الشيخ الحسين احمد كريمو
هذه الأيام نعيش ذكرى أليمة على قلوبنا جميعاً وذلك بشهادة قادة النَّصر وصانعي الأمجاد في محور الممانعة والمقاومة في هذه المنطقة الحساسة والتي تشكل قلب العالم النابض بالطاقة. والطاقات البشرية. ونورها السَّاطع بالرسالات السماوية.
نستذكر تلك الفاجعة المهولة التي حلَّت على الأمة الإسلامية وأهل الغيرة والحميَّة من أبنائها الكرام البررة حيث استيقظوا والعيون مشدودة إلى الشاشات الكبيرة والصغيرة، والعقول حائرة. والقلوب مدهوشة مما يرونه من فظاعة وشناعة تلك العملية الإجامية التي قامت بها إمبراطورية الشَّر العالمي والشيطان الأكبر وبتوجيه وقيادة مباشرة من رأس الشَّر فيها المجرم الأول “دونالد ترانب” الذي افتخر بجريمته النَّكراء التي استنكرها العالم أجمع إلا أذنابه ومَنْ يدور في فلكه من المجرمين من أمثاله فقد تغنُّوا طرباً وسكروا فرحاً لأن “عالَمهم سيكون أكثر أماناً بدون الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس”، كما صرَّحوا جهاراً نهاراً.
نعم إنها فاجعة كبيرة حلَّت بمحور المقاومة، باستشهاد هذين الشهيدين القائدين العزيزين. والبطلين المغوارين، ولا أحد يستطيع أن ينكر هذا. ولكن هناك حقيقة يجب أن نشير إليها في هذه المناسبة وهي التي تحاول دوائر الجريمة والاستكبار اخفاءها لأنها ما يؤرِّقها في سيرة ومسيرة هذين العلَمين المقاومين. وهي؛ أنهما كانا من رجال العقيدة والجهاد، بحيث اعتقدا حتى النخاع بعقيدة الجهاد في سبيل الله التي شرَّعها الله تعالى في كتابه. ونفَّذها وبيَّنها رسول الله (ص) في حروبه وغزواته. وهي التي بنت صرح هذه الأمة العظيمة، وهي التي رفعت بنيانها وأكملت حضارتها.
لقد اعتقد الحاج قاسم سليماني بكل كيانه ووجوده بقول الرسول الأكرم (ص): (ذِروَةُ سَنَامُ الإسْلَامِ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا يَنَالُهُ إِلا أَفضَلُهُم)، فسعى ليكون الأفضل فأحسن القيادة والرِّيادة والعمل حتى حقق في نفسه وأمته تلك العقيدة التي انعكست على كل حياته وتصرفاته حتى استحق أرفع وسام في هذه الحياة ألا وهو وسام الشهادة في سبيل الله لأنه: (فَوْقَ كُلِّ ذِي بِرٍّ بِرٌّ حَتَّى يُقْتَلَ الرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِذَا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَيْسَ فَوْقَهُ بِرٌّ). فليس هناك وساماً أرفع من وسام الشهادة في هذه الحياة.
وهذا ما أظهره وبيَّنه الحاج قاسم في سيرته العلمية والعملية وفي ساحات الوغى والجهاد على مساحة واسعة من المنطقة دون تمييز بين ساحة وأخرى، ولا طائفة وأختها، فالكل عنده سواء بسواء. والأرض كالعرض مقدسة ويجب الدفاع عنها وحمايتها، والقدس لنا جميعاً وهي البوصلة التي تحدد الاتجاه الصَّحيح للمسيرة الإسلامية في هذا العصر الذي تكالبت فيه الأمم وقوى الشَّر علينا، ولذا تراه كهدهد سليمان. أو كبساطه يتنقَّل من أرض للجهاد إلى أرض أخرى. ومن ساحة في العراق، إلى ساحة في الشام، ثم إلى ساحل غزة الجريحة. فكان يتواجد في ستة جبهات فكراً وجهاداً. فالأرض للإسلام، والأمة واحدة، والجهاد عقيدة المؤمنين المخلصين في عقيدتهم والثابتين في إيمانهم.
فتحولت أفكار ورؤى هذا الشخص القائد. والمفكر الكبير من شخصه المبارك ومَنْ حوله من وحدته إلى مدرسة فكرية وعقائدية جهادية متنقلة ثم طوَّرها مع أبي مهدي المهندس وسيد المقاومة في لبنان، وبعض الأطراف الفاعلين والمؤمنين بما يؤمن به الحاج قاسم إلى جامعة للعمل الرسالي والفكر الجهادي في الأمة وهذا هو الإبداع الذي أحدثه الحاج قاسم في حياته المهنية وقيادته العملياتية في عموم محور المقاومة والممانعة المعاصرة.
وكل ذلك في الحقيقة والواقع ما هو إلا من مدرسة العقيدة في الإسلام حيث جعل الجهاد من أهم وأعظم الفروع التي بني عليها الصَّرح الإسلامي والفكري العام والشامل. وأبدع في تطبيقه الإمام الحسين(ع) سيِّد الشهداء في يوم عاشوراء ومدرسة كربلاء الخالدة، حيث قدَّم الإمام الحسين (ع) وإخوته، وأبناؤه. وأصحابه أروع أمثلة للتضحية والفداء للدِّين والقيم الإيمانية، والتي انبثقت منها مدرسة الإمام الخميني (قدس سره). وقادها سماحة السيد القائد (حفظه الله) بكفاءة منقطعة النظير، وبلورها في ساحات الجهاد الحاج قاسم سليماني ورفاقه المجاهدين القادة في محور المقاومة والممانعة لمخططات إمبراطورية الشر العالمي.
وهذه هي المدرسة التي تعلَّم منها بعد أن آمن بها وعشقها. الحاج قاسم وإخوته وشركاءه في العقيدة والفكر والجهاد وحتى الشهادة. وهو الذي فهمه الأعداء. فحاولوا حرف الأمة عنه وتشويهه في عيونها ولا أقل إبعاده عن الساحة الفاعلة في حياتها والصانع لمستقبلها. وجاء الحاج قاسم وأبو مهدي بهذه الجامعة الرائعة فأحيت عقيدة الجهاد. ورسَّخت عشق الشهادة في الحقيقة والواقع.
وأثبتا أحقيتهما في هذه الشهادة المفجعة. التي نكبنا بها في مثل هذه الأيام العصيبة ولكنها ذكَّرتنا بأبطال وشهداء كربلاء فأحيتنا من جديد. ولذا هبَّت الأمة جميعها بشيبها وشبابها لتشييع ومرافقة ومباركة هذه الشهادة الشَّاهدة على عظمة هذه الأمة ورسوخ إيمانها. وحقارة وتفاهة وإجرام أعداءها من شذاذ الآفاق ومجرمي الحروب من قادة محور الشَّر والشيطان الأكبر.