إن أهم علامة من علامات الساعة التي بشر بها القرآن، والتي لا يسعنا إلا انتظارها هي علامة دخول البشرية في عصر القيامة بحيث تكون لها حياة أخرى تختلف عما ألفته من حياة، وعايشته من أحداث.
وقال الله تعالى في محكم آياته:”فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ”(محمد / 18).
لقد امتد زمان الأنبياء(ع) حتى بلغ الخاتمية مع
رسول الله(ص) فما خلت الدنيا من نذير يهدي الى الحق ويدعو الى اجتناب الباطل،كما قال تعالى: “ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت…”.
وذلك امتدت الرسالات والشرائع لتكون الخاتمية مع القرآن الكريم الذي أنبأ بأشراط الساعة؛ متسائلاً بالإنكار والتوبيخ:”فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة…”.وهنا يبدو السؤال ملحاً، لماذا هذا الانتظار؟ أليس لأن الموعد قد اقترب؟ وهل ينتظر الإنسان من غير أن يكون قد اقتربت لحظة موعده بعد طول انتظار واحتضار؟! فالقرآن يسأل في سورة “محمد” ويجيب عن الساعة المنتظرة، فيقول:”فقد جاء أشراطها..”.
فما هي دلالة ذلك، ولماذا طال الانتظار؟ يقول أهل التفسير في إجاباتهم الكثيرة والمختلفة: إنه بالقياس الى ما مرّ من أزمنة وما بعث من أنبياء ورسل لهداية البشرية، فإن زمن خاتمية رسول الله يعتبر زمناً قصيراً، فإذا ما طال زمنه، فإن ظهوره(ص) وختم النبوة والرسالة به، يمكن أن يكون له معنى العلامة وأشراط الساعة، إذ لا بعث جديد يبشر بعوالم جديدة وطول انتظار إلا بعث محمد ذاته(ص)، لكون حفيده(المهدي) هو المنتظر لتتميم خاتمية الوجود،كما قال سيد الورى والجنان الإمام الحسين(ع):”بنا فتح الله وبنا ختم.”.
هناك إجابات كثيرة على أشراط الساعة من القرآن
هناك إجابات كثيرة على أشراط الساعة من القرآن الكريم،كما قال تعالى “فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين..” أو قوله تعالى: “وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابةً من الأرض تكلمهم..”، إلى عشرات الآيات التي تقدم بين يدي الناس ما يجعلهم في انتظار البغتة والشدة، ولكن السؤال الذي يقدمه القرآن في جواب أشراط الساعة، ويمكن اعتباره إبانة حقيقية عن دلالة المراد هو ظهور ما جاء به محمد(ص) على الدين كله ولو كره المشركون، ولهذا نجد أقلام المفسرين تضطرب جفافاً ومحواً وإثباتًا أمام تجليات ظهور الدين بقوة واقتدار، وذلك لما تفيده آيات الظهور في القرآن من الأخذ بقوة على يد مبعوث رحمة وقوة للعالمين قائم آل محمد كما يجمع أهل الإسلام قاطبة.
فدلالة الآيات القرآنية على أشراط الساعة وقربها بلحاظ زمن النبوات وتاريخها يبقى ملحوظاً في سياق ما يؤسس له القرآن من تحولات لا بد أنها سابقة على ما يراه المسلمون في معنى أشراط الساعة،كما بين القرآن في معنى ظهور الدين في فتح مكة الذي سجل فيه النص القرآني تغيراً دلالياً يتلاءم تماماً مع حركة الواقع وتحولاته،حيث نرى النص قد تبدل من قوله تعالى:
“ولو كره المشركون…”في سورتي البراءة والصف..’الى قوله تعالى:
“وكفى بالله شهيداً..”مع فتح مكة، فتدبروا أيها الناس في حركية النص ودلالته الواقعية،تمهيداً لظهور الدين على الدين كله في مستقبل البشرية.
علامة دخول البشرية في عصر القيامة
إن أهم علامة من علامات الساعة التي بشر بها القرآن، والتي لا يسعنا إلا انتظارها هي علامة دخول البشرية في عصر القيامة بحيث تكون لها حياة أخرى تختلف عما ألفته من حياة، وعايشته من أحداث. إنها علامة ظهور تشخص الى العالم لتجعل الناس بين إيمان صراح وكفر صراح بدلالة قوله تعالى:“يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم..”.
نعم، أتى أمر الله فلا تستعجلوه:”فقد جاء أشراطها،وأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم..”،فلا عتاب ولا انتظار، بل قلق وشحوب يوم لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً! ذالكم هو معنى وتمهيدات أشراط الساعة أن يكون العالم منتظراً لحظة العبور القلق الى زمن الظهور الأخير ليكون تحت وطأة القيامة بكل ما كسبته يداه،إن خيراً فخير،وإن شراً فشر.
إن كل ما يتحدث عنه العلماء في معنى أشراط الساعة وما يكون من تمهيد لها من شهوات وفجور،وحكام جور،وغير ذلك، يمكن أن يكون له حيز في تفسير الآيات، ولكنه ليس التفسير الحاسم لها، باعتبار أن عالم القيامة يبدأ من عصر ظهور دين محمد(ص)، وفي هذا الظهور تتجلى كل الآيات، وهذا ما تدعو الآيات إلى التدبر به على النحو الذي نعقل معه معاني ودلالات أن تبدأ أشراط الساعة بالرسول محمد(ص) وتنتهي به في زمن الظهور الكامل والنهائي، وهذا ما أسمعه إياه خطاب الرحمن يوم فتح مكة بقوله تعالى:“إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً…”،فهل يذهب بنا الظن الى اعتبار الفتح لحظة طواف في بيته المحرم دون أن تكون لهذا البيت حقيقة المباركة والهداية للعالمين؟كما قال تعالى: “إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدىً للعالمين”.
فالقرآن يقول في خطابه بادروا أيها الناس الى السماع والتعقل قبل أن تشهدوا حركة الوجود تنحسر عنكم لحظة حكم محمد لهذا العالم لتكون له قيامته قبل يوم القيامة بإحقاق الحق وإزهاق الباطل، بحيث يعي الناس كل الناس أن بداية الوجود كانت لمحمد(ص) وخاتمته تكون له ، فتحاً مبيناً، وظهوراً غالباً لدينه على الدين كله ..ولسنا نشك أبداً في أن هذا ما تُبلّغه السماء لحفيد محمد(ص) في الليلة المباركة في شهر رمضان جعلنا الله وإياكم ممن تقبل الله منهم الصيام والقيام.والسلام.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية “د. فرح موسى”