إن مبدأ التعاون على البر والتقوى من أهمِّ المبادئ الإسلامية، والمراد من البر كل أعمال الخير التي ترجع بفوائدها على المجتمع، والمراد من التقوى اجتناب كل أعمال الشر والإثم والظلم والاستبداد والطغيان والجَور وسوى ذلك من الأعمال التي ترتد على المجتمع بالظلم والعداوة والضَّعف والدَّمار والاضمحلال.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ لَمْ يَحْتَمِلْ مَؤُونَةَ النّاسِ فَقَدْ أَهَّلَ قُدْرَتَهُ لِانْتِقَالِهَا”.
في جوهرته الكريمة هذه يبيِّن الإمام (ع) أهميّة تحمُّل أعباء الآخرين كجزء من المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية، وينبهنا إلى أن عدم تحمُّل مَؤونة الناس (أي أعبائهم وحاجاتهم) يؤدي إلى انتقال القدرة والبركة منه إلى غيره، سواءً كان ذلك عبر عقوبة إلهية، بسبب عدم قيامه بواجبه تجاههم، أو نتيجة طبيعية لانعدام التكافل الاجتماعي.
والعِلَّة في ذلك: أن الله تعالى باعتباره المنعم على الإنسان، لا يُنعِم عليه وحده، بل يجعله واسطة بينه وبين الباقين من أفراد المجتمع، فكل فرد منهم يخصُّه الله بنعمة معينة، ويدعوه إلى إنفاقها في خير الناس، ألا ترى أنه تعالى يُنعِم على شخص بنعمة الطب، وعلى أخر بنعمة الهندسة، وعلى ثالث بنعمة التعليم، وعلى رابع بنعمة الوجاهة الاجتماعية، وعلى خامس بالمال، وهكذا في سواها من القدرات والإمكانات التي لا سبيل إلى حصرها، ثم يقيم بينهم علاقة تخادمية، كلٌ منهم يخدم الباقين بما أنعم الله عليه، وكل واحد منهم يحتاج إليهم جميعاً في شؤونه المختلفة.
وبهذا يتبين لنا أن القدرات والقابليات يُنعِم الله بها على الجميع بواسطة الأفراد، فهي ليست ملكاً خاصاً للأشخاص كي يبخلوا بها عن سواهم من الناس، ولهذا شواهد كثيرة تدل عليه، منها على سبيل المثال قوله تعالى: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ﴿24﴾ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴿المعارج: 25﴾، حيث تدل الآيتان الكريمتان على أن للسائل والمحروم وأصناف الفقراء، حق مالي مقدَّر في مال الغني، وهذا يعني أن المال الذي في يده ليس كله له، بعضه له وبعضه الآخر للفقراء يرزقهم الله إياه بواسطته، ويشهد لذلك أن القرآن الكريم يعتبرنا مُستخلَفين على المال، فما يكون منه في حوزتنا، وما نعتبره مُلكاً لنا فالله قد استخلفنا عليه، فيلزم من هذا وجوب أن نتصرَّف به وفق إرادة الله وفيما يُرضيه، ومِمّا أراده الله أن نؤدّي حق الفقراء منه، فإذا لم نفعل كان لله تعالى أن يسلبنا ذلك المال، أو يعاقبنا بتركه في أيدينا يُطغينا ويجلِب إلينا الهُموم في الدنيا والشقاء في الآخرة.
نستنتج مما سبق: أن قوله(ع): “مَنْ لَمْ يَحْتَمِلْ مَؤُونَةَ النّاسِ فَقَدْ أَهَّلَ قُدْرَتَهُ لِانْتِقَالِهَا” ليس مجرد وصية أخلاقية يوصي بها، بل هو تعبير عن سُنَّة إلهية جارية مفادها: أن تحمُّل أعباء الآخرين هو استثمار في القدرات والبركات، وتركه استنزاف لها، وهذه نتيجة طبيعية: فانعدام التكافل يُضعِفُ المجتمع، فيفقد الفرد ذاته الحماية التي يوفِّرها له المجتمع.
أما إذا طبَّق الأفراد هذه السُّنَّة، ونهضوا إلى خدمة بعضهم، وتحمَّلوا أعباء ذلك، سواء كانت أعباء مادية أم معنوية، يُصبحون جميعاً جزءاً من منظومة إلهية تُعزز التمكين الفردي والجماعي.
ولهذا أمر الله تعالى جميع المؤمنين بالتعاون فيما بينهم على الخير والبِرِّ والتقوى فقال: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿المائدة: 2﴾ إن مبدأ التعاون على البر والتقوى من أهمِّ المبادئ الإسلامية، والمراد من البر كل أعمال الخير التي ترجع بفوائدها على المجتمع، والمراد من التقوى اجتناب كل أعمال الشر والإثم والظلم والاستبداد والطغيان والجَور وسوى ذلك من الأعمال التي ترتد على المجتمع بالظلم والعداوة والضَّعف والدَّمار والاضمحلال.
واليوم نحن أحوج ما نكون إلى إحياء هذا المبدأ الإسلامي العظيم، والالتزام العملي به، بحيث يتعاون المسلمون فيما بينهم، ومع سواهم من الناس، في أعمال الخير وكل ما يرجع عليهم وعلى الإنسانية جمعاء بالخير، وأن يتعاونوا أيضا على اجتناب الشر والعدوان والظلم وكل عمل يرجع على البشرية بالشر.
ومن الضروري لكل مؤمن ملتزم بإيمانه أن ينهض إلى خدمة الناس وإعانتهم، وأن يحرص على التفَقُّد الدوري لحاجات المحيطين به، ويوصل إلى الفقراء والمحتاجين حقهم من مال الله الذي في يديه، ويدعمهم معنوياً ونفسياً، ويستمع إلى مشاكلهم، ويقدم لهم النصيحة، وينشر الخير في أوساطهم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي