السؤال: ماذا يعني مفهوم الردّة والإرتداد، وما هو حكمه وأنواعه؟

الارتداد في الأدبيات الإسلامية يعني رجوع الإنسان عن الإيمان إلى الكفر؛ أي أن الفرد الذي اعتنق الإسلام وكان «مقرًّا بالشهادتين»، قد ترك إيمانه وأنكر أصول الدين. ومفهوم الارتداد في النظرة الإسلامية ليس مجرد تغيير عقيدة بسيط، بل هو نوع من الانقطاع الروحي والأخلاقي والاجتماعي.

في المصادر الفقهية الشيعية، يتحقق الارتداد عندما ينكر الشخص عن طواعية ووعي المبادئ المسلمة الثابتة مثل التوحيد، النبوة أو ضروريات الدين. ومن هذا المنطلق، يعتبر الارتداد قبل أي شيء مسألة عقائدية وإيمانية قبل أن يكون قضية فقهية بحتة.

أنواع الارتداد في الفقه الإسلامي

وقد صنف الفقهاء الارتداد إلى عدة أنواع أهمها:

  1. الارتداد الفطري: هو ارتداد الشخص الذي كان أحد والديه أو كلاهما مسلماً عند ولادته، وقد أصبح مسلماً في شبابه، ثم ارتدّ عن الإسلام. → الحكم: لا تُقبل توبته، وإذا ثبت ارتداده يُقدّم للإعدام (وفق الفقه الشيعي).
  2. الارتداد الملي: هو ارتداد الشخص الذي كان والداه كافرين عند ولادته، لكنه اعتنق الإسلام بعد بلوغه ثم ارتد. → الحكم: يُدعَى للتوبة، فإذا تاب يُعفى، وإذا رفض يُقدّم للإعدام.
  3. الارتداد العملي (في بعض الآراء): لا يقتصر الارتداد على القول، بل بعض الأفعال مثل السجود للأوثان، أو رمي القرآن في النجاسة، وما شابهها، يمكن أن تُعد سببًا للارتداد.

الخلفية التاريخية للارتداد في صدر الإسلام

واحدة من الأحداث المشهورة التي ذكرتها الكتب التاريخية والتي تُسهم في فهم سياقات الارتداد هي حادثة عبد الله بن أبي السرح؛ إذ كان في البداية من المسلمين، لكنه ارتد عن الإسلام لعدة أسباب ولجأ إلى مكة. وتدل هذه الواقعة على أن مسألة الارتداد كانت موجودة في صدر الإسلام، وليست موضوعًا حديثًا فقط.

استخدم المفسرون التاريخيون هذا الحدث للتفريق بين الارتداد عنادًا والارتداد بسبب ضعف الإيمان أو الشبهات؛ لأن النية وظروف الفرد في النظر الإسلامي تؤثر تأثيرًا مهمًا على الحكم والنتيجة المترتبة عليه.

نظرة الفقه الشيعي للارتداد

في الفقه الشيعي، يُنظر إلى مسألة الارتداد بدقة وحرص بالغين، نظرًا لما تتضمنه من معتقدات، حقوق فردية، ومصالح اجتماعية. وقد وضع فقهاء الشيعة شروطًا صارمة لاعتبار الشخص مرتدًا، منها:

  1. أن يكون الارتداد صريحًا وواضحًا وغير مبهم.
  2. أن يكون الشخص بالغًا، عاقلًا، مختارًا وواعٍ.
  3. أن يكون الارتداد مصحوبًا بإنكار لأهم العقائد الدينية.

لذلك، شدّد الفقهاء الشيعة، وخاصة في مؤلفات كبارهم مثل الشيخ الطوسي، المحقق الحلي، العلامة الحلي، والشهيد الثاني وغيرهم، على أن إثبات الارتداد ليس بالأمر السهل، ولا يمكن تحميل الفرد حكم الارتداد بسبب أي قول غامض أو سلوك مزدوج.

فلسفة حساسية الإسلام تجاه الارتداد

في النظرة الإسلامية، لا يُعتبر الدين مجرد اعتقاد فردي، بل هو رابطة بين الفرد والله، وأيضًا عامل يضمن وحدة المجتمع وصحته. في صدر الإسلام، كان الارتداد أحيانًا مرتبطًا بـ خيانة سياسية، تعاون مع الأعداء، وتهديد أمن المجتمع الناشئ. ولهذا السبب، صيغت أحكام الارتداد في الفقه بطريقة تؤدي أيضًا إلى الحماية والردع.

إلى جانب بيان الحكم، يترك الفقه الشيعي دائمًا سبيل التوبة والرجوع والحوار مفتوحًا. وتشير التأكيدات على التوبة في العديد من النصوص إلى أن الهدف الأساسي هو إعادة الإنسان إلى الإيمان، وليس مجرد الجانب العقابي.

وجهة نظر الفقهاء والمراجع المعاصرين حول الارتداد

في العصر الحاضر، ومع تغير الظروف الاجتماعية والقانونية والثقافية، يُطرح موضوع الارتداد بأشكال جديدة. وقد أولى الفقهاء والمراجع المعاصرون في العالم الشيعي، مع التزامهم بالمبادئ الفقهية، الاهتمام بالأبعاد الحديثة لهذه المسألة أيضًا.

وفيما يلي ملخص توضيحي لوجهات نظر بعض الفقهاء والمراجع المعاصرين حول مسألة الارتداد:

1. التأكيد على صعوبة إثبات الارتداد

يشدد العديد من المراجع المعاصرين، مثل آية الله العظمى مکارم الشيرازي وآية الله السيستاني وغيرهم، على أن الارتداد لا يتحقق بسهولة. ويؤكدون على أنه:

  • يجب التأكد اليقيني من أن الشخص أنكر عمدًا وبشكل صريح المبادئ الأساسية للدين.
  • إذا كان هناك احتمال الشبهة، أو الجهل، أو سوء الفهم، فإن الارتداد لا يتحقق.

2. التفريق بين الاعتقاد والحكم الاجتماعي

أوضح بعض الفقهاء المعاصرين أن الإنكار القلبي، إذا لم يُعلن علنًا ولم يُحدث ضررًا اجتماعيًا، لا يترتب عليه حكم الارتداد الاجتماعي.

ويستند هذا الرأي إلى التمييز بين الاعتقاد الشخصي والإعلان العام ضد الدين، مع مراعاة أثره على المجتمع.

3. مكانة التوبة والرجوع

في الفقه الشيعي، التوبة للمرتد الفطري تختلف عن المرتد الوطني؛ ومع ذلك، يشدد العديد من المراجع المعاصرين على أنه إذا كان الشخص يرغب حقًا في العودة إلى الدين، فيجب تقديم المساعدة له، ويُنظر في حكمه وفقًا لظروف العصر والسياق الاجتماعي.

4. تجنّب التعجّل في الحكم

أكد فقهاء مثل آية الله سبحاني وآية الله جوادي الآملي مرارًا أن مسألة الارتداد تستدعي تدقيقًا شديدًا، ولا يمكن إصدار حكم قطعي في حالات الشبهة.

ومن وجهة نظرهم، حكم الارتداد في الفقه هو حكم ثانوي واجتماعي، ويجب النظر إليه في إطار العدالة والمصلحة والظروف الاجتماعية.

5. مراعاة ظروف العصر الحديث

أوضح بعض الفقهاء المعاصرين أن في زماننا تنتشر الشبهات الاعتقادية بشكل واسع، ويكون الإنسان معرضًا لحجم هائل من المعلومات؛ لذلك، من الضروري فحص الأبعاد الفكرية والبيئية والثقافية للفرد قبل أي حكم.

وتستند هذه النظرة إلى الأصل القرآني: «لا إكراه في الدين»، وتشجيع الإسلام على الاختيار الواعي والحر للإيمان.

حكم الردّة في إيران المعاصرة

في القوانين الرسمية لجمهورية إيران الإسلامية، لم يرد عنوان «الردّة» بشكل مباشر في قانون العقوبات؛ ومع ذلك، يعتمد الفقهاء في مجلس صيانة الدستور والمحاكم في حالات خاصة على الفقه الإمامي لإصدار الرأي.

وعلى الرغم من ذلك، فإن النهج العملي والقضائي في إيران متوخٍ الحذر الشديد، وحالات الاستناد إلى الردّة محدودة ونادرة جدًا. وعادةً ما يُثار الموضوع عندما يقوم الشخص بـ:

  • الدعوة العلنية ضد الإسلام،
  • إنكار علني للثوابت الدينية،
  • أو قيام أفعاله بعواقب اجتماعية أو أمنية.

ويُظهر هذا النهج التمييز بين الاعتقاد الخاص والفعل العام ضد الدين، وهو نهج يتوافق مع الفقه الشيعي ومع احتياجات المجتمع المعاصر.

الخلاصة

الردّة في الإسلام هي مسألة عميقة، متعددة الطبقات وجذورها تاريخية. ومن منظور الفقه الشيعي، تحققها يعتمد على شروط ومعايير صارمة، ولا يمكن بموجب أي إنكار أو قول غامض إصدار حكم الردّة.

كما يؤكد المراجع المعاصرون، بالنظر إلى الظروف الحديثة، على الاحتياط، التدقيق الدقيق، تجنب التعجّل، وأهمية التوبة والحوار.

فالردّة ليست مسألة اعتقادية بسيطة، ولا مجرد قضية قانونية، بل هي نقطة التقاء بين الإيمان، والأخلاق، والفرد، والمجتمع، والمصلحة العامة. ومن هذا المنطلق، سعى الفقه الشيعي عبر التاريخ إلى دراسة هذه المسألة بعناية وعمق مع مراعاة العدل والإنصاف، واليوم أيضًا يتم تناولها بنظرة متوازنة ومسؤولة في سياق المجتمع الإسلامي المعاصر.

للمشاركة:

روابط ذات صلة

مالفرق بين معرفة الله الفطرية وبين معرفة الله العرفانية الكشفية الشهودية؟
السؤال: إذا كان من المقرَّر أن يُنسخ حكمٌ من أحكام القرآن الكريم، فلماذا نزل ابتداءً بصيغة آية قرآنية؟ وإذا كان حكمه قد رُفع لاحقاً، فما العلّة في بقائه ضمن النص القرآني وعدم حذفه؟ ثم ما الأساس والمسوِّغ لتلاوة الآيات المنسوخة أصلاً؟ ولماذا، على الرغم من وقوع النسخ، ما تزال الآيات المنسوخة باقية في القرآن الكريم وتُتلى؟
السؤال/ سبب خروج الإمام الحسين عليه السلام؟
السؤال: ادَّعى موقع سني أن هذه الرواية من كتاب الشافي في الإمامة، فهل هذا صحيح و ما هو سند الرواية اذا كان صحيحا عن أمير المؤمنين : ( دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين ثقل ، فقلنا: يا رسول الله … استخلف علينا ، فقال: لا ، إني أخاف أن تتفرقوا عنه كما تفرقت بنو اسرائيل عن هارون ، ولكن إن يعلم الله في قلوبكم خيراً اختار لكم ؟
السٶال: دار نقاش بين بعض المؤمنين مفاده ان احد المؤمنين ذهب للعمره واستظل في النهار ويمتنع عن دفع الكفارة لقوله ان بعض الاحكام لا توافق العقل وكذلك في الامتناع عن شم العطور في الحج وفي نفس الوقت اذا صادف ان هناك روائح كريهة فلابد من عدم تغطية الانف..الخ وحسب قوله كل ما خالف عقلي لن أمتثل إليه كون الدين دين العقل، نحن بدورنا حاولنا اقناعه حسب علمنا فحبذا لو أعطيتمونا جوابا يرفع هذه الشبهات ويزيل هذا التعارض ان دين الله لا يصاب بالعقول وفي نفس الوقت نقول ان الدين دين العقل ؟

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل