لماذا استجاب الحسين (ع) لأهل الكوفة وأرسل إليهم سفيره مسلمَ بن عقيل مع علمه بحالهم ومع نصح بعض أصحابه له بعدم التوجُّه إلى هناك؟

الجواب:
لو لم يستجب الإمام الحسين (ع) لدعوات أهل الكوفة لأدانه التاريخ ولقال إنَّ الحسين -والعياذ بالله- قد فرَّط في المسئوليّة الإلهيَّة المُناطة به، وذلك لأنَّ الظروف قد تهيَّأت له بعد أنْ راسله الآلاف مِن أهل الكوفة وجمع كبير مِن الوجهاء ورؤساء العشائر ، وأكّدوا له أنّهم على استعدادٍ تامٍّ لمناصرته وأنَّ الكوفة متهيِّئةٌ لاحتضان ثورته، وأنَّه ليس مِن العسير عليهم طردُ الوالي الأموي مِنها، وحينئذٍ وعندما تسقط الكوفة فإنَّ ذلك يُنتج سقوط القرى والمدن المجاورة لها نظراً لارتباطها سياسيّاً وأمنيّاً بأمارة الكوفة بل وحتّى بلاد فارس والأهواز وبعض المدن الإيرانيَّة وقراها كانت تابعة سياسيّاً لإمارة الكوفة بل إنَّ سقوط الكوفة بِيَد الثوّار يُنتج سهولة الهيمنة على مدينة البصرة والمدن المجاورة لها، وذلك لأنَّ الثقل العسكري والسياسي في العراق آنذاك كان في مدينة الكوفة، وكلُّ مَن له معرفة بالتاريخ يُدرك هذه النتيجة.
ومِن هنا يكون إهمال الإمام الحسين (ع) لدعوات أهل الكوفة يعدُّ تفريطاً وتفويتاً لفرصةٍ استثنائيّة خصوصاً وأنَّ الحسين(ع) يُدرك أنَّ الأمّة ما كانت لتستجيب ليزيد لولا قوَّتُه وسطوته، فإذا ما استطاع أنْ يُوهن هذه القوّة فإنَّ الحواضر الإسلاميّة سوف تتداعى واحدة تلوَ الأخرى، إذ ليس ثمّة حاضرة مِن الحواضر الإسلاميّة تكنُّ الولاء الحقيقي ليزيد وللنظام الأموي إذا ما استثنَيْنا بلاد الشام، هذا بالإضافة إلى عنصرٍ آخر يُؤكّد المسئوليَّة التاريخيَّة على الحسين (ع) وهو احترام وتقدير الأمّة له نظراً لقرابته مِن رسول الله (ص) ونظراً لإيمانها بنزاهته وكفاءته وليس مِن عائق يحول دون مؤازرته سوى بطش السلطة الأمويّة الذي أصاب الأمّة بالإحباط واليأس، فلو أنَّ الحسين (ع) استطاع إدخال الوهن على النظام الأموي فإنَّ الأمّة ستهبُّ لا محالة لمؤازرته.
مِن هنا كان سقوط الكوفة مع ملاحظة الاعتبارات الأخرى مساوقاً لضعف النظام الأموي وعجزه عن بسط هيمنته على الحواضر الإسلاميّة. ذلك لأنَّ مركز القوّة للنظام الأموي متمثِّلاً في بلادَيِ الشام والكوفة، لهذا تمكّن الثوّار في المدينة المنوّرة وكذلك مكّة الشريفة مِن طرد بني أميّة بكلّ سهولة أيّام يزيد بن معاوية، ولولا أنْ بعث إليهم يزيدُ بن معاوية جيشَ الشام بعد أنْ رفض ابن زياد واليه على الكوفة الذهاب إليهم لما تمكّن مِن استرجاع هاتَيْن المدينتَيْن مِن يد الثوّار.
وهو ما يُعبِّر عن أنَّ الكوفة والشام هما مركز القوّة للنظام الأموي، وأنَّ سرَّ هيمنته وانبساط سلطته هو ما يُدركه الناس مِن أنَّ عاقبة التمرُّد هو أنْ يُسلّط عليهم النظامُ الأموي جيشَ الشام أو الكوفة.
ومِن هنا نُؤكّد أنَّ سقوط الكوفة بِيَد الثوّار معناه أنَّ النظام الأموي يٌصبح أمام قوّةٍ مكافئة لقوّته، وهو ما كنّا نقصده مِن دخول الوهن على النظام الأموي المستوجب لتداعي الحواضر الإسلاميّة بعد أنْ لم يكن خضوعها له ناشئاً عن ولائها وإيمانها بجدارته واستحقاقه، وإنّما كان ناشئاً عن خوفها مِن بطشه وشدَّة بأسه.

للمشاركة:

روابط ذات صلة

السؤال: كيف نفسّر نسبة فعل (الخلق) إلى بعض الملائكة والأنبياء والأولياء (عليهم السلام)؟ وهل يصح إطلاق هذا الفعل عليهم؟
س. ما مدى صحَّة ما يُروى من أنَّ السَّيِّدة زينب (عليها السلام) لمَّا رأت رأس الحسين (عليه السلام) ضربت رأسها بمقدَّم المحمل حتَّى نزف الدَّم من تحت برقعِها، وهل يصحُّ الاستدلال بهذه الرواية على حكمٍ شرعيّ؟
السؤال: ادَّعى موقع سني أن هذه الرواية من كتاب الشافي في الإمامة، فهل هذا صحيح و ما هو سند الرواية اذا كان صحيحا عن أمير المؤمنين : ( دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين ثقل ، فقلنا: يا رسول الله … استخلف علينا ، فقال: لا ، إني أخاف أن تتفرقوا عنه كما تفرقت بنو اسرائيل عن هارون ، ولكن إن يعلم الله في قلوبكم خيراً اختار لكم ؟
ما النكتة في التعبير بالفوز الكبير ؟
السؤال : كيف يستدل على إمامة أهل البيت بآية إني جاعلك رغم أن من معاني إمامتهم الخلافة وإمامة النبي ابراهيم ليس لها علاقة بالخلافة ؟

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل