أكدت الأكاديمية اللبنانية “د. غادة عيسى” أنه لا يخفى على أحد ما كانت عليه المرأة قبل الإسلام من ذلّ وإذا ولد للرجل أنثى كان يشعر بالعار وقد عبّر القرآن عن ذلك “وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُۥ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ” مصرحة أن السيرة النبوية مليئة بالأدلة على تكريم الرسول(ص) للمرأة.
يُعدّ العنف ضد المرأة والفتاة واحداً من أكثر انتهاكات
حقوق الإنسان انتشاراً واستمراراً وتدميراً في عالمنا اليوم، ولم يزل مجهولاً إلى حد كبير بسبب ما يحيط به من ظواهر الإفلات من العقاب والصمت والوصم بالعار.
وفي هذا السياق، حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 25 نوفمبر “اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة” (القرار 54/134)، فمن المفترض أن يكون الهدف من ذلك اليوم هو رفع الوعي حول مدى حجم المشكلات التي تتعرض لها المرأة حول العالم مثل الإغتصاب والعنف المنزلي وغيره من أشكال العنف المُتعددة؛ وعلاوة على ذلك فإن إحدى الأهداف المُسلط الضوء عليها هو إظهار أن الطبيعة الحقيقية للمشكلة لاتزال مختفية.
وبغية تسليط الضوء على هذا الموضوع ودراسة تكريم المرأة من منظور
القرآن الكريم والسنة النبوية، أجرت مراسلة وكالة الأنباء القرآنية الدولية(إکنا) في لبنان “الاعلامية ريما فارس” حواراً مع
الأستاذة المحاضرة في كلية الحقوق التابعة للجامعه اللبنانية، ومدرّسة حقوق المرأة في معاهد سيدة نساء العالمين (ع) بلبنان، والمتخصصة في قوانين المرأة والأسرة “د. غادة عيسى”.
حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 25 نوفمبر “اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة”، ما هي خلفية هذا القرار؟
وجاء اختيار 25 تشرين الأول/ نوفمبر كيوم لمناهضة العنف ضد المرأة منذ عام 1981 للميلاد على إثر الاغتيال الوحشي عام 1960 للأخوات ميرابال الثلاثة وهن ناشطات سياسيات من جمهورية الدومينيكان، وذلك بناء على أوامر من الحاكم الدومينيكي آنذاك.
وفي 20 ديسمبر كانون الأول 1993 اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها 104/48 والذي وضعت فيه اعلان القضاء على العنف ضد المرأة والذي أتبع عام 2003 بإتفاقية القضاء على جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات.
وفي هذا السياق، حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 25 نوفمبر / تشرين الثاني في عام 1999 اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، ودعت الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية لتنظيم فعاليات ذلك اليوم المخصص للتعريف بهذه المشكلة. مما يمهد الطريق نحو القضاء على العنف ضد النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم.
من أهم ما جاء في القرآن هو إنصاف المرأة وتحريرها من ظلم الجاهلية وظلاّمها، ما هو موقف القرآن والسنة النبوية من العنف ضد المرأة؟
لا يخفى على أحد ما كانت عليه المرأة قبل الإسلام من ذلّ ومهانة وسوء حال في كل جوانب الحياة، ولايسعنا المقام هنا للإلمام بواقع المرأة في العصور القديمة والجاهلية، ونكتفي بالإشارة الى أن المرأة كانت توصف بالكيد والمكر والخديعة، وكانت مصدر الشر ومبعث التشاؤم، وإذا ولد للرجل أنثى كان يشعر بالعار والخجل وقد عبّر القرآن عن ذلك أبلغ تعبير، قال تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُۥ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ﴾، لا بل قد بلغ العار والظلم بالإنسان الجاهلي فيما لو ولدت له أنثى حد الجرأة على وأدها ودفنها حية في جريمة وحشية منقطعة النظير فجاء الإسلام ليجرم ويحرم هذا الفعل في قول الله تعالى﴿وَإِذَا المَوءُودَةُ سُئِلَت * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَت﴾.
كذلك السيرة النبوية الشريفة مليئة بالأدلة على تكريم الرسول الأكرم(ص) للمرأة، ففي الحديث المروي عنه: “ومن اتخذ زوجة فليكرمها” ، والإكرام – في حده الأدنى – يفرض على الزوج أن يجتنب إيذاءها ويبتعد عن الإضرار بها مادياً ومعنوياً، فعنه(صلّى الله عليه وآله): “ألا وإن الله ورسوله بريئان ممن أضرّ بامرأة حتى تختلع منه”، وعنه(ص) أيضاً: “إني لأتعجب ممن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها”. كذلك دعا النبي(ص) إلى التعامل معها بكل احترام وانسانية انطلاقاً من مبدأ الحب، وأوصى الرجال ودعاهم إلى إعلام زوجاتهم بحبهم لهنّ، ففي الحديث “قول الرجل للمرأة إني أحبك لا يذهب من قلبها أبداً”.
