إنّ مصيبة الإسلام اليوم هي أنّ الآذان التي يجب أن تصغي إلى مشاكل المسلمين قد صُمّت، وخرست الألسن التي يجب أن تتكلّم من أجل مصالحهم، وعميت العيون التي يجب أن تشاهد المصائب التي نزلت عليهم.
ماذا عسانا أن نقول لهؤلاء الخرس والصمّ والعميان؟ إن لم يكونوا صمّاً، فلماذا لا يسمعون صرخات أعزّائنا وأنّاتهم؟ وإن لم يكونوا عمياناً، فلماذا لا يرون هؤلاء الشهداء الذين يرتقون كلّ يوم والشباب الأعزّاء الذين يُستشهدون في الجبهات؟ إذا كانوا معنيّين بكيان الإسلام، والقرآن الكريم، والحرمين الشريفين، فلماذا يلوذون بالصمت؟ لماذا لا يقدّمون المساعدة؟ ماذا حدث كي يؤيّدوا اتفاقيّة كامب ديفيد ومشروع فهد، ويعترفوا بإسرائيل؟ ماذا حدث كي يسكتوا على هذه المصائب التي تحدث على مرأى ومسمع من الجميع، وهم يلوذون بالصمت؟ على من نطرح هذه الكوارث؟ على الحكومات التي عصبت عيونها وآذانها واستسلمت لأميركا دون إرادة، أم على الشعوب المظلومة التي تحتضر تحت ضغوط هذه الحكومات؟
* ضرورة يقظة الشعوب واتّحادها
يجب أن نطرح هذه الأسئلة على الشعوب كما حدث في إيران؛ لقد قضى الشعب الإيرانيّ على الفاجعة التي حلّت بالإسلام على يد أميركا وعملائها متمثّلين في النظام البهلويّ المشؤوم، فنهض أفراده، وكوّروا قبضاتهم معاً، وأخرجوا الدبّابات من الساحات بهذه القبضات. ما لم تنهض الشعوب مثل هذه النهضة، وما لم تتوحّد مثل هذا التوحّد، فإنّ عليها أن تعلم أنّها ستكون محكومة من قبل الحكومات الفاسدة ومن أميركا المجرمة والقوى الكبرى الأخرى. إنّ حكومات تلك الشعوب بما تمتلك من الثروات والإمكانات، إذا قطعت نفطها لأسبوع واحد عن هؤلاء المجرمين، فسوف تحلّ جميع القضايا. إلى من نقدّم شكوانا من هذه الحكومات سوى لله تبارك وتعالى؟ كيف نشكو من أولئك الذين يقترحون الجهاد ضدّ إيران التي صمدت وتريد أن تقف أمام كلّ القوى الكبرى، وتحقّق الإسلام في العالم، أولئك الذين لاذوا بالصمت مقابل “إسرائيل” التي هبّت لمحاربة الإسلام وتجهر بوقاحة بأنّ المنطقة لها من النيل وحتّى الفرات، وتعدّ الحرمين الشريفين ملكاً لها؟ إلى من نشكو هذه الآلام؟ وعلى من نطرح هذه المصائب؟ على من نطرح هذا الصمت الذي يؤيّد المجرمين ويشجّع الظالمين؟ هل عدد سكانكم قليل؟ هل ثرواتكم قليلة؟ هل نفطكم قليل وأراضيكم قليلة؟ أفلا تسيطرون على المراكز المهمّة التي تعدّ ذات قيمة كبيرة في المواقع الإستراتيجيّة؟ إنّ جميع الإمكانات متوفّرة لديهم، ولكنّ الشيء الوحيد الذي يفتقرون إليه هو الإيمان!
إنّ الشعب الإيرانيّ لم يكن يمتلك أيّ شيء، ولكنّه كان يمتلك الإيمان. إنّ سبب نصر بلدنا وشعبنا، هو الإيمان بالله وحبّ الشهادة لحفظ الإسلام والقرآن الكريم مقابل الكفر والنفاق.
* إيران حجّة على الشعوب
ما لم تحتذِ البلدان والشعوب الإسلاميّة بما حدث في إيران، وما لم ينزلوا إلى الشوارع بأنفسهم ويطالبوا حكوماتهم بمواجهة “إسرائيل”، فلن تنجح أي من تلك القضايا. فلا تظنّوا أنّ هؤلاء الصمّ والعمي سوف يعقلون. على الشعوب أن تطالب جيوش منطقتها وحكوماتها للمبادرة في مساعدة الفلسطينيّين الذين تعرّضوا للظلم كي تزول هذه الغدّة السرطانيّة. أمّا إذا كانوا متفرّجين هم أيضاً ولا يبالون، ويتذرّعون بأنّ الحكومات هي التي يجب أن تقوم بذلك، فإنّهم أيضاً لن يملكوا جواباً أمام الله. إنّ إيران حجّة على جميع البلدان. فمن الممكن أن يجعل الله تبارك وتعالى إيران حجّة في الآخرة على أولئك الذين استسلموا للظالم ولم ينهضوا. إذا كانوا يؤمنون بالله وبالمعاد، فيجب أن يعدّوا الجواب لله تبارك وتعالى. وفي ذلك اليوم، سوف لا يكون بمقدور أميركا و”إسرائيل” أن ينقذوهم. عليهم أن يعدّوا الجواب للأجيال القادمة الذين سوف يسقطون -لا سمح الله- في الفخّ بهذه المواقف التي يتّخذونها. على المسلمين أن ينهضوا، فقد قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾ (سبأ: 46). لا تقولوا: إنّنا وحدنا، بل عليكم القيام وحدكم أيضاً، كما عليكم أن تقوموا مجتمعين. قوموا سويّاً، جميعنا مكلّفون بأن نقوم لله ولحفظ البلدان الإسلاميّة مقابل الغدّة السرطانيّة “إسرائيل” ومصدرها أميركا.
* زوال “الكيان” مرهون بقيام البلدان الإسلاميّة
ليس ثمّة من عذر أمام الله تبارك وتعالى، فلا نحن معذورون ولا أنتم. فليس عذراً أن تقولوا لم نكن نمتلك شيئاً، بل أنتم تمتلكون كلّ شيء. ليس عذراً أن تقولوا لا نمتلك القوّة، فأنتم أقوى من الجميع. عندما تقفون إلى جانب بعضكم بعضاً، وتمدّون يد الأخوّة إلى بعضكم بعضاً، فإنّ بإمكانكم أن تشكّلوا قوّة عالميّة كبرى. ليس عذراً أن تقولوا إنّنا لا نمتلك الأسلحة، فالسلاح الذي تمتلكونه لا يمتلكه العالم، ألا وهو سلاح النفط. إنّ العالم بحاجة إلى سلاحكم، الذي هو شريان حياته. فاستخدموا هذا السلاح الذي وضعه الله تبارك وتعالى في سبيله سبحانه. استخدموا هذه القوّة التي أودعها الله تبارك وتعالى في سبيله.
نسأل الله أن يوقظ هذه الحكومات والحشود الكبيرة التي تئنّ تحت الظلم رغم امتلاكها لكلّ شيء. آمل أن تبقى إلى النهاية هذه الحريّة والاستقلال وهذا التواجد الجماعيّ. لقد بادرت إيران حتّى الآن إلى قطع أيدي الظالمين، وسوف تتّجه بدورها نحو حضارة كبيرة. آمل أن تلتفت شعوب البلاد الإسلاميّة إلى هذه القضايا، ولا تتوانى عن ذلك حتّى يفوت الوقت.
إنّ اليوم الذي ينهضون فيه سويّاً، فإنّ “إسرائيل” سوف تزول بشكلٍ نهائيّ. لذا، آمل أن تتيقّظ الحكومات وتحارب هذه الغدّة السرطانيّة التي يعمّ خطرها جميع المنطقة والإسلام، وأن لا تتجاوز القضايا بالأحاديث والكلام والمزاح، في الوقت الذي تقول فيه “إسرائيل” جهاراً: “يجب أن أسيطر على جميع هذه المناطق”، وتعدّها ملكاً لها.
إنّي آمل أن تهتمّ هذه الحكومات بالإسلام. نسأل الله أن ينصر هذه القوى التي تعمل بهذا الدين الحنيف، وأن يؤيّدكم أيّها الشباب الأعزّاء الحاضرون في الساحة والعاملون للإسلام منذ بداية الثورة وحتّى الآن، ومن الآن وفي ما بعد. أرجو من الله أن يؤيّد جميع مسلمي العالم، وأن يتحرّروا من وطأة ظلم القوى الكبرى.
*من خطاب لسماحة الإمام الخمينيّ قدس سره في طهران، بتاريخ: 13/6/1982م. صحيفة الإمام قدس سره، ج 16، ص 248- 251.