إنّ كثرة المثيرات والمغريات التي تخدش الطهر والنقاء في الحياة المعاصرة وزيادة الأمراض الأخلاقية -وفق التعبير القرآني في قوله: ﴿فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾ (الأحزاب: 32)- تجعل من العفاف من أبرز أمثلة الجهاد في الحياة المعاصرة ولا سيما للفتاة التي طُبعت على طلب مزيد من التجمّل والظهور بمظهر فائق، فمَن واظب على العفاف ومبادئه ووقي ما تتوق إليه النفس من التظاهر بعناصر الإثارة والانسياق وراء مغرياتها فقد جاهد نفسه وضمن لنفسه الفلاح، في هذه الحياة وما بعدها.
وإنّ الإنسان المؤمن حقّاً من ذكر وأنثى لهو إنسان راق يعيش النقاء والطهارة والسكينة في داخله ويتصف بالوقار والسكينة والمتانة في قوله وسلوكه ومظهره، ويتعالى عن أيِّ أمر يوحي بالسعي إلى إغراء الآخر واستدراجه، ويسعى إلى تكوين الأسرة والشريك الملائم في الحياة وفق قواعد الطهر والالتزام، ويسعى أن يقتديَ في ذلك بسيرة المثل العليا للخلق كخير الخلائق محمد (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار والزهراء (صلوات الله عليهم أجمعين)، ثُمّ بمَن يليهم كزينب (عليها السلام) الذين ضربوا بسلوكهم مثلاً يُقتدى به عبر الأجيال.
وقد قال سبحانه في واعيته للإنسان في ما نصح به من وجوه الحكمة -بعد أن نهى نساء النبي (صلى الله عليه وآله) عن الخضوع في القول والتبرّج بتبرُّج الجاهلية الأولى وبإقامة الفرائض-: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللهِ وَالحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً، إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَالقَانِتِينَ وَالقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالخَاشِعِينَ وَالخَاشِعَاتِ وَالمُتَصَدِّقِينَ وَالمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً، وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً﴾ (الأحزاب: 34 – 36).
وقال الله سبحانه: ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (النحل: 96 – 97).