ما هو مفهوم “ضرب المرأة” في الآية الـ34 من سورة “النساء” وكيف يمكن توضيح هذه الآية؟
إن الآية المقصودة في هذا السياق هي الآية 34 من سورة النساء:﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ .
هذه الآية أوضحت إحدى أهم أدوات أعداء الإسلام لتضليل المسلمين، لاسيما الشباب والنساء؛ فمنذ أمد بعيد وهم يسعون على امتداد البلدان الإسلامية وغير الإسلامية ومن خلال كتابة القصص القصيرة والطويلة، والقصص المسرحية والتصويرية وعرضها أو توزيعها، إلى عرض الإسلام على أساس أنه دين يبيح العنف ضد المرأة، ويحثّ الرجال على ضرب النساء ، وبذلك يُنفّرون الناس عن هذا الدين.
إن شرح هذه الآية الكريمة وتوضيح المقصد منها يحتاج إلى شيء من الهدوء والعقلانية لا أن تغلبنا الإنفعالية والعنصرية النسوية.
النشوز في أصل اللغة عبارة عن ارتفاع الأرض، ويكنّى به عن الطغيان والترفّع وتجاوز الحدود، ويطلق على المرأة إذا خرجت عن طاعة الزوج في الحدود المفروضة عليها، وتخلّفت عن القيام بوظائفها حيال زوجها. ومفاد هذه الآية هو: أنكم أيها الأزواج الذين منحكم الله قيمومة على أزواجكم، لا تسيئوا الاستفادة من هذه القيمومة، فتفعلون ما يحلو لكم، فإذا نشزت الزوجة وتخلّفت عن أداء ما عليها تجاهكم، فتتصرّفون معها وكأنها مملكة لكم، فإنّ النشوز وإن كان تقصيراً منها، إلا أن هذا التقصير لا يطلق لكم حليّة التصرف؛ فإن ذلك يدخل في :﴿تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا﴾، وهو منهي عنه في ذيل الآية، ومن بغى وظلم لا ينبغي أن يغفل عن ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾، فهو فوقكم، لا يرضى الظلم ويعاقب عليه، وينتصر للمظلوم. وإنما هناك إجراءات وتدابير يجب عليكم أن تراعوها، تكون سبباً في علاج النشوز ورجوع الحياة الزوجيّة إلى ما ينبغي أن تكون عليه من المودة والرحمة والسكن والراحة والطمأنينة.
وهذه الإجراءات التي يجب مراعاتها خطوة بخطوة، وعلى نحو الترتيب هي:
– الإجراء الأول: الموعظة: بالتذكير بحدود الله، ولزوم طاعته، والحثّ على أداء الوظائف الزوجيّة، لما في ذلك من صلاح الأسرة. ومن المعلوم أن هذه الخطوة (الموعظة) لن تكون مؤثرة إذا كان الزوج بذاته مساعداً على إيصال الزوجة – بسوء تصرفاته – إلى حالة النشوز، فلا بد له -إذا أراد تأثير موعظته- أن يصلح ما كان قد فسد منه. فالزوج الذي يكون بتصرّفه المخالف لقيمومته التي أرادها الله سبحانه وتعالى مسؤولية وتنظيماً وإدارة لدفة سفينة الحياة الزوجيّة، لا تسلطاً وعنجهيةً وامتيازاً، هو الذي يحتاج إلى الوعظ؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
– الإجراء الثاني: الهجران في المضاجع: إذا لم تجد الموعظة بشرطها المتقدّم نفعاً في إرجاع الزوجة إلى جادة الصواب، لأن هواها غالب على حكمتها، وانفعالها جامح، واغترارها بمال أو جمال أو نسب أنساها أنها شريكة في أسرة، وليست ندّاً في تنافس. هنا يأتي الإجراء الثاني الذي له تأثيره على كثير من النساء، وهو يمثل حركة استعلاء من الرجل على كل ما اغترت به المرأة وأوجب جماحها ونشوزها. وفي هذا الإجراء بُعدان:
– أحدهما: أن المضجع الذي هو موضع الإغراء والجاذبية، والذي تبلغ فيه المرأة المتعالية قمّة سلطانها، ويكون الزوج عادة ضعيفاً، فإذا استطاع أن يقهر دوافعه تجاه هذا الإغراء حتى حين، يكون قد أسقط من يدها أمضى أسلحتها التي تنتصر عادة فيها. وكانت – في الغالب – أميل إلى التراجع والملاينة أمام صمود زوجها وعزيمته وقوة شخصيته في ميدان سلطانها.
– ثانيهما: أن هذا الهجر ليس هجراً يضرّ بأجواء الأسرة ويجعلها تعيش في حالة من الاضطراب، لأنه هجران غير ظاهر أمام أحد غير الزوجين، حيث إنه في مكان خلوتهما. فلايكون هجراً أمام الأطفال، بحيث يورث في نفوسهم اضطراباً وانحيازاً نحو طرف دون آخر. وليس هجراً أمام الغرباء بحيث تذل فيه الزوجة، فتزداد نشوزاً. فإنه تبارك وتعالى يريد علاج النشوز ولا يريد إذلال الزوجة، ولا إفساد الأطفال. فاختار محلاً لهذا الإجراء يكون موضع السرّ بينهما.
الإجراء الثالث: الضرب: فالآية وإن أطلقت الأمر بالضرب، من دون أن تحدد موضعه، كيفيته، ومقداره، مما قد يوهم أن الضرب مسموح به للزوج على وجه الإطلاق.
وهذا التوهم في غاية البطلان، وينشأ من عدم إدراك المعنى الحقيقي لهذا الإجراء. وهنا لا بدّ من التركيز على نقطتين:
النقطة الأولى: عندما نتحدث عن هذا الإجراء الثالث لاينبغي لنا أن نغفل عن جميع ما تم تأسيسه في الإجراءين السابقين؛ من عدم كون الزوج بتصرفاته السيئة مساعداً للزوجة على نشوزها، وإلاّ كان لا بدّ له من إصلاح نفسه أولاً وبالذات، ومن أن من أهداف هذه الإجراءات والتدابير إرجاع الحياة الأسرية إلى المودّة والوئام والسعادة، وليس الهدف هو استعراض العضلات، وإثبات التفوّق، وممارسة الانتقام والتشفّي، والإهانة والإذلال، كما أن الغرض ليس هو إرغام المرأة على حياة لا تستطيع أن تتحمّلها؛ لحاكمية التسريح حينئذ. مع استحضار كل هذه المعاني حينها يأتي الحديث عن هذا الإجراء الثالث.
النقطة الثانية: إنّ هذا الإجراء وإن كان أعنف من الإجراءين السابقين، لكنه أهون وأصغر من تحطيم الأسرة بالنشوز. وفي الوقت نفسه هو إجراء لا موقع له، بل يعدّ من المحرّمات، في حالة الوفاق بين الزوجين. وإنّما جوّزته الشريعة لمواجهة استفحال حالة النشوز بعد أن لم يُجدِ معها إجراءات الوعظ والإرشاد والهجر والبعاد …
هناك من يصوّر بعض الأحكام الإسلامية بأنها تمييزاً جندرياً ضد المرأة أي تمييزاً على أساس الجنس، حبذا لو تذكرون بعض الأمثلة، وكيف يجب علينا أن نرد هذه الشبهات؟
العنف ضدّ المرأة مصطلح مطاط تم إدماجه في الاتفاقيات الدولية ليكون مصطلح مظلة لكل الفوارق بين الرجل والمرأة، سواء في الأدوار أو في التشريعات، وهو ما يطلق عليه التمييز الجندري، وعليه فكل تمييز بين المرأة والرجل سواء في الأدوار أو التشريعات تعتبره الأمم المتحدة عنفاً موجهاً ضدّ المرأة ضاربة عرض الحائط الفطرة الانسانية وخصوصية المجتمعات والدول…
فميراث الذكر مثل حظ الأنثيين تمييزاً جندرياً وبالتالي عنفاً ضد المرأة، وتعدد الزوجات كذلك، طاعة الزوجة لزوجها استعباداً…إلى أن وصل المطاف إلى اعتبار المهر الذي يعتبر حقاً من حقوق الزوجة على زوجها عنفاً ضدها.
إن التصدي لهذه الأفكار المشوهة فكرياً وعلمياً وتبيان الحقيقة واجب على كل من استطاع لذلك سبيلاً، وإلاّ فإن استعمال الشدّة والقوّة بوجه من يصّور القوامة تسلطاً واستعباداً من الرجل على المرأة وعنفاً يُمارَس ضدّها، ويحرّض الفتيات على رفض ولاية الآباء من جهة، وعدم التمسك بعفتهّن بحجة حرية المرأة بالتصرف بجسدها من جهة أخرى، وغيرها من الشبهات التي تسقط على أحكام الدين الحنيف، هي مسألة تكون من باب الإعداد لردع العدوان والعنف الذي يمارس بحق أمتنا، وهي واجبة على كل مسلم ومسلمة، فإننا نقاتل من يقاتلنا، ونرد العدوان بمثله على من يعتدى علينا،﴿فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ .