السؤال لماذا يُشار إلى الله في القرآن الكريم بضمير التذكير «هو»؟

الجواب:

أولًا: إن اللغة العربية لغةٌ تقوم أفعالها وضمائرها على أساس التقسيم النحوي إلى مذكر ومؤنث. وهذه الخصيصة لا تتوافر في بعض اللغات الأخرى؛ فعلى سبيل المثال، في اللغة التركية والفارسية والصينية واليابانية تكون الأفعال والضمائر خالية من التمييز الجنسي، إذ تُستعمل ألفاظ مثل (هو/هي) من دون التفريق بين المذكر والمؤنث.

١- البنية اللغويةفي اللغة العربية.

وبحكم بنيتها النحوية القائمة على التذكير والتأنيث، لا بدّ عند استعمال الفعل أو الضمير لأيّ مفهوم كان من اختيار إحدى الصيغتين: المذكرة أو المؤنثة. ولهذا السبب تُراعى هذه القسمة حتى عند الإشارة إلى الأشياء أو الظواهر غير الحيّة؛ فمثلًا يُعدّ «الشمس» مؤنثًا و«القمر» مذكّرًا، مع أنّ هذه الأجرام السماوية لا تمتلك أيّ جنسٍ بيولوجي. وعليه، فإنّ استخدام الصيغة المذكرة أو المؤنثة للأفعال والضمائر في العربية لا يعني بالضرورة إسناد جنسٍ حقيقي إلى ذلك الموجود أو الشيء، بل هو مقتضى من مقتضيات القواعد النحوية لهذه اللغة.

٢. قاعدة «التغليب» (غلبة الصيغة المذكرة):

في النحو العربي توجد قاعدة معروفة تُسمّى «التغليب» أو «غلبة المذكر». ووفقًا لهذه القاعدة، إذا لم تكن الجهة المشار إليها محدَّدة الجنس (كالإشارة إلى شخص مجهول)، أو في حال كان الجمع مختلطًا يضمّ رجالًا ونساءً، تُستعمل الصيغة المذكرة بوصفها الصيغة الشاملة والغَالِبة. وهذه قاعدة لسانية وُضعت لتيسير التعبير وتغطية الحالات الملتبسة أو الجماعية.وبناءً على ذلك، تُعدّ الصيغة المذكرة هي الصيغة الافتراضية والأصلية في الاستعمال، ما لم يكن الموضوع مؤنثًا على نحوٍ خاصّ ومُعيَّن، سواء كان تأنيثًا حقيقيًا أم مجازيًا/اصطلاحيًا. وفي مثل هذه الموارد يُستعمل الفعل بصيغة المذكر.

٣. السياق التاريخي-الثقافي للفظ «الله»:

كان لفظ «الله» ومفهوم الألوهية معروفين لدى العرب قبل الإسلام، وكانا يُستعملان في خطابهم وأشعارهم مقرونين بالضمائر والأفعال المذكرة. ولم يأتِ القرآن الكريم ليُنشئ نظامًا لغويًا جديدًا مغايرًا لما ألفه الناس، بل نزل ضمن البنية اللغوية السائدة والمفهومة لدى مجتمع عصر النزول. وعليه، فإن استعمال الصيغة المذكرة في الإشارة إلى الله تعالى في القرآن إنما هو امتداد لذلك التقليد اللغوي والخطابي القائم، من دون أن ينطوي على أي قصدٍ لإسناد «جنس» أو توصيفٍ جنسي إلى الذات الإلهية.

فعلى سبيل المثال، حين يتحدث القرآن عن الشمس (شمس)، يقول في سورة الشمس: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾فجاء بالفعل بصيغة المؤنث؛ لأن العرب كانوا يستعملون لفظ «الشمس» مؤنثًا في لغتهم.وكذلك الأمر في استعمال لفظ «الله»؛ إذ كان العرب قبل الإسلام يطلقون هذا اللفظ ويستعملونه مع الضمائر والأفعال المذكرة، فجاء القرآن الكريم موافقًا لهذا العرف اللغوي السائد، فخاطب الله تعالى بصيغة المذكر.

ومن ثمّ، لم يأتِ القرآن ليُعرِّف لفظ «الله» لأول مرة حتى يُسأل: لماذا استُعمل بصيغة المذكر؟ بل استعمل اللفظ وفق ما كان راسخًا ومتداولًا في لغة وثقافة المخاطَبين، دون أن يدل ذلك بحالٍ على نسبة جنسٍ أو تذكيرٍ حقيقي إلى الذات الإلهية.

٤. الخطاب الإلهي بلغة القوم لا تأسيس لغة خاصة.

يخاطب الله سبحانه وتعالى البشر باللغة التي يألفونها وضمن الأطر التعبيرية التي اعتادوا عليها، ليكون المعنى أقرب إلى أذهانهم، وأوضح في دلالته، وأبلغ في تحقيق غاية الرسالة، وهي الهداية والإرشاد. فالقرآن الكريم لم يُنزَل لتأسيس لغة خاصة أو نظام لغوي منفصل عن الواقع البشري، بل جاء مندمجًا في البنية اللغوية المتداولة بين العرب في عصر النزول، مستعملًا مفرداتهم، وأساليبهم، وقواعدهم التعبيرية، بما يضمن الفهم والتلقي السليم.

ومن هنا، فإن استعمال الصيغ المذكرة في الخطاب الإلهي يجري وفق ما تقتضيه طبيعة اللغة العربية وقواعدها، لا بوصفه توصيفًا ذاتيًا للذات الإلهية، بل باعتباره أداة لغوية لتحقيق البيان. وقد قرر القرآن هذا المبدأ بوضوح في قوله تعالى:﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [إبراهيم: 4].

وعليه، فإن فهم الخطاب القرآني ينبغي أن يكون في ضوء مقاصده الهداية، وبنيته اللغوية، وسياقه التداولي، لا من خلال إسقاط تصورات حديثة عن اللغة والجنس على نصٍّ إلهي خاطب البشر بما يفهمون، ليقودهم إلى ما لا يعرفون.

“معرفة العرب بالله قبل الإسلام”

وهنا قد يثار سؤال: “هل كان العرب يعرفون الله؟ وما معنى ذلك؟”

والجواب: نعم، كان العرب يعرفون الله، لكن معرفتهم كانت مشوبة بالشرك. فالمشركون يقولون: “الله خالق كل شيء؛ هو أصل الخلق، لكنه عالٍ جدًا وبعيد المنال، فلا نتمكن من الوصول إليه مباشرة، لذلك نحتاج إلى الأصنام للتقرب منه”.لذلك، كانت الأصنام عند المشركين رموزًا للآلهة المدبرة للكون. وقد أبطل الله هذا الاعتقاد وأكد أن لا معبود ولا رب حقيقي إلا الله، وأن عبادة الأصنام شرك واضح، كما جاء في قوله: “لا إله إلا الله”.

وبمراعاة النقاط السابقة، يتضح جواب مسألة استعمال صيغة المذكر عند الإشارة إلى الله سبحانه في القرآن.

للمشاركة:

روابط ذات صلة

السؤال: السلام عليكم.. أريد علاجًا لقسوة قلبي، أصبح كالجلمود لا يشعر بالمعاصي والذّنوب، فأنا لا أبكي على مصائب أهل البيت ولا أبكي خشيةً من الله، أخشى أن أهلك بعد قسوة القلب هذه.. أريد حلّا..
السؤال: كيف يريد الله لأرواحنا أن تكون، وهل الأرواح كلها نقية لأنها نفحة من عند الله ؟
ورد عن الامام علي عليه السلام( من قبض يده مخافة الفقر فقد تعجّل الفقر)فهل هو صحيح؟ورد عن الامام علي عليه السلام( من قبض يده مخافة الفقر فقد تعجّل الفقر)
السؤال: لماذا خلقني الله؟ أنا لم أُرِد أن أُخلَق فلماذا أوجدني؟ ألكي أُذنب في النهاية ثم أُلقى في جهنّم؟
مالفرق بين معرفة الله الفطرية وبين معرفة الله العرفانية الكشفية الشهودية؟

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل