الجواب: وفقًا لغالبية التفاسير، جاء رجل من المشركين -ذُكر اسمه في بعض المصادر «أبيّ بن خلف» أو «أمية بن خلف» أو «عاص بن وائل»- ووجد قطعة عظم متحللة، وقال: «بهذا الدليل القوي سأتصدى لمحمد ﷺ وأبطِل كلامه عن البعث». فأخذ العظم ومضى إلى النبي ﷺ (وربما سحق جزءًا منه في حضرة النبي وألقاه على الأرض) وقال: «من يستطيع إحياء هذه العظام المتحللة من جديد؟ ومن سيصدق ذلك بعقله؟»
فأنزل الله تعالى الآيات 77–83 من سورة يس، مقدّمًا ردًا منطقيًا وحاسمًا عليه وعلى أقرانه من المنكرين.
أولًا: تذكير الإنسان بمصدر خلقه.
يبدأ الله تعالى بتوجيه الإنسان إلى التفكّر في بداية حياته، حين كان مجرد نطفة عديمة القيمة، ويحثّه على التأمل في قدرته ومساره الحياتي:
«أَوَ لَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ» [يس:77]
أي: ألم يعلم الإنسان أنه خُلق من نطفة صغيرة، ثم صار قويًا وواعيًا، قادرًا على الجدال والمخاصمة مع خالقه؟
ثانيًا: كشف طبيعة الإنسان النّاسي للنعم.
ثم يوضح القرآن طبيعة الإنسان الناسي للنعم والمتكبّر، وكيف يستخدم نعم الله ضدّه فيخالف الحق ويجادل: «وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ» [يس:78]
أي: من يستطيع إحياء هذه العظام المتحللة، وهي بالية ومهملة؟
ثالثًا: توجيه النبي ﷺ للرد.
ثم يأمر الله نبيه ﷺ بالرد على هذا المتكبّر: «قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ» [يس:79]
أي: من خلق الإنسان في البداية قادر على إعادة إحيائه، ولو كانت هذه العظام قد تحللت أو تحوّلت إلى تراب، فهذا يسير عليه، فهو خالق كل شيء من العدم.
رابعًا: تأكيد علم الله وقدرته المطلقة.
يؤكد القرآن علم الله الشامل وقدرته الكاملة على كل المخلوقات: «وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ» [يس:79].
ويبرز قدرة الله من خلال مثال بسيط لكنه قوي: «الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُمْ مِّنْهَا تُوقِدُونَ» [يس:80]
أي: الذي جعل لكم من الشجرة الخضراء نارًا لتوقدوا بها، قادر على إحياء هذه العظام المتحللة ومنحها حياة جديدة.
خامسًا: قدرة الله على إعادة خلق الإنسان.
ثم يؤكد قدرة الله على إعادة خلق الإنسان كما خلقه أول مرة: «أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُخْلِقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ» [يس:81]
ويبيّن أن أمر الله متى شاء يكون فوريًّا:«إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» [يس:82]
سادسًا: خاتمة الآيات ودلالة الملكوت الإلهي.
وأخيرًا، تختتم هذه الآيات بالدلالة على ملكية الله المطلقة وسيادته على كل شيء: «فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» [يس:83]
أي: ملكية وحكم كل شيء بيد الله وحده، ومنزه عن كل عجز، وما أعظم قدرته على إحياء الموتى وإعادة الحياة للعظام المتحللة والأتربة المتفرقة! وبذلك، يكون البعث حقيقة لا ريب فيها، وكل البشر راجعون إلى الله.
[1] «خَصِيم» يعني الشخص المصّرّ على الجدال والمخاصمة، و«رأى» هنا بمعنى العلم.
[2] «رَمِيم» من مادة «رم» بمعنى إصلاح الموجود البالي، ويشير خصوصًا إلى العظم المتحلل.
[3] للمراجعة: تفسير نمونه، آية الله العظمى مکارم شیرازی، دار الکتب الإسلامیه، الطبعة السادسة والعشرون، ج18، ص480.