Search
Close this search box.

الإِمَامُ الحَسَنُ المُجتَبَى (ع) قَائِدُ الوَحدَةِ الإِسلَامِيَّة

الإِمَامُ الحَسَنُ المُجتَبَى (ع) قَائِدُ الوَحدَةِ الإِسلَامِيَّة

الحسين أحمد كريمو

12 / شهر رمضان / 1444ه

مقدمة ولائية

الحديث والبحث عن أولياء الله هو امر في غاية الأهمية لما لهم من تأثير في حياتنا وواقعنا وحتى مستقبلنا المنشود لأننا ننظر إليهم ليسوا أشخاصاً من التاريخ بل هم أحياء بيننا يقودون الواقع من خلال تمثلنا لهم واقتدائنا بسيرتهم العطرة، فهم القدوة للمقتدي، والأسوة للمتأسي، ولذا قال ربنا سبحانه وتعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب: 21)

وقال أمير المؤمنين الإمام علي (ع): (فَتَأَسَّ بِنَبِيِّكَ اَلْأَطْيَبِ اَلْأَطْهَرِ (صلى الله عليه وآله) فَإِنَّ فِيهِ أُسْوَةً لِمَنْ تَأَسَّى وَعَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّى وَأَحَبُّ اَلْعِبَادِ إِلَى اَللَّهِ اَلْمُتَأَسِّي بِنَبِيِّهِ وَاَلْمُقْتَصُّ لِأَثَرِهِ). (نهج البلاغة: خ160)

فنحن عندما نُحيي ذكرى ميلاد مثل الإمام الحسن السبط المجتبى (ع) فإننا نُحيي فينا تلك القيم الراقية التي عاشها ورسَّخها في حياة الأمة الاسلامية فنتَّخذه قدوة واسوة لنا في كل ما قال، أو فعل، أو حتى قرر، فإنه من أولئك الصفوة الذين اختارهم الله على علم على العالمين وجعلهم للناس أئمة خير وهداية عبر العصور والدهور.

الإمام الحسن السبط (ع) والمشروع الأموي

الباحث في التاريخ الإسلام بتجرُّد، والناظر ببصيرة خبيرة، وكان لديه شيأ من الإنصاف فإنه يجد أن الإمام الحسن المجتبى (ع) هو الإمام الحق للأمة الإسلامية، بالنَّص والجدارة لأنه من أهل بيت العصمة والطهارة، ومن فروع تلك الشجرة الطيبة التي ضربها الله مثلاً في كتابه الحكيم حيث قال: (كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (إبراهيم: 25)

ولكنه ابتلي برأس المشروع الأموي الطاغية معاوية بن هند الهنود، وهو فرع الشجرة الزقومية الملعونة في القرآن، قال تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا) (الإسراء:60)

حيث رأى رسول الله (ص) معاوية وصبيان بني أمية ينزون ويقفزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك ولم يُر مستجمعاً ضاحكاً ستة أشهر، وأمر بقتلهم ومعاوية بالخصوص، بسبعة عشر حديثاً صحيحاً في كتب المسلمين، كما حرَّم عليهم الخلافة والحكم والسلطة.

وكان الإمام الحسن السبط (ع) في حالة من الضعف والتشتُّت والتشرذم في جيشه ومجتمعه ودولته، واجتماع من معاوية وقوته بجيشه الذي جمعهم بالمال والإغراءات المختلفة، فشكل ذلك خطراً وجودياً على كل من الإمام والأمة في آن واحد إذا ما استمر النزاع والتخاصم والحرب بين الطرفين.

لأن الإمام الحسن المجتبى (ع) هو وريث جده المصطفى (ص) في رسالته، وأمينه على دينه وكتابه، ومعاوية وريث أباه وأمه بالحقد والحسد والضغينة على الإسلام ورسوله، ولكن هذه المرة لم يكن معاوية حاملاً لراية الكفر والشرك القرشية جهاراً نهاراً كما كان في بدر وأُحد والخندق وغيرها، بل كان قد لبس رداءٍ رقيقاً من الإسلام انطلى على أهل الشام الذين حكمهم منذ البداية فهم لا يعرفون أهل البيت وسابقتهم، ولا حتى أمير المؤمنين الإمام علي (ع) الذي كان أول مَنْ صلَّى سبع سنين، وهم يعبدون هُبل واللات والعُزى، وقام الإسلام بسيفه، بل كانوا يقولون: (وهل عليٌّ يصلي؟)، هكذا فعل ابن هند بالشام وأهله البسطاء الذين خرجوا من تحت نير هرقل الروم ونزلوا تحت نير رومي آخر أطلقوا عليه (كِسر العرب) كما سمَّاه خليفة قريش الثاني الذي استخلفه وأطلق يده بالشامات.

الإمام الحسن (ع) قائد الوحدة الإسلامية

فكان الإمام الحسن مخيَّراً بين أمرين أحلاهما مرُّ وهما:

الأول: الإستمرار بالحرب والنزاع مع طاغية بني أمية وهو يعلم علم اليقين أن معاوية لديه مشروع صار قاب قوسين أو أدنى ليُعلن عن دولة وإسلام أموي مبتدع ليس فيه من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه، لا أقل في الشام ومصر، فيكون الإنقسام الحتمي إلى إسلامين، ودولتين، وحكومتين.

الثاني: المصالحة، والمهادنة، والموادعة المؤقتة، لإعطاء فرصة لهذه الأمة حتى تكشف ما كان مستوراً عنها من النفاق الأموي ومشروعهم التدميري للإسلام، لأن شعار معاوية (لا والله إلا دفناً دفنا)، ولكن علم الإمام الحسن (ع) بأنه لا يصح إلا الصحيح، وإن كان للباطل صولة فإن للحق دولة، ولكن يجب أن يكشف الزيف الأموي ومخططهم التقسيمي.

فكان منه تلك التضحية التي لن نجد نظيرها في البشر (لأن الحكم عقيم)، ولكن في نظر ورأي الولاية الإلهية لا شيء يعلو على الدِّين الإسلامي ووحدته، وبقائه دولة وحكومة واحدة وإن كانت في ظل قيادة أموية فاجرة، لأنه لا بدَّ للناس من حاكم برٌّ كان أو فاجر، فاختار أن يُسلِّم الحكم لمعاوية بشروطه المعروفة، من أجل وحدة الأمة وجمعها في دولة واحدة وحضارة راقية في قادم الأيام.

ولذا يسمُّون العام ذاك ب(عام الجماعة) ولكن نسوا إمام الجماعة في زحمة الكذب والدَّجل والنفاق الأموي الذي حاول طيلة حكمه المظلمة التي امتدت لألف شهر من الظلم والقهر أن تطمس معالم هذا الدِّين، وتدفن ذكر رسول الله والأئمة الطاهرين.

ولكن صلح الإمام الحسن المجتبى وتضحيته بالحكم والسلطة هو الذي أبقى هذه الأمة أمة واحدة وهذا من أعظم جوانب الظلم الذي لحق بالإمام الحسن السبط المجتبى (ع) من هذه الأمة التي أنكرته، وجحدت تضحيته من أجلها، وفي سبيل وحدتها وقوتها كأمة واحدة.

السلام على إمام الوحدة والإلفة والإسلام، الإمام الحسن السبط المجتبى في يوم مولده المبارك، وأسعد الله أيامكم يا مؤمنين به، وموالين له، والمقتدين بسيرته الوحدوية.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل