الأسرة هي قلب كل مجتمع. فإذا تحركت في المسار التعليمي الصحيح، فإن أعمالها ستخلق مجتمعًا صحيًّا وديناميكيًا. وإن حياة السيدة فاطمة الزهراء (س) كنموذج للإنسانية والتربية الصحيحة هي طريق واضح لبناء مجتمع أفضل وناجح.
مما لا شك فيه أن الأسرة هي أصغر وفي الوقت نفسه إحدى أهم ركائز للمجتمع. فإذا سلكت الأسرة طريق التربية الصحيح لا شك أن آثارها وبركاتها ستعم المجتمع، وسيتشكل مجتمع سليم وديناميكي. ولكن إذا لم يتم تصميم المسار التربوي للأسرة بشكل صحيح، فإن آثاره السلبية سوف تنتشر إلى المجتمع بأكمله.
وفي هذه الأثناء، فإن دراسة حياة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) كإنسانة كاملة ونموذج فريد للمرأة المسلمة، يمكن أن تكون وسيلة لفهم الدور المهم للأسرة والتنشئة السليمة. ويمكن اعتبار خصائص حياتها (س) نموذجاً تربوياً للمرأة والأسر من أجل بناء مجتمع سليم وناجح.
الحياة تتطلب خطة
الحياة تحتاج حقًا إلى خطة. هناك فرق كبير بين “نكون على قيد الحياة” و”نعيش”. كثير من الناس يكونون على قيد الحياة بمفردهم. أي أنهم من مكان الولادة إلى المقبرة يتحركون بشكل أفقي فقط ويقضون دون أي اتجاه أو غرض محدد.
لكن إذا أردنا أن نعيش حقًا، يجب أن تكون لدينا حركة عمودية؛ الحركة من الأرض إلى العرش، ومن التراب إلى السماء، ومن الدنيا إلى المستقبل.
وبهذه الطريقة، من الضروري معرفة الذات وفحص ما إذا كنا أحياء فقط أم نعيش حقًا. لا نحتاج إلى خريطة طريق لكي نكون على قيد الحياة، ولكن لكي نعيش، يجب أن تكون لدينا خريطة طريق مثل النبي إبراهيم (ع).
السيدة فاطمة الزهراء (ع) كقدوة في الحياة
ينبغي لنا لتحقيق حياة هادفة، أن نعتبر السيدة فاطمة الزهراء (س) قدوة وأسوة لأنفسنا. ولكن لماذا يجب أن تكون لنا السيدة فاطمة الزهراء (س) قدوة في مختلف مجالات الحياة، بما في ذلك التعامل مع الزوج؟ إن وجود القدوة بحد ذاتها دليل على أصالة المدرسة. فالمدرسة التي تقدم نماذج سامية تظهر عمقها النوعي وثرائها للجميع.
إن السيدة فاطمة الزهراء (س) ليست قدوة للنساء فحسب، بل هي أيضاً قدوة للبشرية جمعاء. ومن المهم جدًا أنها ليست مجرد قدوة نسائية، بل قدوة تفوق الجنس والزمن لجميع البشر في كل الأزمنة والأمكنة. إن هذه الخصائص والمؤشرات النموذجية من حياة السيدة فاطمة الزهراء (س) ينبغي النظر والتحقيق فيها.
وعلى مر التاريخ، كان الأئمة المعصومون (عليهم السلام) يشيرون دائماً إلى الجانب المثالي للسيدة فاطمة الزهراء (س).
وكما يعتبر أمير المؤمنين (ع)، وجود السيدة فاطمة الزهراء (س) بصفة زوجته في الأسرة عاملا للفخر والاعتزاز بها “. كما كرم الإمام الحسين (ع) أمه فاطمة الزهراء (س) في عباراته وافتخر بها. ونادى الإمام السجاد (ع) في قصر الظلم والطغيان للأمويين: “أنا ابن فاطمة الزهراء وأنا ابن سيدة النساء”، وكان يفتخر بأن أمه هي السيدة فاطمة الزهراء (س).
وتظهر هذه التأكيدات العمق النوعي للجوانب المثالية للسيدة فاطمة الزهراء (س)، والتي يمكن أن تكون قدوة في جميع جوانب الحياة، بما في ذلك في التبعل.
سيرة السيدة فاطمة الزهراء (س) في التبعل
إذا كنا، كمحبين للسيدة فاطمة الزهراء (س)، نريد الالتحاق بجامعتها العظيمة والحصول على درجة النجاح، فيجب علينا أن نتبع سيرتها (س) ولكي نكون على طريق الحياة، يجب علينا أن نتبع أنماطا واضحة وحقيقية.
ويكمن أحد الجوانب المهمة في حياة السيدة فاطمة الزهراء (س) في طريقة أسلوبها في التبعل. ويعرف هذا الأسلوب بأربع خصائص مهمة وهي مبنية على أساس العرفان، المحبة، الكرامة، البصيرة والوعي.
عندما نقول أن تبعل السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) كان مبنيا على العرفان، فهذا يعني أن حياتهما معا تشكلت على أساس معرفة الله. وقد وصف الإمام علي (ع) السيدة فاطمة الزهراء (س) فقال: «نعم العون على طاعة الله»؛ أي أن السيدة فاطمة الزهراء (س) كانت خير معين على طاعة الله. وفي حياتهما معا، كانت السيدة فاطمة الزهراء(س) دائما شريكا ورفيقا للإمام علي (ع) في عبادة الله وطاعته.
وكانت في مدرسة السيدة الزهراء (س)، المعيار الرئيسي لاختيار الزوج مساعدته على عبادة الله. وفي نمط الحياة هذا، يجب على كل من الزوجين أن يكمل الآخر في عبادة الله وطاعته. إن الحياة التي يكون فيها السلوك والمنهج مبني على العبادة هي الحياة التي ترضي السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام).
التركيز على النمو الروحي في الأسرة
في نمط حياة السيدة فاطمة الزهراء (س) هذا، يجب على الزوجة والأم توفير منصة للعائلة للسير على طريق العبادة والنمو الروحي. ولسوء الحظ، في عالم اليوم، يتم في بعض الأحيان الاهتمام فقط بالجوانب الخارجية للزوجة والأم، ويقل الاهتمام بدورهما في توفير الغذاء لروح الأسرة. ولكن من وجهة نظر الإمام علي (ع)، كانت فاطمة الزهراء (ع) أفضل معين له ليس فقط في الشؤون الدنيوية ولكن أيضًا في العبادة والعبودية.
لقد وصلت السيدة فاطمة الزهراء (س) إلى منزلة معرفة الله والتقرب إليه. ويتضمن هذا الوضع مراحل مختلفة؛ من معرفة الله إلى وعي الله وأخيراً الوصول للتقرب إلى الله “جوارك وقربك”. ولم ترتق السيدة فاطمة الزهراء (س) إلى هذه الدرجات بنفسها فحسب، بل وفرت الطريق أمام زوجتها وأبنائها للتقدم في هذا الاتجاه.
لم تكن الحياة المشتركة للسيدة فاطمة الزهراء (س) مبنية على معرفة الله فحسب، بل إن هذه الحياة هي نموذج شامل وكامل للتبعل.
لقد خطت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) خطوات في طريق العبودية والتقرب إلى الله، ومهدت هذا الطريق لزوجتها وأبنائها أيضاً. كما وفرت (س) منصة للتميز الروحي والتعبدي في حياتها وتركت مثالا واضحا للتبعل المبني على المعرفة، المحبة، والبصيرة للبشرية جمعاء، وخاصة المسلمين.