لقد نهض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحيداً في بيئة كانت تقف بأسرها ضدّه، وقد عانى الكثير وتحمّل من الأذى الكثير، واعتصرته آلام كثيرة في سبيل تبليغ الإسلام للناس، فدعاهم إلى الهدى والتوحيد، وتحمّل صلى الله عليه وآله وسلم من المشاقّ في هذا السبيل ما لا أعتقد أنّ أحداً يقوى على تحمّله.
* كُتُب الدعوة إلى الإسلام
لقد كتب الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً إلى هرقل. وكما تذكر كتب التاريخ، فإنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كتب أربعة كتب إلى أربعة أباطرة: إمبراطور إيران، وإمبراطور الروم، وإمبراطور مصر، وإمبراطور الحبشة، وإنّ هذه الكتب محفوظة. وعلى ما أذكر، رأيت هذه الكتب في المتحف التركيّ عند زيارتي له.
هذه الكتب الأربعة كانت كلّها بمضمون واحد، أرسلها صلى الله عليه وآله وسلم إلى هؤلاء الأباطرة يدعوهم فيها إلى الإسلام والتوحيد. ويعدّ هذا العمل الذي قام به الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مقدّمة وحجر الأساس في عمليّة إبلاغ حقائق الإسلام إلى جميع أرجاء المعمورة، وإلى جميع الإمبراطوريّات في الدنيا، بهدف تعريف الإسلام الحقيقيّ للناس. غير أنّ هؤلاء الملوك -عدا ملك الحبشة- لم يستجيبوا مع الأسف؛ لذا، فقد توقّفت تلك الدعوة التي أراد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أن يقوم من خلالها بنشر الإسلام.
* تحمّل المسؤوليّة بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
بعد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، قويت شوكة الإسلام واتسعت رقعته؛ بفضل الجهود المضنية والمعاناة التي تجرّع مرارتها صلى الله عليه وآله وسلم، ومن جاء من بعده من المُضحّين، وراحت راية الإسلام تنتقل من يد إلى يد حتّى وصلت اليوم إلى أيدينا، أيدي هذه الفئة الموجودة حاليّاً، وهي المسؤولة عن الإسلام وعن أحكامه في عصرنا هذا، وتختلف مسؤوليّات أفرادها باختلاف مواقعهم، بعضنا يتحمّل مسؤوليّة جسيمة، في حين يتحمّل بعضنا الآخر مسؤوليّة تقلّ أهميّة عمّا يتحمّله أولئك.
فالذين يتحمّلون المسؤوليّة الجسيمة هم الحكومات، وزعماء الدول الإسلاميّة، وزعماء المسلمين. هؤلاء مسؤوليّتهم خطيرة جدّاً، ولعلّها أشدّ خطراً من مسؤوليّة جميع الفئات الأخرى. فقد اقتضت إرادة الله أن يصل الإسلام إلى أيدي هذه الفئة، فتصبح بذلك مسؤولة عن حفظ الإسلام، وحفظ وحدة كلمة المسلمين، وحفظ الأحكام الإسلاميّة، ونشر الإسلام إلى مختلف أرجاء هذا العالم المتمدّن.
* الإسلام.. منهج حياة
إنّ الإسلام ينطوي على منهج متكامل للحياة، ونظام للحكم، وقد مارس دوره في الحكم ما يزيد على الخمسة قرون، حينما كان يحكم بلداناً مترامية الأطراف. ورغم عدم تطبيق أحكام الإسلام حينها كما ينبغي، إلّا أنّه -بهذا المقدار الذي طُبّق منه- حكم تلك البلدان بعزّة ومنعة من جميع النواحي وفي جميع الأحوال. فالإسلام قد وضع برنامجاً دقيقاً ومفصّلاً لحياة الإنسان الفرديّة، بدءاً من الفترة السابقة لولادته، ومروراً بجميع المراحل التي يمضيها ضمن العائلة، ثمّ في مجال التعليم، وحتّى دخوله المجتمع الكبير، ووضع القوانين التي تنظّم حياة المجتمع المسلم، بل وكذلك القوانين والبرامج التي تنظّم علاقة الدولة الإسلاميّة مع سائر الدول والشعوب.
* اتّباع أسلوب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
لقد سعى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى إيجاد وحدة الكلمة في أرجاء المعمورة كافّة، وإلى انضمام دول العالم أجمع تحت لواء التوحيد، وأراد أن يحيا الربع المعمور من الكرة الأرضيّة تحت ظلال “كلمة التوحيد”، غير أنّ أغراض السلاطين ورغباتهم من جانب، ورغبات محرّفي الأديان وأمثالهم من جانب آخر، حالت دون أن يتسنّى للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم تحقيق ذلك. وهم اليوم أيضاً يحولون دون تحقيق الهدف ذاته، فكلّ مشاكلنا بسببهم.
إنّ حكّام المسلمين وملوكهم وزعماءهم يتحمّلون اليوم مسؤوليّة تجاوز الخلافات الجانبيّة التي تطرأ بينهم أحياناً، فليس في الإسلام عرب وعجم أو ترك وفرس، إنّها كلمة الإسلام فقط. فعليهم أن يتّبعوا أسلوب الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في الجهاد في سبيل الله، وأن يتّبعوا الإسلام. فإنّهم إن تمكّنوا من توحيد كلمتهم، وتجاوزوا الاختلافات الجزئيّة الطارئة، وصاروا جميعاً يداً واحدة، فإنّهم سيكونون مؤثّرين فعلاً.
* مسؤوليّة جامعة
إنّ علماء الإسلام -كثّر الله أمثالهم- يتحمّلون مسؤوليّة أخطر وأشدّ رغم ما يبذلونه من جهود، ورغم المتاعب التي يتحمّلونها. لقد أعزّهم الله تبارك وتعالى، وعظّم شأنهم، وجعل الآخرين أتباعاً لهم، وهذا ممّا يترتّب عليه المسؤوليّة. لذا، يجب أداء المسؤوليّة، والنهوض بها تماماً كما حملها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ونهض بها.
* نحو وحدة الكلمة
إن لم يوحّد زعماء المسلمين كلمتهم، ويتفكّروا في المآسي التي تعاني منها الشعوب الإسلاميّة، وإن لم يفكّروا بما حلّ بالإسلام وبأحكامه، وبالغربة التي صار عليها الإسلام والقرآن الكريم، فإنّهم لن يتمكّنوا من الاستمرار والسيادة. فيجب أن يفكّروا وأن يعملوا بجدّ حتّى يسودوا. ولو أنّهم عملوا على نشر الإسلام الحقيقيّ، والتزموا بتعاليمه، فإنّ السيادة والعزّة ستكونان من نصيبهم: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (المنافقون: 8).
(*) كلمة لسماحة الإمام الخمينيّ قدس سره بتاريخ 20 رجب 1385هـ.