إن دافعية اليقين بالجزاء لإحسان العمل والسلوك من أهم المباديء الإسلامية، إذ يُعبِّر عن علاقة وثيقة بين يقين العبد بعقوبة الثواب أو الجزاء الإلهي وبين سلوكه الأخلاقي والعملي، فهو الحافز الأهمُّ لتحسين الأداء العملي والسلوكي
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ أَيْقَنَ بِالْجَزاءِ أَحْسَنَ”.
معادلة تقوم على شرط ومشروط، إذا تحقق الأول تحقق الثاني، الشرط: هو اليقين بأن لكل عمل جزائه في الدنيا وفي الآخرة، صالحاً كان أو طالحاً، والمشروط: هو إحسان العمل وإجادته وإتقانه والاتيان به على أتم وأكمل وجه.
وعليه: فنحن أمام معادلة شديدة الأهمية، إذ تُحفِّز الإنسان على تحسين عمله وإجادته والإخلاصه فيه، وتحسين سلوكه، فاليقين بأن الإنسان محاسب على عمله، وأن المحاسِب هو الله الذي لا تخفى عليه خافية في السماوات وفي الأرض، والذي أحصى كل شيء في كتاب مُبين لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، إن هذا اليقين يدفع الإنسان إلى بذل قصارى جهده في الطاعة لله، وإحسان عمله والإخلاص لله فيه، واجتناب ما حرَّم الله، الأمر الذي يعصمه عن العصيان، وارتكاب الذنوب، والتعدِّي على الناس وظلمهم، مِمّا يخلق بيئة فردية واجتماعية قائمة على العدالة والتآخي والتعاون والتراحم، كما أن اليقين بالجزاء يدفع الإنسان إلى تزكية نفسه، وإخلاص نيته، ويحفِّزه على إتمام عُهوده مع الله، وهذا ما يؤكد أهمية هذه المعادلة في تطور الإنسان ومجتمعه، وفي ظل هذه الرؤية الشاملة، تصبح الحياة وسيلة لتحقيق السعادة الحقيقية والنجاح الدنيوي والأخروي معاً.
إن دافعية اليقين بالجزاء لإحسان العمل والسلوك من أهم المباديء الإسلامية، إذ يُعبِّر عن علاقة وثيقة بين يقين العبد بعقوبة الثواب أو الجزاء الإلهي وبين سلوكه الأخلاقي والعملي، فهو الحافز الأهمُّ لتحسين الأداء العملي والسلوكي، فإنَّ الإيمان بأن لكل فعل ثواباً أو عقاباً في الآخرة يحمل الإنسان على اتباع الطريق المستقيم والابتعاد عن المعاصي، وهذا المبدأ يتداخل في الوقت عينه مع الإيمان برحمة الله ولطفه وعدله، ومع رجاء ثوابه وفضله، فاليقين لا يدعوه فقط إلى الخوف من العقاب والعذاب، بل يدعوه إلى رجاء ثواب الله ومغفرته ورضوانه.
وبهذا تتبين لنا حقيقة مهمَّة وهي: أن اليقين بالجزاء يصوغ شخصية الإنسان وقيَمه وأخلاقه بطريقة مثالية، ويهذِّب نفسه ومشاعره وعواطفه تهذيباً كاملاً، ويجعلها جميعاً في خط الطاعة لله تعالى، وخط النفع لعباده، فيصبح باطنُه طاهراً نقياً صافياً كظاهره، وحين يتسق الباطن مع الظاهر، ويكونان في انسجام تام، فمن المؤكَّد أن ينجح المرء في دنياه وفي آخرته.
ولا يقتصر ما تقدم على الفرد، بل يتسع ليشمل المجتمع بأسره فحين يوقِن الأفراد أنهم محاسبون على أعمالهم وسلوكياتهم، فإن ذلك يُحَسِّن سلوكهم، فتنتشر في المجتمع قيم العدل والإحسان، مِمَّا يؤدي إلى بناء مجتمع متماسك يقوم على مبادئ الأخوة والتكافل الاجتماعي، وهذا يساهم في الحد من الفساد والظلم، إذ يصبح كل فرد مسؤولاً عن أفعاله تجاه الآخرين.
بناءً عليه:
أولاً: من الضروري لكل شخص منا أن يمنح نفسه فرصة ولو لدقائق قبل الاقدام على القول أو الفعل ويسأل نفسه: كيف سيكون موقفي يوم أُحاسَب على ما أريد أن أقول أو أفعل، وأن يتذكر أنه مُرتحل عن هذه الدنيا بالموت ولو عمَّر فيها آلاف السنين، وأنه موقوف للحساب بين يدي الله تعالى.
ثانياً: من الضروري أن يبادر كل واحد منا إلى محاسبة نفسه قبل أن يرتحل عن الدنيا، بل أن يحاسب نفسه كل يوم، بحيث لا ينام إلا بعد الفراغ من الحساب، فإنه لا يدري أيكون الغد من عمره، أم يكون فيه من أهل الآخرة حيث تنتهي فرصة الإصلاح والتوبة والعمل، وتبدأ مرحلة الحساب.
بقلم الکاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي