وجّه الإمام الخميني قدس سره أنظار المسلمين نحو مشكلةٍ اعتبرها أمّ المشاكل وأمّ القضايا بل القضية المركزية الأهم، ألا وهي القضية الفلسطينية، حيث اعتبر الإمام قدس سره أن هذه القضية ينبغي أن تحتلّ الحيّز الأكبر والمرتبة الأولى من بين قضايا الأمة والشعوب، وكذلك الحكام، مشخصاً داء الأمة الراهن بتجاهل هؤلاء الحكام لهذه القضية وإخراجها من حساباتهم، وإلا فلو كان الحكام والشعوب يعملون جهودهم العادية لحل هذه القضية وإزالة الورم الصهيوني من خاصرة الأمة لأمكنهم ذلك بأقل الإمكانات متى ما توفرت لديهم الإرادة الجديَّة لذلك، يقول قدس سره: “ثمّة موضوع أشعر بأنّه يشكّل لغزاً بالنسبة لي، وهو أن جميع البلدان الإسلامية والشعوب المسلمة تعلم ما هي المشكلة، وتعلم أن يد الأجنبي تريد زرع الفرقة بين صفوفها، وتشاهد أن نصيبها من هذه التفرقة هو الضعف والزوال، وتشاهد أن دولة إسرائيل التافهة تقف بوجه المسلمين. ولو كان المسلمون مجتمعين وألقى كلّ واحد منهم دلْواً من الماء على إسرائيل لقضى عليها السيل، ومع ذلك يقفون أذلاء أمامها. واللغز أنّهم لماذا لا يلجأون إلى العلاج الحتميّ، والذي هو اتحادهم واتفاقهم رغم علمهم بكل ذلك؟! لماذا لا يحبطون تلك المؤامرات التي يضعها المستعمرون من أجل إضعافهم؟! متى ينبغي حلّ هذا اللغز؟! ومن يتمكن من حلّه؟! من المسؤول عن إحباط هذه المؤامرات سوى الحكومات الإسلامية والشعوب المسلمة؟ هذا لغز لو وجدتم جواباً وحلاً فاذكروه لنا”[1].
“إعلموا (وتعلمون أيضاً) أن الأيدي التي تريد أخذ ثرواتكم منكم ونهبها، ومصادرة كل ما تملكون من خيرات سواء فوق الأرض أو تحتها، أن هذه الأيدي لا تسمح باتّحاد إيران مع العراق، ولا إيران مع مصر، ولا إيران مع تركيا. يريدون ألاّ تتحقق وحدة الكلمة. ولكن هذا ليس تكليفكم. إن مسؤولية الرؤساء أن يجلسوا مع بعضهم بعضاً، ويتفاهموا ويحفظوا حدودهم وثغورهم، ويحافظوا على وحدة الكلمة بوجه العدو الأجنبي الذي يريد إلحاق الضرر بكم. ولو حافظتم على وحدة الكلمة لما أمكن لمجموعة من اليهود اللصوص في فلسطين أن تفرق ملايين المسلمين لمدة أكثر من عشر سنوات، والدول الإسلامية جلست مع بعضها بعضاً تقيم المآتم. لو كان هناك توحيد في الكلمة فكيف يستطيع هؤلاء، هذه العدة من اليهود اللصوص، كيف يستطيعون أن يأخذوا فلسطين منكم، ويخرجوا المسلمين من فلسطين، ولا تستطيعون أن تعملوا شيئاً؟!”[2].
فالإمام قدس سره ينبهنا إلى أن محاولة تفريق الأمّة إنّما هو بسبب إضعافنا عن مطالبتنا بحقوقنا ولا سيّما حقّ المسلمين في الأراضي المقدّسة في فلسطين.
ثم يخاطب الإمام قدس سره الحكام المسلمين والمتسلطين على ثرواتهم الطائلة، منبهاً لهم إلى الخطوات التي ينبغي اتخاذها في سبيل إرجاع حقوقنا السليبة، فيقول قدس سره: “هذه الأمور من الواضحات، لكن يجب التذكير. وإن أولئك يعلمون بهذا الأمر أيضاً ولكن عليهم الاجتماع والتفكير ووضع هذه الاختلافات البسيطة جانباً. فالإسلام هو بأيديكم الآن.
وليعلم رؤساء الإسلام، وسلاطين الإسلام، ورؤساء الجمهورية، والشيوخ، وأصحاب المناصب في الإسلام أن لهذه الرئاسة التي منحها الله تبارك وتعالى لهم مسؤولية. فعندما يصبح الإنسان رئيساً لقوم معينين، ولشعب ما، فإنه مسؤول عن ذلك الشعب وأولئك القوم، ومسؤول عن حياتهم، والحوادث التي تمر عليهم. إنّ الآخرين هم الذين يحتاجون لهؤلاء. إن هذا الأمر من العجائب، ومن العجائب أنّ الثروة بيد الشرق. إنّ ثروة النفط المهمة بيد الشرق وبيد المسلمين والبلدان الإسلامية. وإن سبب تقدّم أي دولة في العالم هو هذه المعادن والثروات. وكان انتصار الدول في الحروب بواسطة النفط. وهذه الثروات كلها بأيديكم! والحمد لله فان العراق يملك النفط، وإيران تملك النفط، والكويت تملك النفط، والحجاز تملك النفط، والنفط بيد المسلمين. ينبغي لأولئك أن يتملّقوا لكم ويقبّلوا أياديكم وأقدامكم، ويشتروا هذه الثروات بأسعار باهظة. يجب عليكم أن لا تتملّقوا لهم، وإن شاء الله لستم كذلك، بل يجب عليهم أن يتملّقوا لكم الآن، فالثروة بأيديكم. ولكن تصرّف المستعمرون بشكل خدعوا فيه بعض البلدان، فتصورت أن الأمر ليس كذلك، بل عليها أن تتملق أيضاً لهم، وأن تجاملهم حتى يأخذوا ثرواتها، وهذا يستلزم الأسف الشديد”[3].
وبغياب وحدة الكلمة، وعدم إيجاد رؤساء الإسلام لوحدة الكلمة بين صفوفهم، وعدم التفكير بمصائب الشعوب المسلمة، وشقاء الإسلام، وشقاء الأحكام الإسلامية، وغربة الإسلام والقرآن الكريم فإنه لا يمكن لهم السيادة. يجب أن تفكروا وتعملوا حتى تسودوا، وسوف تكونون سادة العالم لو علمتم بهذا الموضوع.
فالسيادة ستكون لكم لو عرفتم الإسلام كما هو وعملتم به كما ينبغي (العزة لله ولرسوله وللمؤمنين).
ومن هنا فإن الجمهورية الإسلامية في إيران وبتوجيهات من الإمام الخميني الراحل قدس سره وضعت في قمة سلم أولوياتها دعم القضية الفلسطينية، وإيجاد حالة من الاتحاد بين البلدان الإسلامية. يقول الإمام الخميني قدس سره عن هذا الأمر:
“إنّنا جاهزون في جميع الأحوال للدفاع عن الإسلام والبلدان الإسلامية واستقلالها. إنّ برنامجنا هو برنامج الإسلام، وتحقيق وحدة كلمة المسلمين، واتحاد البلدان الإسلامية، وتحقيق الأخوة مع جميع طوائف المسلمين في كلّ العالم، والاتحاد مع جميع الدول الإسلامية في سائر أنحاء العالم، والوقوف بوجه الصهيونية وإسرائيل، والوقوف بوجه الدول المستعمرة التي تريد نهب ذخائر هذا الشعب الفقير مجاناً وتركه ليعاني من الفقر والبطالة والبؤس. وتتحدث الدول دائماً عن الترقي والتطور الاقتصادي مع وجود هذه الوجوه الصفراء بسبب الجوع والفقر. وإنّنا نشعر بالأسى لهذه الحقائق المرّة، ويشعر علماء الإسلام بالألم بسببها، ولو كان هذا يسمى بالرجعية السوداء، فلنكن رجعيين!”[4].
* الوحدة الإسلامية – جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] منهجية الثورة الإسلامية، مقتطفات من أفكار وأراء الإمام الخميني قدس سره، ص 428.
[2] م.ن، ص 429.
[3] منهجية الثورة الإسلامية، مقتطفات من أفكار وأراء الإمام الخميني قدس سره، ص 429-430.
[4] منهجية الثورة الإسلامية، مقتطفات من أفكار وأراء الإمام الخميني قدس سره، ص 430-431.