منطق التفكر التدبر والتأمل والخروج من حالة الإنغلاق الفكري والمعرفي إلى الأفق الواسع والرحب المكنون في العقل، هو ما نزل به القرآن الكريم مكرسا محورية التدبر.
ولكن (حين تقع أزمة الأمور بيد من يقدم مصالحه الشخصية على القيم والمبادئ الفطرية والدينية تعود الجاهلية كرة أخرى).
فحين نقوم بدراسة واعية ودقيقة للمنهج التكفيري من الجذور الأولى وصولا إلى مستنقعات الدماء
نجد أن بعد تمكن الأمويون من السلطة عمدوا إلى نشر ذرائع التكفير للنيل من خصومهم ومعارضيهم ومن يقف بوجه سياسة الجور والتجبر، وبذلك يكونون أول من أسس للفكر التكفيري، وإن كانت هناك خطوات أسست له كالأعمال الفردية التي حدثت بعد رحيل رسول الله (ص) زمن الخلفاء، وما قام به الخوارج من أعمال إبادة تكفيرية، لكن الحالة لم تأخذ مديات تأسيس مدرسة التكفير إلا في زمن بني أمية. وعمدوا إلى نشر ذرائع التكفير للنيل من خصومهم ومعارضيهم، ليتبعهم بنو العباس على هذا المنوال، ولكن بثياب تكفيرية جديدة، مما عضد ورسخ مدرسة التكفير التي بنيت على أساس نيل السلطة والتحكم فيها. وكان للفكر الإسرائيلي وتأثيراته دور في خلق البيئة المتطرفة التي تؤمن بالدم والسيف والسبي. واستفاد الحكام أيما استفادة من هذا المنهج. لتوطيد أركان سلطانهم، فالأمة لم تكن تعترف بشرعية هذا الحكم ولا بحقانية القائمين عليه، فأغدقوا الأموال للوضاع، وأجزلوا لهم الجوائز والعطاء، كي يبرروا شرعية الحكم والسلطات فيما يفعلونه.
بعد ظهور الشيخ ابن تيمية وتصدية للفتوى ثارت ثائرة التكفير من جديد، فلم يترك فرقة من الفرق أو طائفة إلا وحكم بتكفيرها. معتمدا على ما أنتجه بنو امية من بنية عقدية مشوهة للعقيدة وتعاليم السماء، وكذلك ما قام به بنو العباس وصولا إلى المغول والتتار وحكم الأيوبيين الذين اعتمدوا على فكر اليهودي موسى بن ميمون مستشار القصر الأيوبي لقرابة أربعة عقود من الزمن، الذي تلقف ابن تيمية فكره وبنى عليه خطه الفقهي والتحليلي للتاريخ، ومستفيدا من فكر الكراميين اليهود الذين تتلمذ على أيديهم في حوران وسوق الوراقين بدمشق والذين يسميهم بمسلمة اليهود. ثم تلقف ابن عبد الوهاب الفكر الميموني التيمي.
لتتلقف داعش وأخواتها هذا المنهج بإيحاء غربي صهيوني وأسقطوه على عموم المسلمين، ليستبيحوا من خلاله دماءهم وأموالهم وأعراضهم. فالقضيط قضية سلطة وحكم لا غير، وتغيير الأحكام الشرعية وتحريفها نتيجة طبيعية لمن يريد الهيمنة والتسلط والاستعمار، واستخدام الأذرع التي يضمنون لها السلطة مقابل بيع الأوطان والأديان، هذا كل ما في الأمر.
بقلم : الأخ أبي وراث