الحق) بعباءته المتواضعة، وعمامته العالية، وطرحه الإسلام بقوة، ثم تأسيسه للجمهورية الإسلامية في إيران واعتماده في كتابة دستوراً يعتمد كلياً على القرآن الكريم والسُّنة النبوية المطهرة وفقه الإمامية، فلم يأخذه لا من السويد، ولا فرنسا، ولا بريطانيا ولا حتى راعى أي حرمة لأمريكا حين احتلوا وكر التجسس في طهران وأعطوه لحركة الشعب الفلسطيني المظلوم. وأعطى لبوصلة الجهاد الاتجاه الصحيح ألا وهي القدس الشريف. والعدو الأقرب هي الغدة السرطانية في فلسطين فقلب بذلك كل الموازين وأربك كل المخططات وراحت تلك المؤسسات العملاقة لديها بالبحث عن طريقة لتطويق هذه الثورة وتلك الصحوة الإسلامية التي رافقتها.

فأمروا أذيالهم وأذنابهم في المنطقة بشن الحرب المفروضة واستمرت لمدة ثمان سنوات عجاف ولكن خرجت الجمهوية الإسلامية أقوى وأقدر. فطرحوا نظرية “نهاية التاريخ” لفوكوياما. ثم “صراع الحضارات” لهانتغتون، وذلك لتبرير وجودهم الشرير فالمجرم يحتاج لصناعة عدو قبل أن يتفنن بصناعة السلاح. فجعلوا من الأمة (الحضارة) الإسلامية هي العدو وحمَّلوا إيران الثورة الإسلامية كل تبعات هذا التعثر لمخططاتهم الشيطانية في السيطرة على العالم. وبدؤوا بالحصار الاقتصادي، وحرب اللقمة والجوع. بمحاولة لصناعة ثورة البطون الجائعة. وهذه لا تصنع بالسلاح ولكن الإعلام الدَّجال، والإعلان الداعر. والتلاعب بالعواطف وقلب الحقائق. والتأثير على الشعب البسيط واستغلالهم للخروج عن الطاعة لقيادتهم الحكيمة. بل والطاعة العمياء لعدوهم، وليكونوا سلاحاً بيد أمريكا فيدمرون بهم بلادهم بأيديهم ويفشلوا الدولة ويجبروها للرضوخ لأمريكا.

ومن هنا جاءت فكرة الجيل الرابع للحرب الأمريكية خاصة لأنها فكرة منها انطلقت ولمصالحها نظرت ولا شيء غير ذلك. ولذا قال في تعريفها وأول مَنْ أطلقها حين أطلقها في محاضرة علنية في “معهد الأمن القومي الصهيوني” وهو العقيد والبروفيسور الأمريكي “ماكس مايوراينگ” حيث عرَّفها بنقاط هي: “الحرب بالإكراه، إفشال الدولة، زعزعة استقرار الدولة، ثم فرض واقع جديد يُراعي المصالح الأمريكية“.

 فالجيل الرابع: اتفق الخبراء العسكريون بأن الجيل الرابع هي حرب أمريكية صرفة طورت من قبل الجيش الأمريكي وعرفوها بـ”الحرب اللا متماثلة”. لأنها لا تستخدم فيها السلاح بل تستخدم وسائل الإعلام الجديد وإمبراطورية هوليود سيئة الصيت. ومنظمات المجتمع المدني والمعارضة والمطالبة بالحرية المطلقة. وحقوق الإنسان. والديمقراطية الهلامية، والليبرالية والنيو ليبرالية. وسلاحها العصابات المتنقلة والعابرة للحدود. بتدريب وقيادة “بلاك ووتر” وغيرها من المنظمات والمؤسسات الإجرامية الأمريكية التي يسمونها “الشركات الأمنية” المتخصصة بالحب والاغتيالات السياسية والأمنية في كل دول العالم. ثم العمليات الاستخبارية. ففي سوريا هناك تواجد عسكري لقطعان التكفير الصهيووهابية من أكثر من 86 دولة، وتواجداً أمنيا استخبارياً من أكثر من 114 دولة. وكل ذلك لإفشال الدولة القومية وتفكيكها وتدمير قوتها. والسعي لتحقيق النفوذ الأمريكي في البلد – سوريا – وخدمة مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وسياسات البنتاغون الإجرامية.

هنا جوهر الجيل الرابع للحرب حيث تستخدم العصابات من كل الجنسيات في ضرب الدولة وتفتيتها وتدمير قوتها وإجبارها بيد تلك العصابات للرضوخ للقرار والسياسة الأمريكية. وتحقيق كل ذلك بأيدي غيرها وحصادها لكل الأرباح دون أن تفقد جندي واحد من جنودها، فهي تبيع السلاح، والمواقف وتحصد النتائج بخسائر صفرية. وتلك هي الوسيلة والجيل الأخير للحرب الأمريكية والتي تتلخص بالفَناء الذاتي والداخلي للدول الغير منضبطة. ومنضوية تحت سيطرتها وهيمنتها وسلطتها الشيطانية الطاغوتية.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل