Search
Close this search box.

منزلة النصيحة في أقوال الامام علي(ع)

منزلة النصيحة في أقوال الامام علي(ع)

من المُؤَكَّد أن يقبل المؤمن النصيحة لأن ذلك أمرٌ حَسَنٌ بلا شَكٍّ، بل يطلبها ويبحث عنها كمن يبحث عن ضالَّته، وهذا ما دعانا إليه الله ورسوله والأئمة الأطهار (ع).

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لَمْ يُوَفَّقْ مَنِ اسْتَحْسَنَ الْقَبيحَ وَأَعْرَضَ عَنْ قَوْلِ الْنَّصيحِ”.
تحمل هذه الجوهرة الكريمة في طيّاتها معاني عميقة تتعلق بالسلوك الأخلاقي للفرد وتعامله مع النصيحة، وتشير إلى أن الشخص الذي يعتبر الأمور القبيحة حَسَنَةً ويرفض نصائح الآخرين، لن يحالفه التوفيق في حياته.

استحسان القبيح: يعني أن الشخص يقبل الأعمال السَّيئة أو القبيحة على أنها جيدة أو غير مُضِرَّة، ويبرِّر هذه الأفعال بدلاً من الاعتراف بخطئها، هذا التصرُّف يؤدي إلى الانحراف عن الفطرة السليمة التي خلق الله الناس عليها، حيث أن الله جعل في نفوس البشر القدرة على التمييز بين الأمور الحَسَنَة والأمور القَييحة، والتمييز بين الخير والشر وبين ما يحسُنُ فِعله وما يَقبُحُ فِعلُه، وفطَرهم على طلَب الحَسَن والنفور من القبيح.
ومِمّا لا شَكَّ فيه أن قدرة الإنسان على التمييز بين الحَسَن والقبيح، والخير والشَّرِّ، وحُبِّه الأول وكراهته للثاني أمر ضرور جداً لاستقامة حياته واستقرار علاقاته وسلامة أعماله، لأن الحياة لا يمكن إلا أن تقوم على معايير واضحة يُدركها جميع البشر، تكون هي المرجعية التي تحدِّد سلوكياتهم الشخصية والاجتماعية، ومن دون ذلك تصبح الحياة خَبطَ عشواء، ولا يمكن لفرد منهم أن يتفق مع فرد آخر، أو يثق به ويطمئن إليه، فإذا كان البشر غير متفقين على حُسْن الصدق، والأمانة، والوفاء، والإخلاص، وإذا لم يكونوا متفقين على قُبح الكذب، والخيانة، ونقض العهود والوعود، فكيف لهم أن يتعاملوا مع بعضهم البعض، وكيف لهم أن يطمئن واحدهم للآخَرين، وكيف يمكنهم التمييز بين فعل وفعل، وقول وقول، وكيف يمكنهم التمييز بين الأفراد، فعلى هذا كل البشر صالحون، القاتل والقتيل، والظالم والمظلوم، والمُعتدي والمُعتَدى عليه، كلاهما صالح، بل كيف للفرد نفسه أن يعرف أنه من أهل الخير أم من أهل الشر، كيف له أن يُمَيِّز بين أفعاله وأقواله وحتى معتقداته؟! لذلك فإن الله الخالق الحكيم اللطيف بعباده، خلق البشر وزوِّدهم بالقدرة على معرفة الحَسَنِ من الأمور والتمييز بينها وبين القبيح منها، وحُبِّ الحَسَن وفِعلِه، وكراهة القَبيح واجتنابه.
عليه: فإن الذي يستحسِن القَبيح هو الذي يخرج عن الموازين التي يدركها العقل ويتفق عليها البشر، وتقوم عليها الحياة الإنسانية، ومن يكن كذلك فمن المُؤَكَّد أن يُسْلَب التوفيق.
ويُسلَبُ التوفيق ذاك الذي لا يقبل النصحية من الناصح الأمين، ولا ريب في أن إسداء النصيحة للآخَرين وقَبولها منهم أمرٌ حَسَنٌ، وعدم قبولها من الناصح الأمين قبيح، لأن الذي لا يقبلها كمن يُصِرُّ على الخطأ أو الباطل أو الضلال الذي هو عليه، ويُضَيِّع على نفسه باختيار منه فُرصة التصحيح والتزكية والتَّطَوُّر.
إن الله تعالى ذَمَّ على لسان أنبيائه ورُسُلِه الإعراض عن الناصحين وعدم قبول نُصحهم، وما يذُمُّه الله يذمُّه العقل بلا رَيب، قال تعالى: “فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ” ﴿79/ الأعراف﴾. إن الكافر لا يقبل النصيحة، لأنه وإن كان قادراً على التمييز بين الحَسَن والقَبيح من الأمور لكنه لا يرعوي عن فعل القبيح، وأقبح القُبح الكُفر بالله تعالى، فمن المؤكَّد ألّا يقبل النصيحة وألّا يُحِب الناصِحين.

فأما المؤمن فمن المُؤَكَّد أن يقبل النصيحة لأن ذلك أمرٌ حَسَنٌ بلا شَكٍّ، بل يطلبها ويبحث عنها كمن يبحث عن ضالَّته، وهذا ما دعانا إليه الله ورسوله والأئمة الأطهار (ع) وقد جاء في الحديث عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: “اِسْمَعوا النَّصيْحَةَ مِمَّنْ أَهْداها إلَيكُم، واعْقِلوها على‏ أنفُسِكُم”.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل