قالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾[1].
تتحدّثُ الآياتُ المباركةُ منْ سورةِ «مُحمَّد» عنْ ضرورةِ الجهادِ ولقاءِ العدوِّ، وضرورةِ امتلاكِ العزمِ والإرادةِ الراسخةِ، وتوجيهِ الضرباتِ لهُ، حتّى يسقطَ في المواجهةِ. وبما أنَّ المواجهةَ لنْ تخلوَ منْ أهلِ الجهادِ الذينَ بذلُوا أرواحَهُم، فاتّخذَهُمُ اللهُ شهداءَ، تُبيِّنُ هذهِ الآياتُ الكريمةُ مقامَ الشهداءِ:
1. أعمالُهُم محفوظةٌ: فالذينَ قدّمُوا أرواحَهُم في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وفي ما أمرَ بهِ، لهُم فضلٌ كبيرٌ على المجتمعِ الإسلاميِّ، فقالَتِ الآيةُ: ﴿وَاَلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمٰالَهُمْ﴾؛ فكلُّ خطوةٍ كانَتْ منهُم، وكلُّ كلمةٍ صدرَتْ منهُم، وكلُّ جِراحةٍ ألمَّتْ بهِم، لنْ تُسدى، بلْ هيَ محفوظةٌ عندَ اللهِ سبحانَهُ. وأيضاً على مستوى الآثارِ والنتائجِ والثمارِ المترتّبةِ على هذهِ الأعمالِ في هذهِ الدنيا، فإنَّها جميعَها محفوظةٌ، فكلُّ نداءٍ يرتفعُ بـ «لا إلهَ إلّا اللهُ» هوَ ثمرةُ جهادِ أولئكَ الشهداءِ، وكلُّ سجدةٍ يسجدُها مسلمٌ بينَ يدَيِ اللهِ هيَ منْ بركاتِ تضحياتِهِم، وكلُّ عزّةٍ ورفعةٍ للإسلامِ وأهلِهِ رهينةُ ما بذلُوهُ منَ الأرواحِ والتضحياتِ.
2. الهدايةُ إلى مقاماتِ الفوزِ: لقدْ جعلَ اللهُ عزَّ وجلَّ للشهداءِ مقاماتٍ ساميةً، وفوزاً عظيماً، ورضواناً منهُ تعالى، وعندما يصلُ المجاهدُ في سبيلِ اللهِ إلى درجةِ الشهادةِ، سيكونُ معَهُ مَنْ يُرافقُهُ إلى تلكَ المقاماتِ، فهيَ هدايةٌ خاصّةٌ لهؤلاءِ، وكرامةٌ خصَّهُمُ اللهُ بها.
3. الطمأنينةُ: وهيَ أهمُّ ما يُبَشَّرُ بهِ الشهيدُ، فإنَّهُ سيكونُ في لحظةِ نيلِهِ ذلكَ المقامَ في راحةٍ تامّةٍ، وروحٍ هادئةٍ، ونَفْسٍ مُطمئنَّةٍ، فلا مجالَ للقلقِ والاضطرابِ، أوِ الحذرِ والخوفِ. وهيَ منْ خصائصِ حياةِ الشهداءِ؛ إذْ لنْ تكونَ لهُم غايةٌ بعدَ لقاءِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
4. جنّةُ الشهداءِ: وهيَ آخرُ العطاءاتِ الإلهيّةِ المذكورةِ في هذهِ الآياتِ، واللهُ عزَّ وجلَّ ذكرَ صفاتِ الجنّةِ في آياتِ كتابِهِ، لكنَّ للشهداءِ معرفةً خاصّةً بها، أوسعَ وأعمقَ وأكثرَ دقّةً، فلقدْ عرّفَها اللهُ لهُم، فسوفَ يذهبونَ إلى مواطنِهِم فيها، وهُم يعرفونَها بتفاصيلِها، وهيَ أرقى منْ كلِّ وصفٍ بشريٍّ لها.
إنَّ هذهِ المقاماتِ العظيمةَ، فيها تسليةٌ واضحةٌ لمَنِ ارتقى شهيداً، وتسليةٌ لكلِّ مُجاهدٍ ومُحبٍّ لهؤلاءِ الشهداءِ.
نُعزّي صاحبَ العصرِ والزمانِ (عجّلَ اللهُ تعالى فرجَه)، ووليَّ أمرِ المسلمينَ الإمامَ السيّدَ عليَّ الخامنئيَّ (دامَ ظلُّه)، والمراجعَ العظامَ، والمجاهدينَ، والمؤمنينَ، وأمّةَ المقاومةِ، وشعبَنا اللبنانيَّ الصابرَ والمجاهدَ، والأمّةَ الإسلاميّةَ جمعاءَ، وكافّةَ الأحرارِ والمستضعفينَ في العالمِ، بشهادةِ العبدِ الصالحِ، سماحةِ الأمينِ العامِّ لحزبِ اللهِ السيّدِ حسنِ نصرِ اللهِ (رضوانُ اللهِ عليه)، ونُباركُ لهُ نيلَهُ أرفعَ الأوسمةِ الإلهيّةِ، وسامِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام)، محقِّقاً أغلى أمانيهِ، وأسمى مراتبِ الإيمانِ والعقيدةِ الخالصةِ، شهيداً على طريقِ القدسِ وفلسطينَ، ونُعزّي ونُباركُ برفاقِهِ الشهداءِ الذينَ التحقُوا بموكبِهِ الطاهرِ والمقدَّسِ، إثرَ الغارةِ الصهيونيّةِ الغادرةِ على الضاحيةِ الجنوبيّةِ لبيروتَ.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] سورة محمّد، الآيات 4 – 6.