الموسوعات المطوّلة، والكتب الضخمة والثقيلة، والمجلّات والمقالات والدراسات التخصُّصية التي تتكلّم بلغة علمية بحتة! هل تستطيع التأثير على صنع ثقافة دينية رصينة ووعي مذهبي متكامل لدى أفراد المجتمع المؤمن بصورة واسعة؟
عندما يرى الشاب مقطعاً يبثُّ الشبهات والمغالطات في دقائق معدودة، وبعد أن تترسّخ تلك الشبهات في ذهنه، هل سيذهب ويفتِّش بين الكتب التخصُّصية للعثور على الإجابة السليمة؟ وهل يتمكّن جميع أفراد المجتمع من ذلك؟
هذا، إذا أدرك المتلقّي إنّ ما سمعه كان من الشبهات! وإذا كان عازماً على العثور على الردِّ والإجابة! وإذا تمكّن من استيعاب الأجوبة المطروحة في تلك المصنّفات والمدوّنات!
ومن جهة أخرى: أنّ المقطع يُجاب بمقطع، والتغريدة بتغريدة، والوثائقي بفيلم مثله، والمشروع الإعلامي بنفس أدواته.. المسلسلات، برامج الفضائيات، الحوارات، البودكاستات، الكتب المسموعة، وما يُنشر على صفحات التواصل و.. كلٌّ بمثله لا بغيره، مع الالتزام بالموازين الشرعية والضوابط المقرّرة.
وبعبارة أخرى: هل يمكِن مواجهة الجيوش الإلكترونية وما تعمله من مشاريع إعلامية كبرى لهدم العقيدة وتحطيم الدين والمذهب، بطباعة بعض الكتب أو المقالات أو نشرها على مجموعة من الصفحات الإلكترونية التخصُّصية؟
هل نمتلك منظومة إعلامية متكاملة متناسقة حديثة تعمل وفق مخطّط واضح؛ فترصد أوّلاً بصورة تامة، ثُمّ تنتج لكلِّ فئة ما يناسبها من حيث المعلومة والطرح وطريقة العرض، ثمّ تنشر الإنتاج بصورة واسعة؟
إنّ الأبحاث التخصُّصية تبقى تدور في دائرة أهلها، ولا تؤثِّر على المجتمع إلّا ما يمكن أن يستوعبه ويقتنع به مختلف أصناف الناس من رؤى وأفكار؛ إذن لا بدّ من العمل بمهنية ورؤية واضحة بدل النياحة على الدين والمذهب ليل نهار! والتعويل على بعض الجهود للدفاع عن منظومة المؤسسّة الدينية ومستقبلها والاكتفاء بوسم الأعداء بما يليق بهم؛ فإنّ ذلك ونحوه لا يترك أثراً بليغاً!
نعم.. إنّ الأبحاث التخصُّصية ضرورية لأهلها، وفي مجالها؛ فإنّها هي التي تُبنى عليها المشاريع الأخرى من حيث المعلومات ومنهجيّتها العلمية، لكن لا يعني ذلك أن نقتصر عليها ونترك الإعلام الديني -المؤثّر على أفراد المجتمع المؤمن- في أواخر الأمور التي نهتم بها! بل لا بدّ من استخدام جميع الطرق والأدوات الحديثة والقديمة لترويج العقيدة الحقّة والشرع المبين.