Search
Close this search box.

امتحان القلوب

عندما يشرع الإنسان في أي تصميم معماري كان أو ميكانيكي فإنه سيُخضع كل الأدوات والمواد المتعلّقة بالمشروع إلى الاختبار، ثم بعدها يبدأ بالتنفيذ، فيكون احتساب حالات الأمان في التصميم بأعلى جهد يسلّط على أضعف نقطة في مادة التصميم، ويستمر هذا الامتحان والاختبار إلى حين انتهاء المشروع وإتمامه بأكمله.. ومَن يتّبع هذا السياق والنهج في التنفيذ سيحصل حتماً على أفضل النتائج.
هنا عندما يُجري الإنسان اختباراته للأشياء، وهو لا يعرف مقدّماً نتيجة اختباره هذا إلا بعد الانتهاء منه، ومن جانب آخر فإن هذا الاختبار صار وسيلة لمعرفة قيمة وحقيقة كفاءة الأشياء..

هنا المقارنة ستكون مع الاختبار الذي سيتعرّض له ويُمتحن فيه الإنسان عندما يبلغ سن التكليف الشرعي، والقلب سيكون محط هذا الامتحان، كما للتصاميم المعمارية أو الميكانيكية مقاييس معتمدة عالمياً يكون تقييم النجاح على أساسها، كذلك الحال فهناك مقاييس سماوية تمثّلت برسالات السماء.

ومن خلال نهج الأنبياء والرسل والأئمة الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين)، ستكون هي المؤشر في تحديد مستويات النجاح، أي سيكون امتحان القلوب وفق هذه المقاييس، فبمقدار تهذيب الإنسان نفسه ومحاولاته المستمرة في الاقتراب من هذه المقاييس الربّانية.. سيحصل على الضمان في عبور الامتحان؛ أي أنه صار بالإمكان معرفة نتيجة الامتحان سلفاً، كما ذكرت الآية المباركة: ﴿بَلِ الإنسانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ (القيامة: 14)..
وقد مثّل الله تعالى أحد هذه القياسات بالآية المباركة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللّـهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللّـهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَـهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ (الحجرات: 3).

كما أنّ مدّة الامتحان ونوعه تختلف وفقاً لإرادة السماء، والله تعالى هو العالم بمصالح العباد وعواقبهم ومنافعهم ومضارّهم، فقد يكون الامتحان لأجل التأديب والتهذيب، أو لأجل أن يعطي العبدَ مرتبةً عاليةً في يوم الجزاء، أو ما هو بعلم الله تعالى، يقول الإمام علي (عليه السلام) في وصفه الأنبياء والرسل (عليهم السلام): «قد اختبرهم الله بالمخمصة، وابتلاهم بالمجهدة، وامتحنهم بالمخاوف» (نهج البلاغة: الخطبة 192).

والامتحان والسؤال يجري على الإنسان في كل المراحل التي يمرّ بها، بدءاً من الحياة الدنيا، وفي العالم البرزخي، إلى يوم الحساب، ولكن الفرق أنه ما زال في الحياة الدنيا، فبإمكانه أن يصلّح أخطاءه، ويحوّل فشل القلب في الامتحان إلى النجاح، ولكن في العوالم الأخرى لا مجال للتصحيح.

يقول الإمام علي (عليه السلام): «حتى إذا انصرف المشيّع ورجع المتفجّع، أُقعد في حفرته نجيّاً لبهتة السؤال وعثرة الامتحان» (نهج البلاغة: الخطبة 83)..
وقال (عليه السلام): «ثلاث يمتحن بها عقول الرجال، هن: المال، والولاية، والمصيبة» (غرر الحكم: 4664)..
ويقول الإمام الصادق (عليه السلام): «امتحنوا شيعتنا عند ثلاث: عند مواقيت الصلاة كيف محافظتهم عليها، وعند أسرارهم كيف حفظهم لها عند عدونا، وإلى أموالهم كيف مواساتهم لإخوانهم فيها» (الخصال: ص103/ح62)؛ أي أنّ الامتحان صار واضحاً، هو بكل ما يقوم به العبد من أعمال، يقول سيد الوصيّين (عليه السلام): «يُمتحن الرجل بفعله لا بقوله» (غرر الحكم: 11026).

وتبقى أحاديث وروايات وأقوال وأفعال الأئمة الهداة (عليهم السلام) هي الحجة البالغة على الناس، ومَن يتوفق إلى تطبيقها فإنّه ذو حظ وتوفيق عظيم من الله تعالى؛ لأنه وكما يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «إن حديث آل محمد صعب مستصعب، لا يؤمن به إلا ملَك مقرّب أو نبي مرسل أو عبد امتحن اللهُ قلبَه للإيمان» (الكافي: ج1/ص402).
وبالنتيجة، وكما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «عند الامتحان يُكرم الرجل أو يُهان» (غرر الحكم: 6206).
اللّهم اجعلنا من المُكرمين عندك بمحمد وآله الطاهرين.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل