Search
Close this search box.

كلُّ بني الإنسان يتوقون إلى الجنة

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “شَوِّقُوا أَنْفُسَكُمْ إِلى نَعيمِ الْجَنَّةِ تُحِبُّوا الْمَوْتَ وَتَمْقُتُوا الْحَياةَ”.
من ذا الذي لا يشتاق إلى الجنة، وهي مُنية كل البشر، فما منهم أحد إلا وهو يتمناها ويُمَنِّي نفسه بأن يكون من أهلها، يعلم أن فيها السعادة التامة الدائمة الخالدة، وأن فيها العيش الرغيد.
كلُّ بني الإنسان يتوقون إلى الجنة، حيث الحياة الطيبة الوادعة، والحُبُّ الذي يملأ القلوب، ودار السلام والأمان، يُلَقَّونَ فيها من الرَّبّ الرحيم التَّحيةَ والسلام، والمقام الأمين الذي لا خوف معه، ولا وَجَل، ولا قلق، ولا توتر، ولا تعب، ولا نصَب، ولا لغوب، ولا حُزن، والوجوه الناعِمة بنعم الله، وإكرام الله، ورضوان الله، الراضية لسعيها الذي سعته في الحياة الدنيا، في جنة عالية، لا لَغوٌ فيها ولا تأثيم، والسُّرُرُ المرفوعة، والأكواب الموضوعة، والنَّمارق المَصفوفة، والزَّرابي المبثوثة، والأزواج المُطَهَّرة من الخَيرات الحِسان، لم يَمسَسْهُنَّ إنسٌ ولا جانٌ، وغرف مبنية تجري من تحتها أنهار العسل واللبن والخمر الذي لا يُذهِبُ العقل والماء الزلال الصافي الذي لا يأسَن ولا يحتاج إلى تكرير، ويطوف عليهم ولدان مخلدون، كأنهم لؤلؤ مكنون، وفيها الجَمال والأشجار والظلال الوارفة الدائمة، والعيون الجارية، والثمار، والقطوف الدانية التي ذُلِّلَت لأهلها تذليلاً، وفيها السرور والحبور، والعيشة الراضية، وفيها القصور، والحدائق، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وفيها فوق ذلك ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطرَ على قلب بشر.

فمن الذي لا يحبّ أن يكون من أهل ذلك المكان؟ ومن ذا الذي لا يشتاق للانتقال سريعاً إليه؟ ومن ذا الذي يفضل عليه البقاء في الدنيا وهي دار النكد والكبد والتعب والنَّصب، والقلق والتوتر والخوف مِمّا يمكن أن يكون، ودار الحروب والقتل والجور والظلم والتعدي، ودار الغِلِّ والحِقد والحَسَد والمُدافعة والمخاصمة، والخِلاف والشِّقاق والنِّفاق.

لا يُفَضِّل الدنيا على الجنة إلا إثنان:

الأول: ذاك الذي لا يؤمن بحياة أخرى بعد المَوت، وهذا الصنف قليل في البشر، ولا يمكنه أن يأتي بدليل على نفي ذلك، جُلُّ ما في الأمر أنه يستبعده، أو يقول: من الذي مات وعاد إلى الحياة وأخبرنا عن ذلك العالم، وهذا أشبه ما يكون بالجنين في رحِم أُمِّه لو أُتيح لنا أن نحادثه ونخبره عن الحياة في الدنيا، وعَمّا فيها من مجرَّات وكواكب ونجوم وأرض وصحارٍ وجبال وأودية وأنهار وثمار وأزهار وبَشر ومتاع لأنكر ذلك أو استبعده لأنه محشور في عالمه الضيِّق فلا يؤمن بما وراءه.

الثاني: ذاك الذي يخاف من الموت لأنه يعتقد أنه انعدام لوجوده، وهذا خطأ فادح، فالموت لا يعدم الإنسان، الموت ينقله إلى عالم أسمى، ونشأة أعلى، والذي يموت من الإنسان بدنه فقط ويحصل ذلك بمفارقة الروح لبدنه، والروح باقية لا تموت، وهذا ما أثبتته البراهين العقلية والفلسفية.

إن الذي ينكر الحياة بعد الموت، ويرى في الموت نهاية رحلته الوجودية فمن الطبيعي أن يبحث عن جنته في الدنيا، لكنه لن يجدها ولو قضى كل عمره باحثاً عنها، وإن وجد شيئا فلن يجد كل شيء، سريعا ما ينقضي أَجَلُه ويموت دون أن يحقق أي رغبة من رغباته الوجودية، فلا السعادة الدائمة يجدها، والسعادة رغبة كل إنسان، لن يجدها في الدنيا لأنها قائمة على التعب والنصب، ولا الخلود الذي يرغب به سيجده لأنه لو عاش ما عاش فمصيره إلى الموت.

أما الذي يعتقد بأن الموت انتقال الذي يعتقد بأن الموت مجرد انتقال من عالم إلى عالم أسمى، ويعتقد بالمعاد وأن فيه تكون الحياة الحقيقية الدائمة فمن الطبيعي أن يشتاق إلى الجنة، ويتعلق قلبه بها وبما فيها من رِضا ورضوان، وأن ينفر قلبه من الدنيا وما فيها من متاعب وآلام وأحزان وفَقدٍ وخسران.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل