النية: هي القصد، أو التوجه الارادي الحاسم نحو الشيء. وللنية في الإسلام دور مهم في إعطاء الفعل والموقف الإنساني قيمته الحقيقية، كما لها دور في تقويم ذات الفاعل واتجاهه النفسي..
فالإسلام لم يعط الفعل العبادي ولا الفاعل قيمة ولا أهمية مجردة عن النية والقصد، في حالة تقويمه وتقديره للفاعل.. لأن الفعل العبادي في نظر الاسلام نسيج هيكلي لجهد إنساني تتحدد قيمته بالنية أو القصد.
إذ النية تعبير عن الموقف الداخلي، وعن التوجه الذاتي، والحقيقة الباطنة للإنسان.. وهي روح الفعل الحقيقية التي تملأ هيكله، لذلك فإن النية تعتبر أداة كشف عن حقيقة الباطن الإنساني.. تلك الحقيقة التي ليس بإمكان الفعل أن يكشفها… لأن الفعل يمكن أن يخضع لعملية تزوير مقصودة من قبل الانسان، ولأنه صياغة طبيعة لجهد ظاهر، يمكن أن يخرجه الفرد بشكل ليس ضرورياً أن يتطابق مع حقيقة الانسان ومحتواه الباطني.. فكثير من الناس يبذل المال، ويبدي حسن الخلق، ويصلي ويصوم.. ونحن نشاهد تلك الصور الظاهرة للأفعال، المتساوية في الظاهر عند جميع الممارسين لها، فنحسبها سواء.. ولكن لتقويمها في نظر الإسلام وسيلة أخرى، ولوزنها ميزان آخر، وهو النية. فالذي يبذل المال، ويبدي حسن الخلق من أجل كسب السمعة والصيت، والذي يصلي ويصوم من غير توجه واخلاص لله سبحانه، فكل هؤلاء يجسدون في عرف الاسلام حقيقتين منفصلتين ومتناقضتين في دنيا الإسلام.. حقيقة باطنة، وهي النية.. وحقيقة ظاهرة وهي الفعل بصيغته الهيكلية المنظورة.
وعندما يضع الإسلام موازينه ليزن الفعل، ويقوم الفاعل، يتخذ النية أساساً في الوزن والتقويم.. فإن لم تكن النية خالصة لله تعالى، كان هذا الفعل باطلاً، لا قيمة له، وخاسراً لا أجر لصاحبه… لأن فاعله لم يقصد القربة الى الله، ولم يتوجه إليه، بل قصد التمركز الذاتي، والتأكيد على ذاتيته لإظهارها بمظهر الصلاح، والمقبولية لدى الآخرين.
لذا اهتمت الشريعة الإسلامية بالتأكيد على أهمية النية في تحديد قيمة الفعل، وهل يراد به وجه الله تعالى أو سوى ذلك.
وقد جاء الحديث النبوي الشريف واضحاً صريحاً في تسجيل هذا المعنى عندما نص: “إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله، ومن كانت هجرته الى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته الى ما هاجر إليه”([1]).
وقد جاء في حديث الامام جعفر الصادق عليه السلام قوله: “صاحب النية الصادقة، صاحب القلب السليم”([2]).
وسئل الامام جعفر الصادق عليه السلام عن حد العبادة التي إذا فعلها فاعلها كان مؤدياً فقال: “حسن النية بالطاعة”([3]).
تكون “النية” هي مصدر قيمة الفعل، وعليها يتوقف مدى قبوله عند الله، ونيل ثوابه. ولذا كان المؤمن الحق بعيداً عن التناقض والنفاق، وانقسام الشخصية، ومعبراً بممارسته عن ذاته، فهو بهذه الممارسة يكشف عن شخصيته، ويرسم صورة توجهاته الذاتية الباطنة، من غير نفاق ولا رياء.
والنية تعتبر نتيجة نهائية لسلسلة من العمليات والبواعث الفكرية والنفسية التي تقرر في النهاية الموقف الباطني للإنسان، وتدفع بقواه البدنية الى إخراج الفعل إلى حيّز الوجود.
* بين العبادة والعبودية، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1]) محمد مهدي النراقي-جامع السعادات-ج3ص123.
([2]) محمد مهدي النراقي-جامع السعادات-ج3ص111.
([3]) محمد مهدي النراقي-جامع السعادات-ج3ص113.