إن التواضع بحد ذاته فضيلة من الفضائل الإسلامية وهو مصدر قوة للإنسان وليس ضعفاً ووهناً وبه الأمر في الكتاب الكريم: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾([1]) وقد أشاد أهل البيت عليهم السلام بشرف هذا الخلق واعتبروه من خصال المؤمن وسبباً في رفعته كما جاء عن الصادق عليه السلام: “إن في السماء ملكين موكلين بالعباد، فمن تواضع للَّه رفعاه، ومن تكبر وضعاه”([2]).
والذي يرتبط بمقامنا هو دور التواضع في عملية الإصلاح والعلاقة مع الآخرين فإنه ليس هناك شك في أن بعض الناس يقومون بخدمة الآخرين أو إجابتهم لكن مع روح مستعلية وتكبّر زائف من خلال ثقافة الطبقات والميّزات العرفية أو العائلية أو غيرها مما لا يقيم له الإسلام وزناً في واجب احترام الآخر وإنما المدار على التقوى في الأفضلية، فمن هنا لا بد من إيضاح هذا الجانب من خلال الآثار التي يتركها في نجاح العلاقات الإنسانية أو فشلها والواقع أنه لا يمكن التصديق أن التواصل والارتباط الوثيق بين أفراد أو مجتمعات هو قابل للاستمرار والديمومة طالما أن أحد الطرفين في إصرار وتصميم على استحقار الآخر وتقزيمه والاستعلاء والتكبر عليه، فكيف يكتب ذلك في سجل محاولات الإصلاح مع كونه دعوة عملية لسيادة منهج الاستكبار الذي يبغضه اللَّه عزّ وجلّ كل البغض حيث يقول سبحانه: ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ﴾([3]).
وفي الحديث: “فاعتبروا بما كان من فعل اللَّه بإبليس إذ أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد، واستعيذوا باللَّه من لواقح الكبر كما تستعيذون من طوارق الدهر، فلو رخص اللَّه في الكبر لأحد من عباده، لرخص فيه لخاصة أنبيائه ورسله، ولكنه سبحانه كرّه إليهم التكابر ورضي لهم التواضع”([4]).
وهناك جوانب أساسية في معاشرة الناس أكد عليها القرآن الكريم وما هي إلا مصاديق ومفردات للتواضع الذي هو ركيزة النجاح في المعاملة معهم أو إصلاح أمورهم أو مد يد العون لهم كما في سورة لقمان: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾([5])، ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾([6]).
من هـدي القرآن، الوحدة الثقافية المركزية
([1]) الشعراء: 215.
([2]) الكافي، ج2، ص122.
([3]) الزمر: 60.
([4]) نهج البلاغة، ج13، ص131، (شرح ابن أبي الحديد).
([5]) لقمان: 18
([6]) لقمان: 19