Search
Close this search box.

فَقْدُ اللِّئامِ راحةُ الْأَنام

فَقْدُ اللِّئامِ راحةُ الْأَنام

إن عالمنا اليوم مَليء باللَّئام الطُّغام، الذين لا يرعوون عن الظلم والقَهر والاستبداد، يثيرون الحروب في أرجاء الكرة الأرضية، ما إن تنتهي حرب حتى يُنشِبوا نارَ حرب أخرى كي تبقى مصانع الأسلحة عندهم تعمل وتبيع.

وروِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “فَقْدُ اللِّئامِ راحةُ الْأَنام”.
بلى واللهِ فَقْدُ اللئام وموتهم راحة للأنام، وكيف لا يكون كذلك واللئام لا يكون منهم خير أبداً، إنهم ليغدرون والغَدر طبيعة فيهم، ويفْجُرون والفُجور وسيلتهم الأَهَمّ لتحقيق مآربهم، وتخويف الأطراف المقابلة لهم، وردع من يريدون ردعه، ويكذبون والكذب أصيل فيهم، يكذبون على الله، ويكذبون على الناس، يخفون الحقائق، ويكتمون الحق، ويُلبِسونه بالباطل، ويُزَيِّنون الباطل ليظهر للناس كأنه حق، وينقضون العهود.

إما أن ينقضوه جميعاً أو ينقضه فريق منهم، ويُسيئون الجوار لأنهم لا يرون لأي جار حُرمة ولا كرامة، بل يرونه أقل منهم شأناً في الإنسانية، بل خَدَماً لهم، ويغتابون الأخيار ليوقعوا بهم، ويشوِّهوا سمعتهم، ويحطِّموا كيانهم، ولا تنطق ألسنتهم إلا بالسَّبِّ والشتم والطعن والفاحش من القول، وليس في قاموسهم حياء من شيء ولو كان عاراً وشناراً، يهادنون إن كانوا ضعفاء، فإذا أمكنتهم الفرصة أظهروا ما في نفوسهم من خُبثٍ وسوء، ولا حدَّ لسوئهم وظلمهم وطغيانهم، قلوبهم مشحونة بالغِلِّ والحِقد على من سواهم، لا يحبون الخير لأحد غيرهم.

اللِّئام يَصْعُبُ التعامل معهم، إذا أُعطوا جَحَدوا، وإذا أَعطوا عظَّموا ومَنُّوا واستطالوا، والعاقل هو الذي يجتنبهم ويجتنب التعامل معهم، وأفضل معروف يُرجى منهم أن يمنعوا أذاهم عن الناس، إذ لا يُرجى منهم الخير، ولا يُسلم من شرهم، ولا يؤمَن من غدرهم.
إن عالمنا اليوم مَليء باللَّئام الطُّغام، الذين لا يرعوون عن الظلم والقَهر والاستبداد، يثيرون الحروب في أرجاء الكرة الأرضية، ما إن تنتهي حرب حتى يُنشِبوا نارَ حرب أخرى كي تبقى مصانع الأسلحة عندهم تعمل وتبيع، وكي يوجِدوا فرص استثمار جديدة لشركاتهم العملاقة لإعادة بناء ما دمَّرتهم حروبهم المُفتَعلة، يعيثون في الأرض فساداً ودماراً، فساداً أخلاقياً، وسياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وأُسَرِياً، وإنهم ليدمِّرون كل ما هو قائم على ما خلقه الله تعالى وأراده، وإنهم لينحرفون بالمجتمع البشري نحو مزيد من الضلال والضياع.
أمتنا تواجه اليوم لِئاماً بيدهم مُقدرات العالم، لئاماً ما بلغ أحد في التاريخ مثل ما بلغوا من القوة والقدرة والسيطرة، واللُّؤم، يتحكَّمون بالعالم كله، ومن يرفض الانصياع لهم يحاصرونه مالياً ويدمِّرون اقتصاده، وإن كان ضعيفاً أنشأوا الأحلاف لقتاله، ولهم أدوات لَئيمة في عالمنا العربي والإسلامي، أدوات تملك من القدرات المالية ما يتيح لها أن تُمَوِّل كل حروب اللئام الكبار، وأن تنشر فسادهم في الإعلام والاقتصاد، وأن تشتري لهم الذِّمَم هنا وهناك.

في عالمنا العربي لِئام بلغوا المدى الأقصى في اللؤم، حين يأمر سيدهم بتدمير بلدان عربية يُمَوِّلون ذلك برحابة من صدورهم، يُسَخِّرون المال، والإعلام، والدِّين، والدُّعاة، ومنابر المساجد للدعوة إلى قتال المُسلم للمسلم، والتحريض على هذا وذاك، وتكفير هذا وذاك، وحين يحدث ما يحدث في فلسطين من قتل وتنكيل وجرائم حرب يَندى لها جبين الإنسانية، يُصدر أولئك اللئام فتاوى تُحرِّم حتى الدُّعاء، نعم تحرم الدعاء لهؤلاء المقتولين المظلومين المُجَوَّعين، ولو كان خَفِياً، فأيُّ لُؤْمٍ بعد هذا اللّؤم، وأية قَسْوَة تعدو هذه القسوة؟!

أليس في موت اللّئام راحة للأنام؟
أليس في فقد اللّئام حياة للكرام؟
أليس في فقد اللئام حِفظ لثروات الأمة وكرامتها وعِزَّتها ومنعتها؟
بلى: “فَقْدُ اللِّئامِ راحةُ الْأَنام”
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل