Search
Close this search box.

الليبرالية والتحرر من القيود

الليبرالية والتحرر من القيود

الليبرالية والتحرر من القيود:

حَوْل الأُسس الفلسفية للعلمانية: المقالة -15-: حَوْل المادة (1) من الدستور: من العلمانية الغربية إِلَى العلمية الإِسْلامية: مستل من كتاب “التابوت: في التحول من سلطات السياسيين الى حكومات العلماء والمتخصصين” للسيد عصام الحسيني الياسري:

▪️من الأُسس الَّتِي تستند إِلَيْهَا العلمانية أيضا الليبرالية. أو “التحرر من القيود”، وهي مصطلح معرب مأخوذ من الإنجليزية (Liberalism)، وتعني “التحررية”، وهي فلسفة سياسية ظهرت في أوروبا تركز عَلَى الحرية الفردية، وتعني فسح المجال للانسان ان يصنع ما يشاء ما لم يؤثر عَلَى غيره، وتقوم عَلَى معارضة المؤسسات الدينية الَّتِي تحد من الحريات الفردية، وتصنف أعمال الانسان هَذَا حلال وهذا حرام، ولذلك يرى دعاة هَذَا المذهب ان عَلَى الدولة العلمانية عدم التدخل في المسائل الاعتقادية والثقافية للافراد، وأن عليها ان تقلص القوانين الَّتِي تحد من الحريات إِلَى أقصى حد ممكن، وأن الوظيفة الأساسية للدولة هي حماية الحريات مثل حرية التفكير، والتعبير، والملكية الخاصة، والحرية الشخصية وغيرها.

▪️ يقوم هَذَا المذهب أيضا عَلَى أساس تعظيم الإنسان، ويرى أنه مستقل بذاته في إدراك احتياجاته، وان النظام الَّذِي يبنيه بدأ يضع الإنسان بدلا من الإله في وسط الأشياء، فالناس بعقولهم المفكرة يمكنهم أن يفهموا كُلّ شَيْء، ويمكنهم أن يطوروا أنفسهم ومجتمعاتهم عبر فعل نظامي وعقلاني، وأن الدين وتضييقاته لَيْسَ ضروريا للتنظيم الاجتماعي الصالح، وأن القانون يجب أن يكفل حرية الرأي والاعتقاد.

▪️يقولون: الليبرالية تنجح في تحويل المكلف إِلَى محق، فالدين ينظر للانسان كمكلف عليه ان يطيع، ولسان الدين والشريعة لسان التكليف، وموضوع علم الفقه هو فعل المكلف، ولكن بفضل الليبرالية والعلم تحول الانسان من منفعل إِلَى فاعل، ولم يعد لـ “رجال الدين” هيمنة عليه، بل أصبح الانسان حرا في فعل ما يشاء، وبناءً عَلَى ما يمليه عقله بحسب الظروف والاجواء. نَقُول لهم: اعلموا أولاً ان الخطاب الديني يقوم عَلَى اساس تشريف المكلف قبل تكليفه، تشريفه بأن جعله الله خليفة له عَلَى أرضه، من بين كُلّ المخلوقات الأُخرى دونه، فهذا التكليف في الحقيقة تشريف للانسان، إذ كَانَ يمكن له تَعَالَى ان يكمل عقول البقر أو القردة أو الجمال أو الثعالب أو الحيتان، أو أَيّ مخلوقات أُخرى، ليجعل منها خلائف له عَلَى الأَرْض، لتتحكم بنا وتسخرنا، لكنه تَعَالَى شرفنا نحن بهذه الخلافة، وعلى الخليفة واجباتٌ عليه ان ينهض بها، ومسؤولياتٌ لابد له من اجرائها، فعندما نَقُول ان الانسان مكلف فهو في الحقيقة مشرف بهذه الواجبات والمسؤوليات، لا أنه بهيمة همها علفها وشغلها تقممها. بل حتى البهائم نفسها تشعر أنها مكلفة بحفظ صغارها وبناء جحورها أو أعشاشها.

▪️وقد يقولون: سلمنا أن التكليف تشريف، لكننا نتحدث عن الخضوع للدين الذي يجعل الانسان مكَلَفاً تابعاً لرجال الدين، نقول: نعم يحدث احيانا ان بعض المستغلين للدين يستعملون الخطاب الديني للسيطرة عَلَى الانسان المكلف لتسخيره لمصالحهم الخاصة، لكن هَذَا يجب ان يكون مبحثا آخر، مبحثا يتعلق باصلاح الدين، وبالأمر بالمعروف والنهي عَنْ المنكر داخله، ولا يقدح في أصل فكرة التكليف وما وراءها من التشريف.

▪️أَقُول: لَيْسَ من الواضح ماهية هَذِهِ الليبرالية الَّتِي تتحدثون عنها وما حدودها؟ فالبعض من المفكرين يربطها بموجة الاصلاح البروتستانتية، كردة فعل عَلَى الحروب الدينية والخضوع لروما، وأنها ظهرت بالضد من مظالم الكنيسة والإقطاع، وآخرون يربطونها بمحاربة الاستبداد، وبالتالي فهي “مصطلح عريض وغامض، شأنه في ذَلِك شأن مصطلح الرومانسية، ولا يزال حتى يومنا هَذَا عَلَى حالة من الغموض والإبهام” . ولذا فإننا لا نستطيع ان نتحدث عَنْ عموم مفاهيم الليبرالية، لكننا يمكن ان نتكلم هنا عَنْ الليبرالية الَّتِي تتبناها العلمانية، والتي تفصل المعتقدات والشرائع الدينية عَنْ الدولة، بدعوى ضمان حرية وحقوق الأفراد، ونتسائل هنا:

اين هي التصرفات والمواقف والاعمال الَّتِي يقوم بها فرد من الناس ولا تؤثر عَلَى المجتمع وتريدون ان لا يتدخل فِيهَا أحد؟ انها غير موجودة، وكل قول أو عمل لابد ان يكون له تأثير ما في بناء المجتمع، لكن هؤلاء لم يقرأوا جيدا فلسفة الأمر بالمعروف والنهي عَنْ المنكر الَّتِي ينادي بها الإِسْلامِ، ولم يقرأوا مبدأ تأثير الفراشة (Butterfly Effect) الَّذِي يقره العلم، وكلاهما ينصان عَلَى أن صغير الاشياء ربما تطور ليصبح كبيرا جدا، وأن الاعمال والمظاهر والتصرفات الفردية البسيطة، الصالحة منها، قد تتحول إِلَى خير شامل لأمة كاملة.

وأما الفاسدة والمنحرفة منها، فقد تتحول إِلَى كوارث وأوبئة وأزمات تعصف بتلك الأُمة. ان الإِسْلام يعتبر ان كُلّ عمل يقوم به الفرد أو الجماعة لابد ان يحمل في طياته صلاحا أو طلاحا، وعلى الدولة تشجيع الصالح وكبت الطالح، وأن تكفل الحريات للافراد بما يؤدي إِلَى خير وصلاح وارتقاء المجتمع. لكن يحلو للأخوة العلمانيين دائما انكار هَذِهِ الفطرة، وأتذكر أن أحدهم كَانَ يتحدث عَنْ الليبرالية ويفتخر بالحريات الَّتِي تكفلها العلمانية بالقول: ها أنت ترى كيف ان الناس في ظل النظام العلماني تمارس حريتها دون كره أو جبر، فمن أراد الصلاة فهذه المساجد مشرعة أبوابها للمصلين والقائمين، ومن أراد التسلية واللهو فهذه حانات الخمر وصالات القمار مفتوحة أيضا للراقصين واللاهين، والدولة تدعمهم وتضمن حرياتهم جميعا!!
أَقُول أَيّ منطق هَذَا الَّذِي يقبل أن تساعد الدولة المحسن ليكون محسنا، والمسيء ليكون مسيئا!؟ واذا كَانَ لي ولدان أحدهما تقي عالم عابد صبور، والآخر ميال للتفاهة وادمان الخمر وارتكاب الفجور، فإن الدولة ستدعم الأَوَّل ليكون عالما عابدا، وتدعم الثاني ليكون شقيا فاسدا!! ألا خبرونا بربكم: أين يجوز هَذَا في فلسفة الاخلاق؟ أن أرضى أنا الأب الأصغر ان يفعل الأب الأَكْبَر –الذي هو الدولة- هَذَا بولدي الثاني؟ وهل يمكن ان يستقيم هَذَا مَعَ منطق بناء الدولة الَّتِي يجب ان تكون الجهة المسؤولة عَنْ تنمية الفضائل ومحاربة الرذائل؟

▪️ان الإِسْلام لا يسأل الناس عَنْ دينهم، ولا يحملهم عَلَى تغيير معتقدهم، بل ويغض النظر عَنْ الملحد ان يكون ملحدا داخل بيته، شريطة ان لا يظهر هَذَا الالحاد علنا وأن لا يدعو الناس اليه ظاهرا، كما إنه يمنع عَنْ التجسس وهتك الاسرار، ويحترم الخصوصية الفردية إِلَى أبعد حد ممكن، لكنه لا يسمح ان تشيع الفواحش في المجتمع، ولا يريد ان تنتشر الرذيلة بين أفراد الشعب، ولا يريد للملايين من الناس ان يتحولوا إِلَى مدمني كحول أو مخدرات، ولا يريد ان تنتشر دور الدعارة لنشر أمراض الجنس وتخريب حياة ومستقبل الشباب، ولا يريد اشاعة العلاقات المشبوهة خارج اطار الزواج، ولا يريد لمظاهر السفور والاختلاط ان تحطم كيان الأُسْرَة.

▪️إن الإِسْلام يريد حفظ ظاهر الصلاح ونشر معاني الزهد والفضيلة، ولا يسمح لشركات الدعاية ان تَقُول ما تشاء وتحول الناس إِلَى مستهلكين عميان يحطمون البيئة ويتلفون المصادر الطبيعية ويلهثون وراء الموضات وآخر الصيحات بدعوى حرية العمل والتجارة، ولا يريد للبنوك مص دماء الافراد والشعوب بقروضها الربوية بدعوى حرية التصرف باموالها، ولا يريد اتلاف ملايين الاطنان من المحاصيل وعدم ارسالها إِلَى الشعوب الفقيرة بدعوى الحفاظ عَلَى اسعار السوق، ولا يريد لوسائل الاعلام ان يتملكها من هب ودب من شياطين السياسة أو تجار الرذيلة بدعوى حرية الصحافة والكلمة، ولا يسمح ان يتصدى لادارة الشؤون السياسية للبلاد كُلّ جاهل منحرف بدعوى حرية العمل السياسي.

▪️ان الإِسْلام يريد حرية فردية موجهة للصلاح والاصلاح، لا حرية عبثية تجعل الانسان مادةً تتلاعب بها أبالسة الانس وشياطين الجن. ويريد حرية ترتقي بالانسان، لا حرية تذله وتهينه وتركسه إِلَى الحضيض، قال تعالى: ((وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْض وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِك مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِين كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)) ، هَذَا وسيأتيك المزيد من المناقشات حَوْل أسس العلمانية فانتظر.
28 شعبان 1442 هجـ.

📌لمراجعة المقالات اشترك في قناة التليغرام “الدولة العلمية في الاسلام”: https://t.me/scientific_state

📌- ملاحظة: من أجل وعي شعبي يقود الى تغيير الدستور الحالي في البلاد انشر المقالات لأصدقائك ولا تجعلها تقف عندك.

➖➖➖➖➖➖➖➖
@akhb_thaq

  🌐 إخبارية ثقافية – قسم الرصد – مركز الإسلام الأصيل

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل