Search
Close this search box.

العلم ينمو بالتعليم

إنّ العلم ينمو بالتعليم، فمن يتعلَّم العلم ثم لا يُعلمِّه للآخرين يبقى علمُه ضحلاً، بل قد يضمَحِلّ، وقد قال الإمام أمير المؤمنين (ع) وهو باب مدينة علم النبي الأكرم (ص): “الْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ، وَالْعِلْمُ يَزْكُو عَلَى الْإِنْفَاقِ”

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لَنْ يَحُوزَ الْعِلْمَ إِلاَّ مَنْ يُطيلُ دَرْسَهُ”.
هذه حقيقة قررتها التجربة الإنسانية المديدة، والإمام أمير المؤمنين (ع) يعيد تقريرها بادئاً كلامه الشريف بأداة (لَنْ) التي تفيد النَّفْيَ المُؤَبَّد، الأمر الذي يعني أن العلم لن يحوزه ذاك الذي يدرس منه القليل ويكتفي به، إنما يحوزه الشخص الذي يطيل دراسته ويداوم عليها، وتوضيح ذلك في الأمور التالية:
أولاً: العلم كثير وما يُحَصِّلُه المرء منه يظل قليلاً، وهذا ما قاله الله العليم الخبير: “… وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴿85/ الإسراء﴾. فكل ما يحسبه المرء كثيراً من العلم هو قليل قليل، ومعلوم أن العلم منه ما يستفاد من طريق الحِسِّ، وهذا الطريق وإن كان هو الأوفر لكن المحسوسات لم يتمكن الإنسان من التعرُّف عليها جميعاً إلى يومنا هذا، بل ما عرفه الإنسان حتى من هذا الطريق مخصوص بما استطاع أن يحسَّه بالحواس الخمس وهو قليل ويكاد يكون مقتصراً على ما في الأرض، فما بالك بما سواها من عوالم!.

ومن العلم ما يستفاد من طريق غير محسوس وهو طريق الغيب، والغيب لا يعلمه إلا العالم بالغيب وهو الله تعالى، فما كشف الله عنه للإنسان بواسطة رُسُلِه أو كُتُبه عرفه الإنسان، ولكن ما لم يكشفه الله له أعظم وأعظم وأعظم بكثير، ومن العلم ما يُستفاد من طريق الإلهام وهذا عظيم أيضاً ولا يتاح كله للبشر، كما لا يُتاح لجميع البشر.

ثانياً: إنَّ العلم مُتَّسع لا حدَّ له ولا حصر، فكلما توَهَّم المرء أنه قد بلغ الأوج فيه اكتشف أنه لم يزل في بدايات اكتساب العلم، ولو قارنا ما بَلَغته البشرية اليوم من العلم بما بلغته منه قبل قرنٍ واحد من الزمن لوجدنا الفرق هائلاً، وقد قال تعالى: “… وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴿76/ يوسف﴾. أي وفوق كل عالم من هو أوسع إحاطة منه وأرفع درجة، إلى أن يصل الأمر إلى من أحاط بكل شي‏ء عِلماً وهو فوق كل ذي عِلم.

ثالثا: إنَّ المجهولات كثيرة، فما زالت البشرية اليوم تجهل الكثير من الحقائق والقوانين وغوامض الأحداث، وما زالت عاجزة عن الإجابة على كثير من الأسئلة التي تبحث عن جواب لها.

رابعاً: من النصائح التي يقدمها العلماء لطلاب العِلم أنهم يقولون: أَعطِ العِلم كُلَّك لِيُعطيك بعضه، وتفيد هذه النصيحة الجليلة أن الاكتفاء بالقليل من الوقت للطلب العلم والاتساع فيه غير كافٍ أبداً، فلا بُدَّ أن يُقبل طالب العلم بكُلِّهِ على طلب العلم، أي أن يكون همُّه الأعظم الاستزادة من العلم تلَقِّياً وتتلمذاً ودرساً وبحثاً. فمن اكتفى بالقليل من الاهتمام كمن يكتفي بالقليل من العلم كلاهما لا يوجدان القدر الضروري منه.
خامساً: إن الذي يرسِّخ العلم في الذهن مباحثتُه مع طالب آخر، أو مع الأستاذ، وهذا ما جرَت عليه عادة طلّاب العلم فإنهم لا يكتفون بتلقيه من الأستاذ بل يباحثونه مع أقرانهم من المتعلمين.

سادساً: إن العلم ينمو بالتعليم، فمن يتعلَّم العلم ثم لا يُعلمِّه للآخرين يبقى علمُه ضحلاً، بل قد يضمَحِلّ، وقد قال الإمام أمير المؤمنين (ع) وهو باب مدينة علم النبي الأكرم (ص): “الْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ، وَالْعِلْمُ يَزْكُو عَلَى الْإِنْفَاقِ”.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل