للعُجب مساوئ خطيرة، وأضرار مُهلكة، إنه يُهلك دين المرء، ويُهلك أخلاقه، ويسبب له الفشل في علاقاته الاجتماعية، ويمنعه من النجاح في الكثير من أعماله، وإنه لَيُعَمِّق الأنانية وتضخيم الذات، ويؤدي إلى تكبر المرء وتجَبُّره على الناس.
معايير المؤمن مختلفة عن سواه لأنها منبثقة من عقيدته التي تحدِّدُ له معاييره في الحياة، وتحدِّد له مفاهيمه كلها، ونظرته إلى وجوده، ودوره في الحياة، ومُنقَلبه الذي سينقلب إليه، وتمَيِّز بين الصحيح والخطأ، وبين الحق والباطل، وبين ما يَليق به من السلوكيات وما لا يليق، إنها تصبغ كل حياته بصبغتها، “
صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً…﴿البقرة/ 138﴾.
فمن الطبيعي أن تكون معايير من يختلف معه في العقيدة مختلفة، وقد تصل إلى حد التناقض، خلا المعايير الأخلاقية الثابتة التي يُحَسِّنها العقل البشري، ويتفق عليها العقلاء من البشر.
من بين تلك المعايير التي يختلف فيها المؤمن عن سواه معيار السُّرور والحُزن، وهو وإن كان يتفق معهم في طبيعة السُّرور والحُزن إذ هما إحساس نفسي موجود لدى جميع البشر فالسرور: انشِراحُ النَّفسِ ولَذَّةُ القَلْبِ بِما فيه طُمَأْنِينَةُ النَّفْسِ، سَواءً كان لِحُصُولِ مَنْفَعَةٍ، أو انْدِفاعِ ضَرَرٍ، عاجِلًا أو آجِلًا، والحُزن: الغَمُّ الحاصِلُ لوقوعِ مَكْرُوهٍ أَو فَواتِ مَحْبوبٍ فِي الماضِي، ويُضادُّه: الفَرَحُ والسُّرورُ.
وأصل الكلِمَة يَدُلُّ على خُشُونَةِ الشَّيْءِ وشِدَّةٍ فِيهِ، لكنه –أي المؤمن- يختلف في المِصداق الأَمْثَل للحزن والفرح، ففي حين يجد الناس سرورهم في طعام أو شراب أو لذة مادية، أو مال يحصلون عليه، أو منصب، أو مكانة اجتماعية، ويجدون حزنهم فيما فقدوه مما سبق، فإن المؤمن يجد سروره الأمثل في طاعة الله، وحزنه على ذنب كان منه.
حياة المؤمن قائمة على طاعة الله
السُّرور بالطاعة سرور حقيقي لأن حياة المؤمن قائمة على الطاعة، ويُراد بها فعل كل ما أمر الله به ونَدَب إليه، واجتناب كل ما نهى الله عنه، ومَردود الطاعة يرجع إلى العبد ذاته فالله غَني عن أعمال خلقه، فكل طاعة تفيد العبد وترتقي به في سُلَّم الكمال، وبالطاعة يتحقق له جميع ما يرغب به في الحياة من طمأنينة وراحة وسعادة وسرور، ورخاء وعيش رغيد، إذ لو التزم جميع أفراد المجتمع أو النسبة العُظمى منهم بمنهج الله تعالى وأطاعوه فيما أمر وفيما نهى لاستقامت حياتهم بلا شك، لأن استقامة حياتهم واستقرارهم فيها هي العلة التي انبثقت الشريعة من أجلها.
فالمؤمن حين يُطيع الله يتحقق له ذلك، ويتحقق له سروره في الدار الآخرة وهو سرور دائم لا ينقطع أبداً، إذ الجَنَّة دار السرور والفرح والسعادة، والطريق إليها الالتزام بتعاليم الله تعالى وطاعته.
ومن هنا نفهم لماذا يكون حُزنه الأهم على الذنب الذي ارتكبه، لأن الذنب معصية تقابل الطاعة، فما ينتج عن الطاعة ينتج عكسه عن الذنب من خسران ونكد وضيق وشقاء وحُزن دائمين في الآخرة فضلا عن الدنيا.
قد يقال: ما بالنا نرى أهل الطاعة محزونين في الدنيا، ونرى أهل المعصية مسرورين فيها؟
ويمكن أن يُجاب عن ذلك: بأن السُّرور ليس حِكراً على المؤمن، فالسُّرور والُحزن كما سبق وذكرنا شعور نفسي موجود لدى جميع البشر، وكل منهم له دواعيه للسرور والحزن تبعاً لمعاييره واهتماماته ورغباته، ولكنه سرور عابر لا يدوم إذ كل ما في الدنيا محكوم بالذهاب، بخلاف سُرور المؤمن بالطاعة فإنه يدوم ويدوم حتى يبلغ بالمؤمن مقام السعداء في جنان النعيم.