ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي تقريرًا يسلّط الضوء على أهم المحطات النضالية في مسيرة القائد الشهيد يحيى السنوار، وصولًا إلى الوعد الذي أشار إليه ثم حققه عبر عملية طوفان الأقصى، وختامًا في استشهاده، كما يتطرّق التقرير إلى الوعد الصادق الذي أطلقه الشهيد السيد حسن نصر الله من أجل تحرير جميع الأسرى وحرب 2006 وتحقيق وعده، وكذلك وعده الصادق خلال 2023 و2024 في إسناد المقاومة الفلسطينية في غزة، والذي فدى روحه من أجل تحقيقه.
تحوّل يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول إلى يوم خالد في تاريخ أكثر من سبعة عقود من نضال الفلسطينيين لتحرير أرضهم من دنس الكيان الصهيوني؛ يومٌ واجه فيه قائدٌ من طراز «رجال الميدان» العدوَّ وجهًا لوجه، ليصبح رمزًا للمناضلين والتوّاقين إلى الحرية والحق. يحيى إبراهيم حسن السنوار؛ الرجل الذي زعم العدو كذبًا أنه مختبئ في الأنفاق، لكنه في نهاية المطاف أثبتَ للعالم أنه في الخطوط الأمامية للمعركة ضد العدو، على بُعد 600 متر من مواقع جيش الكيان. ورأى الجميع كيف أنه رغم إصاباته المثخنة، لم يتوانَ عن استخدام أبسط ما لديه، مثل قطعة خشب، في محاربة العدو حتى الرمق الأخير. أبو إبراهيم السنوار، القائد المجاهد، الذي قال عنه قائد الثورة الإسلامية: «كان رمزًا بارزًا للمقاومة والجهاد، وقد صمدَ بعزيمة فولاذيّة في وجه العدوّ المعتدي والظالم، ووجّه له صفعةً بحكمةٍ وشجاعة»[1].
سجّل التاريخ أنّ الرجلَ الذي نظر بعيونٍ مصممة إلى طائرةٍ مسيّرةٍ إسرائيلية، في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وصاح «هل من مُبارز؟»، هو نفسه مَن سطّر ملحمة وكابوسًا لا نهاية له في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهذا أكبر إرث للشهيد السنوار خلال عقودٍ من نضاله من أجل الحرية. لقد وعد الشهيد السنوار قبل 7 أكتوبر بطوفان، وكان وعده صادقًا، تحققَ أمام أعين العالم.
«آتون بطوفانٍ هادر»؛ هذه العبارة التي تزيّنت بها لافتة حفل إحياء الذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيس حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في 14 ديسمبر/كانون الأول 2022. وقد بدأ الشهيد يحيى السنوار، القائد الراحل للحركة والذي كان المتحدّث الرئيسي في الحفل، كلمته بهذه العبارة: «يا مقدّمة الطوفان الهادر… السلام عليكم ورحمة الله وبركاته»، ثم أشار بيده إلى الصورة خلفه، والعبارة المكتوبة عليها[2].
في ذلك اليوم، لم يتصوّر أحدٌ أن إشارةً صغيرة وعبارةً من بضع كلمات تركّزت على تعبير «الطوفان الهادر» من قِبَلِ الشهيد السنوار ستكون رمزًا لعمليةٍ أطلقتها «حماس» في صباح 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 تحت اسم «طوفان الأقصى»، مما أوقَعَ أجهزةَ الأمن والاستخبارات التابعة للكيان الصهيوني وحلفائه في حالة من الذهول.
من أكتوبر 1962 إلى أكتوبر 2023
وُلد الشهيد أبو إبراهيم في 29 أكتوبر/تشرين الأول 1962 في مخيم خان يونس للاجئين جنوبي قطاع غزة. حصل يحيى على شهادة البكالوريوس من الجامعة الإسلامية في غزة، وكان من نشطاء مجلس الطلاب في الجامعة. وقد تمّ اعتقاله لأول مرة في عام 1982، حين كان في العشرين من عمره، بسبب أنشطته الطلابية المناهضة للصهيونية، ودامت مدة اعتقاله أربعة أشهر. في عام 1986، أسس مجموعة لمكافحة التجسس بتوجيهٍ من الشيخ أحمد ياسين، وأصبح أكثر عرضةً للمراقبة من قِبَلِ أجهزة الأمن والاستخبارات الصهيونية. وفي 20 يناير/كانون الثاني 1988، اعتُقل للمرة الرابعة، وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة أربع مرات (426 سنة) بتهمة اختطاف وقتل جنديين إسرائيليين.
تولّى الشهيد السنوار خلال فترة أسره قيادة «الهيئة القيادية العليا للأسرى» التابعة لـ «حماس»، وقاد نضال الأسرى الفلسطينيين ضد الصهاينة من خلال إضرابات عن الطعام في سنوات 1992، 1996، 2000 و2004.
على الرغم من مواجهته لظروف قاسية أثناء الأسر، ورغم صدور حكم بالسجن مدى الحياة أربع مرات ضده، إلّا أنه تعلم اللغة العبرية؛ ليتعرّف على طريقة تفكير الصهاينة ونظرتهم. في عام 2011، خلال عملية تبادل أكثر من 1000 أسير فلسطيني بالجندي الصهيوني، جلعاد شاليط، الذي أُسر خلال عمليات المقاومة في عام 2008، أُطلق سراح يحيى أخيرًا من سجون الكيان الصهيوني.
استشهد الشهيد السنوار، الذي أُشيرَ إليه دائمًا من قبل الصهاينة بوصفه مهندس عملية «طوفان الأقصى»، في يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول 2024 في مواجهة ضد العدو الصهيوني بشجاعة وصلابة، ليحقّق ما انتظره لسنوات طويلة؛ الشهادة. وكان يحيى قد قال في عام 2021 ردًّا على تهديدات الصهاينة باغتياله: «أكبر هدية يمكن أن يقدّمها العدو والاحتلال لي هي أن يغتالني، وأن أقضي شهيدًا على يده»[3].
الشهيد السيد حسن نصر الله و«الوعد الصادق»؛ من 29 يناير/كانون الثاني 2004 إلى 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023
في 29 يناير/كانون الثاني 2004، هبطت في مطار بيروت الدولي طائرة إيرباص A310 التابعة للحكومة الألمانية، التي أقلعت من قاعدة عسكرية بالقرب من كولونيا، وكانت تحمل على متنها أسرى غير فلسطينيين تمّ إطلاق سراحهم من خلال اتفاقٍ بين «حزب الله» والكيان الصهيوني بوساطة ألمانية.
بعد استقبالهم في المطار، توجّه الأسرى المحررون إلى الضاحية الجنوبية في بيروت للمشاركة في احتفال الحرية؛ احتفالٌ شهد حضورًا شعبيًّا واسعًا مع أعلام المقاومة، إضافةً إلى صورة كبيرة من عملية أسر ثلاثة جنود صهاينة في عام 2000، وصورة للمناضل سمير القنطار الذي كان قد مضى على أسره في سجون النظام الصهيوني 26 عامًا.
طرح الأمين العام لـ«حزب الله»، السيد حسن نصرالله، ثلاثة خيارات لتحرير سمير وبقية أسرى المقاومة، وكان آخرها «خيار المقاومة». وشرح شهيد المقاومة ذلك بالإشارة إلى الصورة خلفه، حيث قال: «الخيار الثالث هو خيار المقاومة». باسم مجاهدي المقاومة الإسلامية، أعدكم أنه في المرة القادمة سيأتون بالجنود [الصهاينة] أحياء… سمير القنطار وبقية الإخوة الأسرى يستحقّون التضحية، ونحن مستعدّون للتضحية». بعد أقل من عامين ونصف، في 12 يوليو/تموز 2006، أوفى الشهيد نصر الله بوعده، وتمكّنت مجموعة من مجاهدي «حزب الله» بقيادة الشهيد عماد مغنية من أسر جنديين صهيونيين. عُرفت هذه العملية باسم «الوعد الصادق»، وأتت ثمارها في عام 2008، إذْ تمّ تحرير عدد من الأسرى اللبنانيين والفلسطينيين، من بينهم سمير القنطار، في إطار عملية تبادل.
بعد عملية «طوفان الأقصى»، وَعَدَ سيّد المقاومة بدعم وإسناد المقاومة الفلسطينية في مواجهة الصهاينة، لكن هذه المرة، قدّم روحه فداءً لتحقيق هذا «الوعد الصادق». وقد أكّد الشهيد السيد حسن نصر الله قبل استشهاده مرارًا وتكرارًا أن المقاومة الإسلامية في لبنان لن تتراجع عن دعم وإسناد الشعب والمقاومة في غزة تحت أي ظرف من الظروف. لقد صرّح حازمًا: «سنبقى في موقع المساندة أيًّا تكن التبعات»[4]. كان هذا الإسناد وعدًا صادقًا من السيد الشهيد، الذي ظلّ ملتزمًا به حتى آخر يوم في حياته، أي 28 سبتمبر/أيلول 2024. والآن، يواصل أتباع مدرسته السير على النهج نفسه.
ما جرت الإشارة إليه، يكشف أنّ الشهيدين «السيد حسن نصرالله» و«يحيى السنوار» سطّرا التاريخ ورسما مساره. من البديهي أنّهما لو لم ينتهجا مسار الشجاعة والتضحية و«الكفاح حتى الرمق الأخير»، كان مصير المنطقة سيكون مختلفًا، تمامًا كما قال الإمام الخامنئي في هذا الصّدد: «لولا بروز أمثال الشهيد السنوار الذي قاتل حتى الرّمق الأخير، لكان مصير المنطقة على نحوٍ ما، لكن مع بروزهم الآن صار على نحوٍ مختلف. ولولا بروز شخصيّات عظيمة مثل الشهيد السيّد حسن نصر الله، الذي جمع الجهاد مع العقل والشجاعة والتضحية والفداء، وجسّدها في الميدان، لكانت الحركة على نحو ما، لكنّها مع بروزهم صارت في اتجاه آخر.»