إن الإنسان يحتاج إلى الزمان، لأنه الظرف الذي يعيش ويعمل فيه، بل إن الإنسان نفسه زمان بالنظر إلى العمر الذي يحياه في الحياة، كلما مضى من الزمان جزء مضى من الإنسان جزء، كما قال الإمام أمير المؤمنين (ع): “إِنَّما أَنْتَ عَدَدُ سَاعاتٍ”.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ أَمِنَ الزَّمانَ خانَهُ”.
معادلة أخرى تكشف عن العلاقة المعقدة بين الإنسان والزمان، إن الإنسان يحتاج إلى الزمان، لأنه الظرف الذي يعيش ويعمل فيه، بل إن الإنسان نفسه زمان بالنظر إلى العمر الذي يحياه في الحياة، كلما مضى من الزمان جزء مضى من الإنسان جزء، كما قال الإمام أمير المؤمنين (ع): “إِنَّما أَنْتَ عَدَدُ سَاعاتٍ”.
والزمان لا يحتاج الإنسان، هو فوقه وقاهر له، يجري عليه، ولا ينتظره ولا يُمهله، وما دام الإنسان مقهوراً للزمان والزمان قاهر له، وجاهلاً بما يحدث فيه من تقلُّبات ومتغيرات فلا يصحُّ منه أن يطمئن إليه، بل يجب أن يتخذ كل الاحتياطات اللازمة للتعامل مع أحداثه ومتغيراته ومفاجآته.
الثقة المطلقة في الزمان تدل على إغفال حقيقة أن الزمان يحمل في طياته التغيير المستمر وعدم الثبات، الزمان نفسه متغيِّر، طارئ، حادث، وليس شيئاً ثابتاً، الزمان ليس صخرة جامدة تشكَّلت وتصلَّبت عبر العصور، بل هو متجدِّد لحظة بعد لحظة، وهكذا أحداثه وما يجري في باطنه لا يتوقف ولا يجمد بل هو في تغيُّرٍ دائم، فإذا اعتبر الإنسان أن ما يحدث اليوم سيستمر على حاله دون تقلُّب، فإنه يغفل عن ضرورة التحضير لمستقبل مختلف قد يحمل تغيُّرات وتحديات غير متوقعة.
وعليه: فإن المعادلة التي يذكرها الإمام (ع) تحثُّ على عدم الاتكال على الظروف الراهنة كضمان لمستقبل نرجوه ونؤمِّله، وتنادي بضرورة اليقظة الدائمة، والتهيّؤ والاستعداد، واتخاذ القرارات الواعية التي تراعي المتغيرات التي يمكن أن تطرأ دون مؤشِّرات سابقة، فالزمان ليس وقتا وحسب، بل هو أحداث ومتغيرات وأمور تطرأ لا يمكن التنبُّؤ بها، لذلك على الإنسان أن يعيش في حالة يقظة دائمة وأن يدرك أن مستقبله مبني على القرارات التي يتخذها اليوم من جهة، وعلى يقظته واحتياطاته وخططه للتعامل مع الأمور الطارئة.
وحدهم الأغبياء هم الذين يثقون بالزمان ثقة عمياء، أما الأذكياء فهم الذين لا يمحضون الزمان ثقتهم، بل يبقون منه ومن تقلباته على حذر دائم، إن القائد السياسي الذي يُحسِنُ الظن بالزمان، ويطمئن أنه لن يأتيه بمتغيرات ومفاجآت، ولا يُجري مراجعة دائمة لخطواته، ويغفل عن الإصلاحات اللازمة فسريعاً ما يطعنه الزمان ثم يلفظه، والتاجر الذي يتراخي في مواجهة تقلبات السوق ولا يبادر إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية التي يحتاط بها لما قد يطرأ من متغيرات لا بد وأن تفاجئه أحداث الزمان.
نستنتج مما سبق:
أولاً: ضرورة عدم الاطمئنان الكُلّي للظروف الراهنة فالزمان لا يضمن ثبات الأحوال، والنجاح والتطوّر يتطلّبان العمل المستمر والاستعداد لمواجهة التحديات.
ثانياً: ضرورة أن يعمل الفرد أو الجماعة على تطوير الذات، والسعي الدائم للتعلم والابتكار، والتخطيط لمستقبل متغير دون توقع الاستقرار التام.
ثالثاً: ضرورة قيام الفرد أو الجماعة بتقييم نقاط القوة والضَّعف بانتظام، ومن الخطأ الاعتماد على الظروف الراهنة.
رابعاً: أن يضع الفرد أو الجماعة خِطَطاً طويلة وقصيرة المدى تأخذ في الاعتبار احتمالية حدوث تغييرات غير متوقعة.
خامساً: أن يكون المَرءُ على اطلاع دائم بالأحداث والمتغيرات وأن يكون مستعداً لتعديل خططه وفقاً للظروف الجديدة، كي لا تلتبس عليه الأمور ويضيع في متاهة الأحداث، فالعارف بزمانه لا تهجم عليه اللوابس.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي