Search
Close this search box.

آداب الصلاة المعنوية

آداب الصلاة المعنوية

للصلاة كما ذكرنا آداباّ ظاهرية وأخرى معنوية، سوف نشير إلى نبذة من آدابها المعنوية وهي:

التوجّه إلى عزّ الربوبيّة وذلّ العبوديّة
من الآداب القلبيّة في العبادات بشكل عامّ والصلاة بشكل خاصّ التوجّه إلى “عزّ الربوبية وذلّ العبودية”. بمعنى أن يكون فقر الإنسان وضعفه وعجزه ماثلاّ دائماً بين عينيه وهو في محراب الطاعة والعبادة لله عزّ وجلّ. وفي المقابل نظره على الدوام شاخص نحو غنى الحق تعالى وعظمته.

فمن الآداب الأساسية والمهمة جداً في الصلاة، أن يستحضر المصلِّي دائماً وهو واقفٌ بين يدي الله ذلّه وعبوديته وفقره وضعفه، وغنى الحقّ وكماله وعزّته ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ1. لأنّ العبودية المطلقة لله سبحانه وتعالى هي من أعلى مراتب الكمال وأرفع مقامات الإنسانيّة، ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ2.

بل لن يصل أحد إلى هذا المقام الإنساني الشامخ إلَّا من وصم ناصيته بهذه السمة كما قال الصادق عليه السلام: “العبودية جوهرة، كنهها الربوبية، فما فقد في العبودية وجد في الربوبية، وما خفي من الربوبية أصيب في العبودية”3. ويشير الإمام الخميني قدس سره إلى هذه الحقيقة بالقول: “فمن سعى بخطوة العبودية، ووسم ناصيته بسمة ذلّها، سيجد سبيل الوصول إلى عزّ الربوبية. وطريق الوصول إلى الحقائق الربوبية هو السير في مدارج العبودية، فما فقد من الإنيّة والأنانية في عبوديّته يجده في ظّل حمى الربوبية، حتى يصل إلى مقامٍ يكون الحق تعالى سمعه وبصره ويده ورجله. فإذا أسقط العبد تصرفاته وسلّم مملكة وجوده كلها إلى الحق وخلّى بين البيت وصاحبه وفني في عزّ الربوبية فحينئذ يكون المتصرّف في الدار صاحبها فتصير تدبيراته تدبيراتٍ إلهية، فيكون بصره بصراً إلهياً وينظر ببصر الحق ويكون سمعه سمعاً إلهياً فيسمع بسمع الحق. وبمقدار ما تزداد ربوبية النفس ويكون عزّها غايةً في نظره، ينقص من عزّ الربوبية، لأنّ هذين: أي عزّ العبودية وعز الربوبية متقابلان الدنيا والآخرة ضرّتان”4.

الخشوع
وهو من الآداب المعنوية المهمّة للصلاة وهو حالةٌ تحصل في قلب المصلّي. ومعنى الخشوع هو الخضوع التام الممزوج بالحبّ والخوف كما يقول الإمام الخميني قدس سره: “من الأمور الضرورية للسالك واللازمة لجميع العبادات لا سيما الصلاة هو الخشوع، وحقيقته الخضوع التام الممزوج بالحبّ أو الخوف”5. ومنشأ هذا الخضوع هو إدراك عظمة الحق تعالى وجلاله. فالخشوع يحصل من إدراك عظمة الجلال والجمال وسطوتهما وهيبتهما. والمصلّي يجب أن يكون في صدد تحصيل حالة الخشوع في صلاته، لأنّ الله تعالى جعل الخشوع في الصلاة من حدود الإيمان وعلائمه ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ6. وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: “إذا دخلت في صلاتك فعليك بالتخشّع والإقبال في صلاتك، فإن الله تعالى يقول: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ7.

وتحصيل حالة الخشوع يكون بتفهيم القلب وتلقينه عظمة الحقّ وجلاله وبهائه وجماله جلّت عظمته، كما يقول الإمام الخميني قدس سره: “إذا علم الإنسان بالبرهان أو ببيان الأنبياء عليهم السلام عظمة الله وجماله وجلاله، فلا بدّ أن يذكّر القلب بها حتى يدخل الخشوع شيئاً فشيئاً في القلب”8.

الطمأنينة
وهي من الآداب المعنوية للصلاة أيضاً. والمقصود منها أن يأتي المصلّي بالعبادة مع سكون القلب واطمئنان الخاطر، لأنّ القلب إذا لم يطمئنّ ويسكن فلن يكون للأذكار والعبادات فيه أي تأثير. لأن العبادة إذا أُتِي بها والقلب مضطربٌ ومتزلزل، فلن يتأثر القلب بها ولن يتفاعل معها. في حين أنّ الهدف الأساسي من تكرار العبادات والأذكار هو أن يتأثر القلب بها، حتّى يتشكّل باطن المصلّي مع حقيقة الذكر والعبادة ويتّحد قلبه بروح العبادة.

يقول الإمام الخميني قدس سره في هذا الصدد: “من الآداب القلبيّة الهامّة في العبادات خصوصاً ما يتميّز منها بالذكر، الطمأنينة. فهي إشارةٌ إلى أداء السالك العبادة بسكينة قلبٍ، واطمئنان بال. فالسالك إذا قام بأداء تلك الأعمال وهو في حالةٍ من اضطراب القلب وعدم الاستقرار، فإنّ القلب لن يتفاعل معها ولن تحصل منها آثارٌ على ملكوته، ولن تعكس حقيقة العبادة الصورة الباطنية للقلب. فإنّ أحد الأهداف المنظورة من تكرار العبادات والإكثار من الأذكار والأوراد هو جعل القلب متأثراً بها ومتفاعلاً معها، حتى تشكّل حقيقة الذكر والعبادة باطن السالك شيئاً فشيئاً، وتجعل قلبه متّحداً مع روح العبادة، غير أنّ القلب ما لم يتّصف بالاطمئنان والسكينة والوقار، فإنّ الأذكار لن تؤثّر فيه ولن تسري من حدود الظاهر ومن ملك البدن إلى ملكوت النفس وباطنها، ولن ينال القلب حظّه من حقيقة العبادة”9. ويذكر الإمام قدس سره مثالاً عملياً على كيفيّة تمرين القلب على تحصيل الطمأنية فيقول: “إذا قال أحدٌ الذّكر الشريف (لا إله إلا الله محمد رسول الله) بسكينة القلب واطمئنانه، وراح يعلّم القلب هذا الذكر الشريف، فإنّ لسان القلب ينطق بالتدريج حتى يصبح لسان الظاهر تابعاً للسان القلب”10.

التفهيم
وهو من الآداب القلبية المهمةّ للصلاة أيضاً، ومعناه أن يفهّم المصلّي قلبه ويعلّمه معاني ما يقوله، فيفهمه معاني الآيات والأذكار التي يتلوها في صلاته، بحسب طاقته وقدرته. فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام في معرض حديثه عن آداب تلاوة القرآن…: “ولكن اقرعوا به قلوبكم القاسية، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة”11. والحدّ الأدنى من التفهيم أن يفهم المصلّي القلب المعنى الإجماليّ، وهو أنّ القرآن كلام الله والأذكار مذكراتٌ بالحقّ تعالى، وأنّ العبادات إطاعةٌ لأمر الربّ. يقول الإمام عليه السلام: “التفهيم من الآداب القلبية للعبادات لا سيما التي تتميّز منها بالذكر، ويكون بأن يتصوّر الإنسان قلبه في بداية الأمر كطفلٍ لم ينطلق لسانه بعد، وأنّ عليه أن يعلّمه النطق. فيقوم بتعليم القلب كل ذكرٍ من الأذكار، وكل وردٍ من الأوراد، وكل حقيقةٍ من حقائق العبادة، وكل سرٍّ من أسرارها بمنتهى الدقة. ويسعى في تفهيمه الحقيقة التي يدركها هو في كلّ مرتبة من مراتب الكمال التي يكون فيها. والنتيجة المتوخّاة من هذا التفهيم أنّ لسان القلب ستحلّ عقدته بعد مدةٍ من المواظبة عليه ويصبح القلب ذاكراً ومتذكّراً”12.

حضور القلب في الصلاة
“وهو من الآداب القلبية المهمّة الذي يمكن أن يكون كثيرٌ من الآداب مقدمةً له، والعبادة بدونه ليس لها روح، وهو بنفسه مفتاح قفل الكمالات، وباب أبواب السعادات13 كما يقول إمامنا الخميني قدس سره. والمقصود من حضور القلب في الصلاة أن لا يكون القلب غافلاً وساهياً أثناء العبادة. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “اعبد الله كأنك تراه، وإن لم تكن تراه فإنَّه يراك14. فالإنسان المصلي عندما يقف بين يدي الله تعالى للصلاة يجب أن تكون جميع مسامع قلبه مسدودة إلا عن الحق تعالى، فلا يقبل ولا يتوجّه في فكره وعقله وقلبه إلّا إليه عزّ وجلّ. عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: “إذا أحرمت في الصلاة فأقبل إليها، لأنّك إن أقبلت أقبل الله إليك، وإن أعرضت أعرض الله عنك، فربما لا يرفع من الصلاة إلَّا ثلثها أو ربعها أو سدسها بقدر ما أقبل إليها، وإن الله لا يعطي الغافل شيئاً”15.

موانع حضور القلب في الصلاة
وأمّا ما يمنع من حضور القلب في الصلاة فهما أمران أساسيّان كما يقول الإمام الخميني قدس سره: تشتّت الخيال وحبّ الدنيا: “وربما يكون تشتّت الخاطر والمانع عن حضور القلب من الأمور الباطنية. وهذا على نحو كلّي له منشآن أساسيان، ترجع معظم الأسباب إليهما:

الأوّل: أنّ طائر الخيال هو بنفسه فرّار، كعصفورٍ يقفز من غصنٍ إلى غصنٍ. وهذا ليس مرتبطاً بحبّ الدنيا والتوجّه إلى الأمور الدنيّة والمال الدنيوي، بل كونُ الخيالِ فرّاراً مصيبةٌ يُبتلى بها حتّى التارك للدنيا. وتحصيل سكون الخاطر وطمأنينة النفس وتوقّف الخيال من الأمور المهمة التي يحصل بإصلاحها العلاج القطعيّ.

الثاني: هو حبّ الدنيا وتعلّق الخاطر بالحيثيات الدنيويّة التي هي رأس الخطايا وأمّ الأمراض الباطنيّة. وهو شوك طريق أهل السلوك ومنبع المصيبات. وما دام القلب متعلّقاً، ومنغمساً في حبّ الدنيا، فالطريق لإصلاح القلوب مسدودٌ، وباب جميع السعادات في وجه الإنسان مغلق”16.

النشاط والبهجة
الإتيان بالعبادة عن نشاطٍ وبهجة له تأثيٌر واضحٌ وأكيدٌ على روح الإنسان، كما يقول الإمام الخميني قدس سره: “من الآداب القلبية للصلاة وسائر العبادات وله نتائج حسنة بل هو موجبٌ لفتح بعض الأبواب وكشف بعض أسرار العبادات، أن يجتهد السالك في أن تكون عبادته عن نشاطٍ وبهجة في قلبه وفرح وانبساط في خاطره، ويحترز احترازاً شديداً من الإتيان بالعبادة مع الكسل وإدبار النفس”17. وقد أشار الباري عزّ وجلّ إلى هذا الأدب في الكتاب الإلهي الكريم في قوله: ﴿وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ18.

وأشير في الروايات أيضاً إلى هذا الأدب، فعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: “لا تُكرهوا إلى أنفسكم العبادة”19.

وعنه عليه السلام قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “يا عليّ: إنَّ هذا الدين متينٌ فأوغل فيه برفق،ٍ ولا تبغّض إلى نفسك عبادة ربّك”20.

وفي الحديث عن الإمام العسكري عليه السلام: “إذا نشطت القلوب فأودعوها، وإذا نفرت فودّعوها”21.

* كتاب دروس في التربية الأخلاقية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- سورة فاطر، الآية: 15.
2- سورة الإسراء، الآية: 1.
3- مصباح الشريعة، باب العبودية(منسوب للإمام الصادق عليه السلام).
4- الإمام الخميني قدس سره، الآداب المعنوية للصلاة، الفصل الأول، في التوجه إلى عزّ الربوبية وذلّ العبودية، ص 33 – 34.
5- الإمام الخميني قدس سره، الآداب المعنوية للصلاة، في بيان الخشوع، ص 40.
6- سورة المؤمنون، الآيتان: 1 – 2.
7- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 200.
8- الإمام الخميني قدس سره، الآداب المعنوية للصلاة، المقالة الأولى، الفصل الثالث، ص 47.
9- الإمام الخميني قدس سره، الآداب المعنوية للصلاة، في بيان الطمأنينة، ص 13.
10- م. ن، المقالة الأولى، الفصل الرابع، ص 31.
11- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج6، ص207
12-الإمام الخميني قدس سره، الآداب المعنوية للصلاة، الفصل السابع، في بيان التفهيم، ص 42.
13- م.ن، المقالة الأولى،الفصل الثامن، ص 72.
14-العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج25، ص204.
15-الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج3، ص57.
16- الإمام الخميني قدس سره، الآداب المعنوية للصلاة، الفصل العاشر، في بيان تحصيل حضور القلب، ص 55.
17- م. ن، الفصل السادس، في بيان النشاط والبهجة، ص 73.
18- سورة التوبة، الآية: 54.
19- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص86.
20- م. ن، ج2، ص87.
21-الميرزا النوري، مستدرك ‏الوسائل، ج 1، ص 144.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل