هل توجد أدلة عقلية على الشفاعة ؟

الجواب/ انّ الإنسان‌ إذا فعل‌ فعلاً قبل‌ أن‌ يبلغ‌ مرحلة‌ الفعليّة‌، أنتج‌ ذلك‌ الفعل‌ في‌ نفسه‌ هيئة‌ نفسانيّة‌ وحالاً من‌ أحوال‌ السعادة‌ أو الشقاء. والمراد بسعادة‌ ذلك‌ الفعل‌ هو كونه‌ خيراً قد حصل‌ للإنسان‌ بوصفه‌ إنساناً، والمراد بشقاء الفعل‌ عكس‌ ذلك‌، أي‌ كونه‌ فعلاً يعدّ شراً للإنسان‌ بوصفه‌ إنساناً. ثمّ تحصل‌ في‌ نفس‌ الإنسان‌ ملكة‌ راسخة‌ من‌ خلال‌ تكرار أفعال‌ الخير والشرّ، فيحصل‌ له‌ بتلك‌ الملكة‌ الراسخة‌ صورة‌ نفسانيّة‌ سعيدة‌ أو شقيّة‌، بحيث‌ تصبح‌ تلك‌ الصورة‌ النفسانيّة‌ البسيطة‌ الواحدة‌ منشأ لظهور هيئات‌ وصور كثيرة‌ أُخري‌.
فإن‌ كانت‌ تلك‌ الصورة‌ النفسانيّة‌ سعيدة‌، كانت‌ جميع‌ آثارها وجوديّة‌ ومنسجمة‌ مع‌ تلك‌ الصورة‌ ومع‌ أصل‌ نفس‌ الإنسان‌، باعتبار أنّ النفس‌ الإنسانيّة‌ بمثابة‌ مادّة‌ قابلة‌ لتحقّق‌ تلك‌ الصورة‌ وتجسّدها.
أمّا لو كانت‌ تلك‌ الصورة‌ النفسانيّة‌ شقيّة‌، فتكون‌ جميع‌ آثارها عدميّة‌ عائدة‌ إلی الشرّ والخسران‌ من‌ حيث‌ التحليل‌.

ومن‌ هنا، فالنفس‌ الإنسانيّة‌ السعيدة‌ تلتذّ بآثارها بصفتها نفساً إنسانيّة‌، كما تلتذّ بها باعتبار بلوغها فعليّة‌ السعادة‌. وفي‌ المقابل‌ فإنّ النفس‌ الإنسانيّة‌ الشقيّة‌ تنزعج‌ وتتألّم‌ من‌ آثارها، بصفتها نفساً إنسانيّة‌، علی الرغم‌ من‌ انسجامها معها وأُنسها بها لكونها سبب‌ نشوئها وظهورها. هذا بالنسبة‌ إلی النفوس‌ الكاملة‌، سعيدة‌ كانت‌ أم‌ شقيّة‌، أي‌ بالنسبة‌ إلی الإنسان‌ الذي‌ له‌ ذات‌ سعيدة‌ وأفعال‌ صالحة‌ حسنة‌، وبالنسبة‌ إلی الإنسان‌ الذي‌ له‌ ذات‌ شقيّة‌ وأفعال‌ فاسدة‌.

أمّا النفوس‌ الناقصة‌ فهي‌ علی صنفينِ:
الاوّل‌: النفوس‌ التي‌ لها ذوات‌ سعيدة‌ وأفعال‌ شقيّة‌، بمعني‌ أنّ تلك‌ النفوس‌ تمتلك‌ صوراً سعيدة‌ واعتقاداً حقّاً ثابتاً، إلاّ أنّ هيئات‌ شقيّة‌ ورديئة‌ طرأت‌ علی تلك‌ النفوس‌ من‌ المعاصي‌ والذنوب‌ والانحرافات‌ التي‌ اكتسبتها تلك‌ النفوس‌ الإنسانيّة‌ من‌ خلال‌ تعلّقها بالابدان‌ الدنيويّة‌، ومن‌ خلال‌ تلوّث‌ تلك‌ النفوس‌ بواسطة‌ ارتضاعها ثدي‌ الاختيار حتّي‌ الارتواء، فتسبّب‌ ذلك‌ في‌ تراكم‌ صدأ الحُجب‌ وغبار ظلمة‌ الكثرة‌ وآثارها.

ومن‌ الجليّ في‌ هذه‌ الحال‌ أنّ هذا الدنس‌ الظاهريّ يمثّل‌ أُموراً قسريّة‌ غير منسجمة‌ مع‌ ذوات‌ النفوس‌ السعيدة‌. والبرهان‌ قائم‌ علی عدم‌دوام‌ الاُمور القسريّة‌، لذا فإنّ هذه‌ النفوس‌ الصالحة‌ المؤمنة‌ السعيدة‌ ستطهر من‌ خلال‌ الضغوط‌ والمحن‌ التي‌ تواجهها خلال‌ الحياة‌ الدنيا، أو في‌ عالم‌ المثال‌ والبرزح‌، أو في‌ يوم‌ القيامة‌ وأهوالها، حسب‌ مقدار ذلك‌ الدنس‌ ومقدار ترسّخه‌ في‌ تلكم‌ النفوس‌.

والصنف‌ الثاني‌ هو النفوس‌ التي‌ لها ذوات‌ شقيّة‌ وأفعال‌ سعيدة‌، أي‌ أنّ تلك‌ الذوات‌ تمتلك‌ صورة‌ شقيّة‌، إلاّ أنّ ظاهراً قسريّاً عرض‌ عليها من‌ خلال‌ طروء الهيئات‌ الحسنة‌ من‌ الطاعات‌ والعبادات‌ علی تلك‌ النفوس‌. وسيفني‌ ويزول‌ هذا الظاهر عاجلاً أم‌ آجلاً، فتظهر حينها تلكم‌ الذوات‌ الشقيّة‌ في‌ شقائها.

أمّا النفوس‌ التي‌ لم‌ تبلغ‌ مرحلة‌ الفعليّة‌، في‌ أيّة‌ من‌ جهتي‌ السعادة‌ والشقاء، فبقيت‌ ناقصة‌ وضعيفة‌ عند مفارقتها لابدانها، فهي‌ ممّن‌ وُصفوا بأ نّهم‌ مُرْجَوْنَ لاِمْرِ اللَهِ يقضي‌ فيهم‌ ما يشاء.
ومن‌ جهة‌ أُخري‌ فإنّ البرهان‌ قائم‌ علی أنّ الكمالات‌ الوجوديّة‌ تختلف‌ فيما بينها بحسب‌ مراتب‌ الكمال‌ والنقص‌، والشدّة‌ والضعف‌. وهذه‌ هي‌ مسألة‌ التشكيك‌، وبخاصّة‌ في‌ النور المجرّد.
ومن‌ هنا، فإنّ للنفوس‌ مراتب‌ تختلف‌ في‌ قُربها وبُعدها عن‌ مبدأ الكمال‌ ومنتهاه‌ خلال‌ سيرها الارتقائيّ وفي‌ عودتها إلی حيث‌ بدأت‌، بحيث‌ تقف‌ في‌ درجات‌ يعلو بعضها البعض‌ الآخر، وخاصة‌ فيما يتعلّق‌ بالعلل‌ الفاعلة‌ ووسائط‌ الفيض‌ من‌ جانب‌ الحقّ الاوّل‌ تبارك‌ وتعالی‌.

لذا، فالنفوس‌ الكاملة‌، كنفوس‌ الانبياء عليهم‌ السلام‌ ونفس‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ خاصّةً، التي‌ تقف‌ في‌ ذروة‌ درجات‌ الكمال‌ والفعليّة‌ وفي‌ أرقي‌ منازلها، لها مقام‌ الوساطة‌ في‌ إزالة‌ الهيئات‌ الشقيّة‌ الرديئة‌ عن‌ نفوس‌ الضعفاء وعن‌ النفوس‌ التي‌ تقف‌ أدني‌ منها في‌ الدرجة‌، إن‌ كانت‌ تلك‌ النفوس‌ من‌ نفوس‌ السعداء الذين‌ طرأت‌ علی نفوسهم‌ تلك‌ الهيئات‌ الشقيّة‌ الرديئة‌، وهذه‌ هي‌ حقيقة‌ الشفاعة‌ الخاصّة‌ في‌ يوم‌ القيامة‌، وهي‌ مختصّة‌ بمرتكبي‌ الذنوب‌ الكبيرة‌.

للمشاركة:

روابط ذات صلة

السٶال: دار نقاش بين بعض المؤمنين مفاده ان احد المؤمنين ذهب للعمره واستظل في النهار ويمتنع عن دفع الكفارة لقوله ان بعض الاحكام لا توافق العقل وكذلك في الامتناع عن شم العطور في الحج وفي نفس الوقت اذا صادف ان هناك روائح كريهة فلابد من عدم تغطية الانف..الخ وحسب قوله كل ما خالف عقلي لن أمتثل إليه كون الدين دين العقل، نحن بدورنا حاولنا اقناعه حسب علمنا فحبذا لو أعطيتمونا جوابا يرفع هذه الشبهات ويزيل هذا التعارض ان دين الله لا يصاب بالعقول وفي نفس الوقت نقول ان الدين دين العقل ؟
كيف يمكن الرد على هذا الكلام من الإمام عليه السلام وهو العارف بالقران الكريم فهل يمكن أن يحتج على حقه في هداية الناس بهذه الطريقة وكذلك الكلام عن الإمام الصادق عليه السلام عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال : ( في قول الله عز وجل {و الشُعَراء يَتّبعهُم الغاوون} ، قال: هل رأيت شاعراً يتبعه أحد إنما هم قوم تفقهوا لغير الدين فضلوا وأضلوا ) عن الإمام الصادق (عليه السلام ) أنه قال : ( في قول الله عز وجل {و الشُعَراء يَتّبعهُم الغاوون} ، قال: قال : نزلت في الذين وضعوا بآرائهم فتبعهم الناس على ذلك .( وسائل الشيعة)كيف يمكن الرد على هذا الكلام من الإمام عليه السلام وهو العارف بالقران الكريم فهل يمكن أن يحتج على حقه في هداية الناس بهذه الطريقة وكذلك الكلام عن الإمام الصادق عليه السلام عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال : ( في قول الله عز وجل {و الشُعَراء يَتّبعهُم الغاوون} ، قال: هل رأيت شاعراً يتبعه أحد إنما هم قوم تفقهوا لغير الدين فضلوا وأضلوا ) عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال : (هم قوم تعلموا وتفقهوا بغير علم فضلوا وأضلوا كثيراً) (تأويل الآيات
السؤال : كيف يستدل على إمامة أهل البيت "ع" بالآية الكريمة : "إني جاعلك للناس إماما" رغم أن من معاني إمامتهم الخلافة وإمامة النبي ابراهيم "ع" ليس لها علاقة بالخلافة ؟
وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِیِّینَ مِیثاقَهُمْ وَ مِنْکَ وَ مِنْ نُوح وَ إِبْراهِیمَ وَ مُوسى وَ عِیسَى ابْنِ مَرْیَمَ وَ أَخَذْنا مِنْهُمْ مِیثاقاً غَلِیظاً . ماهو الميثاق المأخوذ من الأنبياء ؟
سورة النمل، آية 47، صفحة 381
قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَ بِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ
ماذا تقصد الآية ب " طائركم عند الله "

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل