Search
Close this search box.

عِنْدَ تَظاهُرِ النِّعَمِ يَكْثُرُ الْحُسّاد

إن الرِّضا بما قَسَم الله سبب رئيسي لطمأنينة النفوس وسكينة الأرواح وتآلف القلوب.

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “عِنْدَ تَظاهُرِ النِّعَمِ يَكْثُرُ الْحُسّادُ”.
ولا يسلَم ذو نعمة من حَسَد الحاسدين الذين يتمَنَّون زوال نعمته، وكلما توالت النعم عليه وتتابعت كلما كثر حُسَّاده، فإن أنعم الله عليه بالرزق حسدوه عليه، وإذا أنعم عليه بالعلم حسده أهل العلم، وإذا أنعم عليه بالراحة حسده المتعَبون، وإذا أنعم عليه بالوَجاهة في الدنيا حسده المغمورون، وإذا أنعم عليه بالقُدرة حسده الضُّعفاء، وإذا أنعم عليه بالكرم حسده البخلاء، وإذا أنعم عليه بالشجاعة حسده الجُبَناء، وإذا أنعم بمحبة الناس حسده المكروهون، وإذا أتته الفرصة حسده المضيعون لها، وإذا نافسهم في الخير فتقدم عليهم حسده المتأخرون عنه، حتى ذو الخلق الكريم يحسده الناس على خُلُقه.

والناس بين حاسد ومحسود هذا دَيدَنهم، فإن رأيت منهم حسداً فلا تعجَب، ولا تغضب، فمِثلُك ومثلهم كثير، ولا يقتصر الحسد على الأفراد، فالجماعات تحسد بعضها، وكذلك الشعوب والأمم، وما عليك إلا أن تستعيذ بالله تعالى من شَرِّ الحسد والحاسدين.

ولو أن الناس رضوا بما آتاهم الله من فضله وأنعَم عليهم من جِدَته لأراحوا بعضهم واستراحوا، ولو أنهم أيقنوا أن لكل منهم فرصته في الحياة، ولكل منهم ما يناسبه من نِعَمٍ وأرزاق، لغبطوا بعضهم بعضاً وسألوا الله أن يديم نعمه عليهم جميعاً، ولتكاملوا فيما بينهم، هذا يقدم ما لديه، وذاك يقدم ما لديه، وهذا يعين ذاك، وذاك يعين هذا فاستقامت حياتهم، واطمأنت نفوسهم، وخلَت من الحِقد والحسد والشَّرِّ. فإن الرِّضا بما قَسَم الله سبب رئيسي لطمأنينة النفوس وسكينة الأرواح وتآلف القلوب.
إن من عظيم حكمة الله تعالى واتساع رحمته بعباده أن قَدَّر لهم أن يكونوا غير متساوين في أرزاقهم ومَلَكاتهم وقُدُراتهم، وأن يكونوا متفاوتين في النِّعَم، فهذا يُنْعِم عليه بالمال، وذاك بالجاه، وثالث بالعلم، ورابع بالقوة، وخامس بالشجاعة، وسادس بالقناعة، وسابع بالعافية، وثامن يجعل رزقه في السفر، وتاسع يجعل رزقه في الحضر، وبينهم اختلاف فيما يحبون وفيما يكرهون، وفيما يطمحون إليه من غايات، كل ذلك كي تتم الحياة الاجتماعية، وتُبنى المعايش، باستفادة كل شخص من الأشخاص الآخرين بما ليس عنده.

فالمجتمع الإنساني أشبه ما يكون بالبدن البشري، فيه أعضاء متفاوتة في الحجم، والموضع، والدور، والأهمية، ولكنه يحتاج إلى جميع أعضائه المهم منها والأقل أهمية، والكبير منها والصغير كي يكون كاملاً، فلا يعقل أن يكون كل الأعضاء قلباً، أو راساً، أو دماغاً، أو فماً، أو عينا، فلو كان كذلك لكان ناقصاً ولم يكن في الإمكان وصفه بالبدن.

كذلك المجتمع الإنساني يتنَوَّع أفراده في قابلياتهم، وكل قابلية نعمة، ولكل قابلية عطاء يوازيها، فلو كانوا متساوين في عطائه تعالى لما احتاج أحد إلى أحد، ولما قامت الحياة الإنسانية، ولما عُمِّرَت الأرض، قال تعالى: “أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴿الزُّخرُف/ 32﴾ فهذا غني وهذا فقير، وهذا قوي وهذا ضعيف، وهذا عالِمٌ وهذا جاهل، وهذا فلاح وهذا مهندس، وهذا تاجر وهذا طبيب، وهذا جُندي وذاك رئيس، ليكون بعضهم مُسَخَّراً لنفع بعض، ويكون الكل في خدمة الكل.

فمن يفهم هذه الحقيقة لا يحسد، ولا يحقد، ولا يملأ قلبه بالغِلِّ، ولا يتمنى زوال نعمة الغير، لأنها إن زالت عن غيره فعنه تزول أيضا، والحسد لذي النعمة لا ينقل النعمة إلى الحاسد.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل