أهل الحق هم أهل الله وأهل الإيمان وأهل الآخرة وأهل الجنة وأهل الزهد بالدنيا ودرجاتها ومباهجها، لذلك يفترض بهم وهم يحملون هذه الصفات أن لا يخافوا من أهل الباطل ومكرهم وحيلهم وتهديداتهم وأحابيلهم مهما بلغت من المكر والدهاء والخبث والقوة.
وقدوة أهل الحق ونموذجهم الأرقى في التمسك بالحق وعدم التخلي عنه بواسطة الإرعاب والتهديد بالقتل هم أبطال كربلاء الذين ثبتوا واستقاموا على الحق ولم يرعبهم كل التهديد والتهويل والحصار إلى أن قضوا عن آخرهم شهداء في طريق الدفاع عن الحق ومناجزة الباطل. ويكفي البشر وأهل الحق درساً في عدم السقوط في فخ الخوف من الإرعاب وترك الحق، كلمة قالها علي بن الحسين عليه السلام عندما أعلمه والده الحسين عليه السلام أنه يقتل يوم غد مع باقي أهل بيته والأصحاب، فأجاب علي بن الحسين عليه السلام: “ألسنا مع الحق”؟ قال الحسين عليه السلام: “نعم”، فقال علي بن الحسين عليه السلام: “إذن لا نخاف، أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا”([1]).
ونحن عندما نلاحظ شخصية الإمام الخميني العظيم نجد أنها كانت الشخصية الصلبة كالجبل الراسخ في طريق الحق لا يزلزلها العواصف، وهل هناك شجاعة أعلى من أن يصف الإمام الخميني نفسه بأنه لم يخف يوماً في حياته، وأن جلاديه عندما اعتقلوه وأرادوا به شراً كانوا هم الخائفين وكان هو يخفف من روعهم. إن الاستقامة والثبات على الحق في شخصية إمامنا الخميني رضوان الله عليه من الأمور التي يجب أن تتحول إلى درس هادي لكل أتباع الحق وطالبي الحرية في العالم. وها هي كلمات الإمام الصلبة توصينا بأن لا نخاف مطلقاً من الإرعاب ما دمنا مع الحق، يقول رضوان الله عليه: “يجب أن لا نخاف من الحرب والإرعاب أبداً. لماذا نخاف؟ نحن مكلفون ونعمل بتكليفنا ونحن محقون. عندما نكون محقين فلماذا نخاف؟ إنها تلك الكلمة التي قالها علي بن الحسين لوالده ـ بعدما قال له سوف تقتلون: قال ألسنا مع الحق؟ قال نعم نحن على الحق، قال إذن لماذا نخاف؟ لم يعد عندنا خوف”([2]).
إن الصبر على الصعاب في طريق الحق لهو تجلٍ آخر من تجليات النصر، فلا نصر بلا صبر وتحمل وصمود وعناد، فالنصر لا يأتي بسهولة، وهو ليس هبة للخانعين والضعفاء والمترددين بل هو من نصيب الرجال المؤمنين الذين يصبرون على ما يصيبهم في ذات الله، فالصبر من النصر كالرأس من الجسد، فلا جسد لا رأس معه، ولا نصر لا صبر معه ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا – إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا -فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ – وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾([3]).
يقول الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه: “إذا أراد الإنسان أن يصل إلى الحق، وإذا أراد أن يطبّق الإسلام الحق في بلدٍ ما، فيجب أن يصبر، هكذا كان يصبر أولياء الله سلام الله عليهم في كل المراحل والمصائب والمشاكل. لقد واجه رسول الله كثيراً من المشاكل خلال زمان وجوده الشريف في مكة والمدينة ومن جميع الجهات، فقد كانت المحاصرة الاقتصادية وكانت الهجمات العسكرية التي لم نر نحن مثلها”([4]).
ويقول أيضاً: “إنكم على علم بأن تاريخ الإسلام مشحون بهذه المجاهدات والتضحيات والقتل على أيدي الفجار، حتى إن أئمتنا عليهم السلام قد ابتلوا بهذه الأمور، ولكن يجب الصبر والتلبس بالمناعة والاستقامة فإن الله مع الصابرين، وقد تغلبنا على هذه القوة الشيطانية الخارقة (الشاه) التي كانت كل القوى تقف وراءها، وليس هذا إلا لأن شعبنا كان متحداً صبوراً وكان يصبر على المشاكل ويحلها بالصبر وبالاتكال على الله تبارك وتعالى”([5]).
النّصر، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
([1]) راجع، بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج44، ص 367.
([2]) الاستقامة والثبات، م. س، ص198.
([3]) سورة الشرح، الآيات: 5ـ 8.
([4]) الاستقامة والثبات، م.س، ص121.
([5]) الاستقامة والثبات، م.س، ص121.