Search
Close this search box.

صفات المجاهد في سبيل الله

صفات المجاهد في سبيل الله

صحيحٌ أن الله تعالى فضّل المجاهدين في سبيله على القاعدين ﴿وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا1، ولكن ليس كل من حمل السلاح وانطلق لقتال العدو نال بركة الجهاد وحصل على آثاره الطبيّة. فكثيرون هم الذين قاتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن عندما وافته المنيّة انقلبوا على أعقابهم خاسرين، ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ2. بل للجهاد في سبيل الله تعالى شروطٌ أساسية بمراعاتها ينال المجاهد ما وعده الله من الفضل العظيم، والزلفى والمغفرة، وجنة النعيم ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ3. وأهم هذه الشروط:

القتال تحت راية الحق

الجهاد في سبيل الله واجبٌ إلهي لا يجوز أن يشرع فيه الإنسان من نفسه وبالرجوع إلى أهوائه. بل عليه أن يتبع أوامر الشريعة فيما تأمر به وتنهى عنه في هذا المجال. وأول ما تأمر به هذه الشريعة الغرّاء أن يكون جهاد المرء مرتكزاً على أساس ديني، بمعنى أن يكون قتاله لأجل الأهداف الإلهية، وتحت راية الحق، وبقيادة المعصوم عليه السلام أو نائبه بالحق الذي ينوب عنه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ4. لأن الله عز وجل لن يقبل عمل من يوالي عدوّه ويقاتل تحت رايته ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء5، بل ستكون أعماله باطلة ولا قيمة لها أيضا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم6.

طاعة القائد

من أهم الشروط التى يجب على المجاهد في سبيل الله الالتزام بها طاعة القيادة. وهي من الواجبات الشرعية التي أكد عليها الإسلام بشدة، لأن حفظ النظام وديمومته ونجاح الأعمال شرطها الأساسي طاعة القائد ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ7.أما التمرّد على القيادة الشرعية وعدم طاعتها فيدلّ في الواقع على عبادة النفس والتعصب للذات وهو ينافي مبدأ التسليم للحق والطاعة له. إن أول عملٍ ركّز عليه الإسلام في بداية ظهوره هو الطاعة لله ورسوله، ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ8، فالفوز في الدنيا والآخرة مرهونٌ بطاعة الله وطاعة رسوله والأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ9‏. لذا عيّن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الأئمة عليهم السلام قادةً لأمّته بعد وفاته، والإمام الثاني عشر الحجّة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف عيّن نائباً عنه وقائداً للأمة في غيبته هو الوليّ الفقيه الجامع للشرائط، حيث أمر الناس بالرجوع إليه وأوجب عليهم طاعته كما جاء في التوقيع المقدّس عن إمامنا المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف حيث قال لسائلٍ أشكل عليه بعض المسائل: “وأَما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأَنا حجة الله عليهم”10. واستناداً إلى ما تقدّم فإن عدم الطاعة للولي الفقيه يعني الاستخفاف الصريح بحكم الله تعالى، لأن الرادّ على الولي الفقيه رادّ على حكم الأئمة والرادّ على حكمهم رادّ على حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبالتالي رادّ على الله ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ11.

ومما يجدر الانتباه إليه هنا أيضاً هو وجوب طاعة القادة والمسؤولين المعيّنين من قبل الولي الفقيه، فهؤلاء القادة تجب طاعتهم ما داموا مؤيّدين من قبل نائب الإمام المعصوم في عصر الغيبة. ومجريات التاريخ تحكي بوضوح عن كثيرٍ من الهزائم والويلات التي مُني بها المسلمون والتي كان السبب الأساسي فيها عصيان أوامر القيادة الإسلامية. وهذا ما تدعمه وتؤيده النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة. وقصة معركة أحد خير شاهدٍ على ذلك. كما ويروي التاريخ لنا حادثة مهمة جداً ومعبّرة تحكي عن فداحة التخلّف عن أوامر القيادة لما له من عواقب وخيمة جداً، حين أعدّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم جيشاً قبل وفاته وعيّن قائداً عليه لم يتجاوز من العمر أكثر من عشرين سنة، وكان ذلك سبباً عند بعض المسلمين للتخلف والعصيان، فعلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالأمر وقال جملته المشهورة: “لعن الله من تخلف عن جيش أسامة”12.

التقوى

من يخشَ الله تعالى ويتّقه حق تقاته يجتنب ما حرّمه ونهى عنه، ويؤدّ ما فرضه وأوجبه. وهذا هو الإنسان المتّقي الذي يخاف الله ويحرص على عدم معصيته ومخالفة أمره، فتكون بذلك أعماله مورد قبول الحق ورضاه ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ13. أما الأعمال التي لا ترتكز على التقوى فتشبه البناء القائم على حافة جرفٍ هارٍ والذي لن يصمد طويلاً أمام التهديد وسرعان ما سوف يهوي بأهله ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ14.

فالتقوى تعدّ شرطاً أساسياً لأن الله لا يطاع من حيث يعصى. وإذا لم يحافظ المجاهد في سبيل الله على حدود الله عند أدائه لواجباته فلن يتقبل الله جهاده، ويُخشى أن يسلب منه فضل الجهاد والتوفيق إليه ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ15. لأن المجاهد إذا لم يكن مراعياً لحدود الله وملتزماً بشريعته فسيكون عرضةً لفتن النفس الأمّارة بالسوء والأهواء المضلّة، ما سينعكس سلباً على عمله وجهاده حتماً ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ16. فساحات الجهاد يجب أن تكون طاهرة وخالية من المعاصي وبذورها المكدّرة وآثارها الهدّامة التي تحول دون نشوء جبهة مباركة نورانية وقوية، لتكون أرضاً خصبة لفيوضات الحق وكراماته ونعمه المطلقة ومحلاً لعروج الإنسان وارتقائه.

الإخلاص

الإخلاص من الصفات الهامة التي ينبغي للمجاهد التحلي بها لأنها منشأ كل هداية وتوفيق. فالله سبحانه وتعالى أمر الناس بالعبادة ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ17 ‏وجعلها شرطاً أساسياً للارتباط به وتحقق العبودية والوصول إلى مقامها الشامخ، ولكنه لم يأمر بأي عبادة بل أمر عز وجل بالعبادة الخالصة له التي لا يشاركه فيها أحدٌ أبداً: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ18‏، وعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال: “طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه”19. فالإخلاص هو روح العبودية لله وجوهرها، وحقيقته تخليص النية والدافع نحو العمل من كل شيء ما عدا الله سبحانه وتعالى. فالمخلص هو الذي لا يطلب من وراء أي عملٍ يقوم به سوى الله تعالى، ولا يكون له مقصدٌ أو دافعٌ سوى رضاه والتقرّب إليه.

إن الأعمال مرهونةٌ بالنيات وإذا لم تكن النوايا خالصة فهذا يعني أنه يشوبها الشرك، والله تعالى لا يغفر أن يشرك به ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ‏20، ولا يقبل إلا ما كان له خالصاً كما في الحديث القدسي المروي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: “يقول الله عز وجل: أَنا خير شريك من أَشرك معي غيري في عملٍ عمله لم أَقبله إلا ما كان لي خالصاً”21. وعليه فكل عملٍ لا يكون خالصاً لوجه الله تعالى فهو شرك، والشرك ظلمٌ عظيم ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ22، والله تعالى لا يهدي القوم الظالمين ﴿وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ23.

والمجاهد في سبيل الله عند أدائه لواجباته وتكاليفه الشرعيّة هو في حالة عبادة، ولأعماله بعدٌ إلهي يمكن أن يرفعه إلى أعلى عليّين ويقرّبه من الحق نجيّاً في حال اتّسمت أعماله ونواياه بالإخلاص. أما إذا لم تكن النوايا خالصةً ولم يكن الدافع الأساسي من وراء الجهاد رضا الله وأداء التكليف الشرعي فلن تكون الأعمال مقبولةً وبالتالي لن ينال الأجر والثواب الذي يستحقّه. لأن الذاهب إلى ميادين الجهاد لن يصدق عليه وصف المجاهد في سبيل الله ما لم تكن هجرته إلى الله، وما لم يكن دافعه الأساسي وهدفه النهائي هو الحق سبحانه وتعالى لا غير، ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا24.

الصبر

الصبر من صفات المجاهد الأساسية ومن دونه لن يتمكّن من مواجهة الصعاب وتحمّل المشاكل التي تنتظره. لذا أمر الله تعالى به عباده المؤمنين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ25، وجعله أساس الإيمان ودعامته الرئيسة كما روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنه قال: “الصبر من الإيمان بمنزلة الرأْس من الجسد ولا إيمان لمن لا صبر له”26. والصّبر لا يعني تحمّل الشقاء وقبول الذلة والاستسلام للعوامل الخارجية، بل على العكس، الصبر يعني القدرة على التحمل والمقاومة والثبات أمام جميع المشاكل والصمود أمام الحوادث المرّة وعدم الانهيار وترك الجزع والفزع. وتاريخ العظماء يؤكد أن أحد أهم عوامل انتصارهم هو صبرهم واستقامتهم، أما الفاقدون لهذه الصفة فسرعان ما ينهارون وينهزمون.

ومن الخصائص الأساسية للصبر، أن بقية الفضائل متوقفةٌ عليها لأنها سندها ورصيدها الأساسي، والأهم من ذلك كله أن الله تعالى يحب الصابرين ﴿وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ27 وهو معهم ﴿إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِين. فمن صبر على الجهاد ولم يشكُ ولم يجزع واستقبل البلايا بصبرٍ وسكينة، فنصيبه أن الله تعالى معه وسوف يؤيّده بالنّصر.

ويكفي للدلالة على مدى أهمية الصبر بالنسبة للمجاهد ما ذكره القرآن الكريم حين أمر الله النبي بالقتال وتحريض المؤمنين عليه، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ28. فالآية الكريمة تشير إلى ما يشبه المعجزة التي يمكن أن تحصل مع المؤمنين المجاهدين في الحرب إذا ما التزموا الصبر وكانوا من المتصبّرين في ميادين القتال. فقد وعدهم الله تعالى بأن يغلب الرجل منهم عشرةً من الكفار في حال كانوا من الصابرين، بل حتى لو كانوا عشرة أضعاف عددهم. وممّا يسترعي الانتباه أنّ أغلب المعارك التي جرت بين المسلمين وأعدائهم كان فيها ميزان القوى لصالح العدو، وكان المسلمون قلّة غالباً. والسبب الرئيس الذي يقف وراء انتصار المسلمين القلة في مثل هذه المعارك هو صبرهم وتجلدهم أمام عدو يفوقهم عدداً وعدّة، وتمتّعهم بروحية الثّبات والاستقامة التي هي ثمرة شجرة الإيمان.

التوكل

التوكّل على الله يجب أن يكون أقوى وأمضى أسلحة المجاهد في سبيل الله، لأنه يؤمن بأن الحول والقوة بيد الله، وأنه المؤثر الحقيقي والوحيد في هذا العالم، وأن الأمور كلّها في الحقيقة ترجع إليه، وليس على الإنسان الصادق في إيمانه سوى أن يعبد الله فيما أمره وأن يتوكّل عليه، فلا يعتمد على نفسه إطلاقاً ولا يكون همّه نتائج أعماله بل جلّ اهتمامه يكون منصبّاً على طاعة ربه وأداء تكليفه بصدق وإخلاص، ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ29. أما النتائج فأمرها موكولٌ إلى الله تعالى ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ30. فالتوكل هو الاعتماد على الله تعالى في جميع الأمور، والاعتقاد بأنه مسبب الأسباب والمتسلّط عليها، وأن بإرادته ومشيئته تتحقّق هذه الأسباب.

وهذا لا يعني ترك العمل والإعداد وتهيئة السلاح والمعدّات وزيادة القوة العسكرية وتطوير الكفاءات والحرص على التنظيم وغيرها من الأمور. بل كل هذه الأمور ضرورية وأساسية ويجب الاهتمام بها وتوفيرها بحسب القدرة والوسع كما يقول الله تعالى ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ31، ‏فالتوكّل لا يعني ترك العمل والأخذ بالأسباب على الإطلاق. ورد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى قوماً لا يزرعون فقال لهم: “ما أنتم؟ قالوا: نحن المتوَكِّلُونَ، قال: لا بل أنتم الْمُتَّكِلوُن”32. فمن أضحى عنده معرفة بالله تعالى يعلم أن مقتضى الحكمة الإلهية أن الأمور تتحقق بواسطة الأسباب، ولكن على قاعدة أن جميع تلك الأمور لا تعدو كونها وسائل لا أكثر، وأن العبودية لله وأداء التكليف الشرعي أهم من تحقيق النصر، وأن هذه الأمور ليست هي من يحسم النتائج ويحقّق النصر ويضمن الوصول إلى الأهداف المنشودة، بل الاعتماد والتوكل يجب أن يكون أساساً على من بيده الملك وهو على كل شيءٍ قدير لا على الأسباب الظاهرية ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير33، فهو في الحقيقة الناصر والمعين، فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: “مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ لَا يُغْلَبُ ومَنِ اعْتَصَمَ بِاللهِ لَا يُهْزَم”34.

ذكر الله

لقد أمر الله تعالى المجاهدين أن يذكروه عند لقائهم العدو ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ35. وليس المراد بالذكر هنا الذكر اللفظي فحسب، بل المقصود منه أيضاً الذكر القلبي بمعنى حضور الله تعالى في قلوبنا بحيث لا نغفل عن علمه وقدرته غير المحدودة ورحمته الواسعة. ومثل هذا التوجه إلى اللّه يقوّي من عزيمة المجاهد في ميدان القتال، ويُشعره على الدوام بأنّ هناك سنداً قويّاً يدعمه في ساحة المواجهة، لا تستطيع أية قدرة في الوجود أن تتغلب عليه. فذكر الله يبعث على الاطمئنان والقوّة والقدرة والثبات في نفس المجاهد ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ36.

درب الهداية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- النساء، 95.
2- المائدة، 21.
3- القلم، 34.
4- النساء، 59.
5- الممتحنة، 1.
6- محمد، 33.
7- الأنفال، 46.
8- النور، 52.
9- النساء، 59.
10- بحار الأنوار، ج53،ص 189.
11- النساء، 80.
12- بحار الأنوار، ج 30، ص 423.
13- النور، 52.
14- التوبة، 109.
15- المائد، 27.
16- القصص، 50.
17- الإسراء، 23.
18- البينة، 5.
19- الكافي، ج 2، ص16.
20- النساء، 48.
21- الكافي، ج2، ص 295.
22- لقمان، 13.
23- الصف، 7.
24- الكهف، 110.
25- البقرة، 153.
26- الكافي، ج2،ص 87.
27- آل عمران، 146.
28- الأنفال، 65.
29- هود، 123.
30- الأنفال، 10.
31- الأنفال، 60.
32- مستدرك الوسائل، ج11،ص217.
33- الملك، 1.
34- بحار الأنوار، ج68، ص 151.
35- الأنفال، 45.
36- الرعد، 28

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل