Search
Close this search box.

قيمة العمل تنشأ من نِيَّته

قيمة العمل تنشأ من نِيَّته

لا يكون العمل لله إلا إذا كان إمتثالاً لأمره تعالى، وهذا يفرض أن تكون النيَّة ـ وهي الدافع الذي يدفعه إلى العمل ـ خالصة لله، خالية من الرِّياء، لأن قيمة العمل تنشأ من نِيَّته.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “شَرُّ الْعَمَلِ ما أَفْسَدْتَ بِه مَعادَكَ”.

الأعمال إمّا أن تكون خيراً أو تكون شراً، ومعيار الخير والشر فيها يختلف من شخص إلى شخص آخر تَبَعاً للعقيدة التي يعتقد بها، ونظرته إلى الحياة وما بعد الحياة، فمَن يعتقد أن الدنيا هي كل الحياة، لا تسبقها حياة ولا تعقبها حياة، وأن الإنسان يعيش فيها مدة من الزمن ثم يموت وينتهي أمره.

فمن الطبيعي أن يكون معيار خيرية العمل وشريته ناشئاً من هذه العقيدة، فما يرجع عليه بالخير في دنياه فهو خير، وما يرجع عليه بالشَّرِّ فيها فهو شَرٌّ.

أما الشخص الذي يعتقد بأن الحياة الدنيا ليست نهاية الطريق، بل مرحلة على طريق الحياة الحقيقية التي سيحياها في الآخرة، وأن الآخرة هي دار القرار، وأن الحياة فيها هي الحياة الأكمل، وأنها حياة دائمة خالدة، وأن تلك الحياة مترابطة ترابطاً عُضوياً مع الحياة الدنيا، وأن المَرءَ يبنيها في دنياه هذه، وأن سعادته أو شقاءه هناك ليسا إلا نتيجتين أو ثمرتين لعمله في الدنيا، فمن المؤكّد أن يكون معيار خيرية أعماله أو شرِّيتها مختلفاً عن الشخص الأول.

بالنسبة إلى المؤمن بالله وباليوم الآخر هناك معياران أساسيان لخيرية أعماله:

المعيار الأول: أن يكون عمله لله، وفي طاعته، فما يكون كذلك فهو خير أيّاً تكن نتائجه في الدنيا، أما في الآخرة فهو مطمئن لآثاره هناك، تحَقُّقاً لوَعد الله بجَنَّة عرضها السماوات والأرض ورضوان من الله أكبر لمن أطاعه، وتجَسُّداً لأعماله التي عملها في دنياه.

ولا يكون العمل لله إلا إذا كان امتثالاً لأمره تعالى، وهذا يفرض أن تكون النيَّة -وهي الدافع الذي يدفعه إلى العمل- خالصة لله، خالية من الرِّياء، لأن قيمة العمل تنشأ من نِيَّته، كما جاء في الحديث عن رسول الله (ص) أنه قال: “يا أيُّها النّاسُ، إنّما الأعمالُ بالنِّيّاتِ، وإنّما لِكُلِّ امرئٍ ما نَوى…”

المعيار الثاني: أن يكون أثر العمل في الآخرة خيراً، فرُبَّ عمل يكون شاقاً، ومكلفاً، في الدنيا لكن آثاره الأخروية رضوان من الله، فهو خير قطعاً، ككثير من التكاليف والواجبات التي فيها شيء من المَشقة البدنية أو النفسية المُحتمَلَة، كالصِّيام، والحَجِّ، والزَّكاة، والجهاد في سبيل الله، وما يتطلبه من دمار وجراح وقتل، ولكن الآثار الأخروية لكل ذلك هي من العظمة ما لا يمكن وصفها.

وعلى هذا المعيار يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): “مَا خَيْرٌ بِخَيْرٍ بَعْدَهُ النَّارُ وَمَا شَرٌّ بِشَرٍّ بَعْدَهُ الْجَنَّةُ وَكُلُّ نَعِيمٍ دُونَ الْجَنَّةِ فَهُوَ مَحْقُورٌ وَكُلُّ بَلَاءٍ دُونَ النَّارِ عَافِيَةٌ”.

والمعنى: أن كل ما يعتبره الناس خيراً في الدنيا لكن كانت عاقبته النار في الآخرة فليس بخير، فمن ينلْ في دنياه مالاً من طريق حرام، أو مُلكاً بالقَهر والظلم والعدوان، أو يقضي شهوة أو لَذَّة من طريق غير مشروع يعتبره خيراً له، ولكنه لو نظر إلى عاقبته الوخيمة في النار فليس بخير، بل هو شر بل شَرُّ الشَّرِّ.

ومن يصبر ويصمد على الحلال القليل، ويدفع أثمان كرامته وعزَّته واستقلاله وحريته، ويواجه في ذلك المِحَنَ والمصاعب وتنال منه المصاعب فقد يحسبه المرء شراً، لكن المؤمن العارف يراه رحمة من الله، ولطفاً منه به، فهو بالنظر إلى عاقبته الحَسَنَة في الآخرة ودخوله الجَنَّة خير قطعاً، لأن الدنيا مرحلة على الطريق، وهو مغادر لها ولو طال به العمر، والآخرة هي مَوْطِنُه الحقيقي ومُستقرُّه الدائم، فهي الأهم بالنسبة إليه، والعمل لها هو الأولى، ومن الخطأ الفادح أن يهتَمَّ بما يزول ويفنى ويترك الاهتمام بما يدوم ويبقى.

وبه نفهم قول الإمام أمير المؤمنين (ع): “شَرُّ الْعَمَلِ ما أَفْسَدْتَ بِه مَعادَكَ” فما أفسد حياتك الأخروية فهو شَرُّ الأعمال وإن كان ظاهره في الدنيا خيراً.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل