السؤال: هل كان طوفان نوح عليه السلام كارثة عالمية أم عذابا إقليميا؟

الجواب: تُعَدّ قصةُ نبيّ الله نوحٍ عليه السلام والطوفانِ العظيم من أبرز الأحداث في تاريخ البشرية، وقد تناولها القرآن الكريم بتفصيل واسع، حاملاً في طياتها دروسًا عميقة في الرحمة والعدل والحكمة الإلهية. وقد وقعت هذه الحادثة بعد صبرٍ وجهدٍ امتدّا تسعمائةٍ وخمسين عامًا من هذا النبيّ الكريم، وهي حافلة بنقاط جديرة بالتأمل تتعلق بمدى الطوفان، وحيوانات السفينة، ومصير الناس، وفترات الإمهال الإلهي.

وبحسب وكالة أنباء حوزة، يتناول هذا التقرير أبرز الشبهات والتساؤلات المتعلقة بطوفان نبيّ الله نوحٍ عليه السلام، وهي قضايا ظلّت موضع نقاش واهتمام لدى الباحثين والمهتمين بهذا المجال.

إنّ طوفان نبيّ الله نوحٍ عليه السلام، خلافًا للتصوّر الشائع، لم يكن حادثةً عالمية، بل كان طوفانًا إقليميًا محدود النطاق، ويمكن إثبات ذلك من عدة زوايا قرآنية وعقلية.

أولًا: يصرّح القرآن الكريم بوضوح بقوله تعالى:
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ﴾ (نوح: 1)،
أي: «إنا أرسلنا نوحًا إلى قومه»، لا إلى البشرية جمعاء. وتدلّ هذه الآية دلالةً واضحة على أنّ رسالة نبيّ الله نوحٍ عليه السلام كانت موجهة إلى قومٍ بعينهم، ومحصورة في نطاقٍ محدد، لا شاملةً للعالم كله.

يبيّن الله تعالى في القرآن الكريم أصلَ العدل الإلهي بقوله:
﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ (الإسراء: 15)،

وبناءً على ذلك، فإنّ معاقبة أقوامٍ آخرين لم تبلغهم دعوةُ نبيّ الله نوحٍ عليه السلام تُعَدّ مخالفةً صريحةً لمبدأ العدل الإلهي، كما دلّت عليه هذه الآية الكريمة.
وقد حاول بعضهم الاستدلال بلفظ «الأرض» الوارد في الآية السادسة والعشرين من سورة نوح:
﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾،
لإثبات عالمية الطوفان.

غير أنّ هذا الاستدلال غير تام؛ إذ إنّ لفظ «الأرض» في الاستعمال القرآني لا يختصّ دائمًا بجميع أرجاء المعمورة، بل يُستعمل أحيانًا للدلالة على أرضٍ أو إقليمٍ معيّن، كما في قوله تعالى بشأن أرض فلسطين في سورة الإسراء (الآية 4):
﴿وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾.

وكذلك استُخدمت كلمة «الأرض» للدلالة على أرضٍ بعينها، وهي أرضُ مصر، في قوله تعالى في الآية السادسة والسبعين من سورة الإسراء:
﴿وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا ۖ وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا﴾،

وهذا الاستعمال القرآني يبيّن بوضوح أنّ لفظ «الأرض» لا يُراد به دائمًا مجموع الكرة الأرضية، بل قد يُقصد به إقليمٌ أو بلدٌ معيّن، تبعًا لسياق الآية ودلالتها.

فيما يتعلق بالحيوانات، يقول الله تعالى في الآية الكريمة:
﴿وَاحْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ (هود: 40).
إنّ لفظ «كل» الوارد هنا ليس مطلقًا، بل هو نسبيّ الدلالة؛ فلا يُقصد به جميع حيوانات العالم، وإنما الحيوانات الموجودة في منطقة العذاب، والتي كانت مهددة بالانقراض، فضلًا عن تلك التي يحتاجها الإنسان لاستمرار الحياة بعد انتهاء الطوفان.

ويؤيّد هذا الفهم استعمالٌ قرآنيٌّ مماثل في قصة ملكة سبأ، إذ يقول القرآن الكريم عنها:
﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ (النمل: 23)،
مع أنّه من البديهي أنّ ملكة سبأ لم تكن تملك كلّ ما في العالم على الإطلاق. وهذا يؤكّد أنّ لفظ «كل» في الاستعمال القرآني يُحمَل على معناه النسبي الذي يحدّده السياق، لا على الشمول المطلق.

وفقًا لرواية واردة في الکافي (ج8، ص283)، فقد وُضِع في سفينة نبيّ الله نوحٍ عليه السلام ثمانية أنواع فقط من الحيوانات، مما يوضّح منطقية وحجم السفينة وقدرتها على احتواء الحيوانات.
كما أنّه منذ لحظة بدء العذاب، بدأت عملية صعود الحيوانات إلى السفينة، وقد تمت هذه العملية بمساعدة نحو عشرين رجلاً رافقوا نبيّ الله نوحٍ عليه السلام، ما يدل على أنّ عدد الحيوانات كان محدودًا ويمكن التحكم فيه بسهولة

مسألة ارتفاع الماء والجبال

فيما يتعلق بما إذا وصل الماء إلى قمم الجبال، يوضح القرآن الكريم في قوله تعالى:
﴿وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ (هود: 43)،
أنّ ابن نبيّ الله نوحٍ عليه السلام لم يصل إلى قمة الجبل، بل حاول الوصول، فكان الموج حائلًا بينه وبين الجبل فأغرقه الله.
وبناءً على ذلك، لم يصل الماء إلى قمم الجبال، وإنما كانت الأمواج وحدها تمنع الوصول إلى الارتفاعات العالية.

مكان استقرار السفينة

فيما يخص مكان استقرار السفينة، يقول الله تعالى:
﴿وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ﴾ (هود: 44).
إنّ كلمة «الجودي» تعني الأرض الصخرية والصلبة بشكل عام (انظر: الكشاف، ج2، ص398؛ وترجمة الميزان، ج10، ص366)، ولم يُستعمل لفظ «جبل» في القرآن للإشارة إلى الجودي.
مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنّ الظروف الجغرافية تغيرت كثيرًا على مدى ستة آلاف سنة، ومن الممكن أن تكون بعض التلال قد تحوّلت إلى جبال نتيجة تحرّك التراب وتراكمه على مرّ العصور.

قضية الأطفال والحكمة الإلهية

إحدى أهم الشبهات المتعلقة بالطوفان تتعلق بسؤال: لماذا يجب أن يغرق الأطفال الأبرياء؟ والحقيقة أنّ لا وجود للأطفال وقت الطوفان.
فوفقًا لرواية تفسير القمي (ص326)، فقد جعل الله النساء عقيماً منذ أربعين سنة قبل الطوفان حتى لا يولد طفل ويصاب الأبرياء بالمحنة.

وحتى لو افترضنا وجود طفل في ذلك الوقت، فإنّه كما يحصل في جميع الحوادث الطبيعية في العالم مثل الفيضانات والزلازل والعواصف، قد يموت الأطفال أيضًا، وهذا لا يُعد ظلمًا لهم؛ إذ إنّ لكل إنسان مدة حياة محددة قدّرها الله. وبما أنّ الأطفال لم يرتكبوا ذنوبًا، فإنّهم يُنقلون إلى الدار الأبدية في الجنة بدل الحياة الفانية، وهذا دليل على رحمة الله ولطفه.

مدة الطوفان وسكان العالم في زمنه

وفقًا لحديث وارد في الکافي (ج8، ص281)، فقد استمرت السفينة على الماء سبعة أيام.
كما أنّ الفترة الزمنية بين خلق آدم عليه السلام وطوفان نوحٍ عليه السلام كانت حوالي ألفي سنة، وخلال ذلك لم تكن سكان الأرض كثيرة أو متفرقة في كل العالم، بل كان البشر متركزين في منطقة محددة.

ويؤكّد القرآن أنّ هناك آخرين نجوا من الطوفان، في قوله تعالى في الآية 48 من سورة هود:
﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ﴾،
أي أنّ بعض الأشخاص الآخرين الذين رافقوا نوحًا قد نجوا أيضًا، ومن ثم فإنّ جميع البشر بعد الطوفان لم يكونوا من نسله وحده.
كما ورد في رواية من حياة القلوب (ج1، ص271) أنّ السيول لم تصل إلى الكعبة، وهو ما يدلّ بوضوح على أنّ الطوفان كان إقليميًا وليس عالميًا.

رحمة الله والإمهال الإلهي

من أجمل الدروس في قصة نوح عليه السلام هي الرحمة الواسعة التي أظهرها الله لقوم نوح.
لقد منحهم الله 950 سنة من الإمهال، وفي الآيات 10–12 من سورة نوح وعدهم بثمار وفيرة إذا آمنوا، حيث يقول الله تعالى:
﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾
وكان نبي الله نوح عليه السلام رحيمًا جدًا بقومه حتى أنّه أُطلق عليه اسم «نوح» بمعنى الكثير البكاء، لأنه كان يجهد في هدايتهم ويبكي على مصيرهم.

وتعلّمنا هذه القصة دروسًا عميقة في العدل والرحمة والحكمة الإلهية، وتُظهِر أنّ الله لا يظلم أحدًا أبدًا، ويمنح دائمًا فرصًا كافية للتوبة والعودة إلى الطريق المستقيم.

للمشاركة:

روابط ذات صلة

مالفرق بين معرفة الله الفطرية وبين معرفة الله العرفانية الكشفية الشهودية؟
السؤال: ورد في رواية منقولة عن امير المؤمنين عليه السلام قال (ع): "قُلتُ: اللّهُمَّ لا تُحوِجني إلى أحَدٍ مِن خَلقِكَ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ (ص): يا عَلِيُّ لا تَقولَنَّ هكَذا، فَلَيسَ مِن أحَدٍ إلّا وهُوَ مُحتاجٌ إلَى النّاسِ. فَقُلتُ: يا رَسولَ اللّهِ فَما أقولُ ؟ قالَ: قُل: اللّهُمَّ لا تُحوِجني إلى شِرارِ خَلقِكَ. قُلتُ: يا رَسولَ اللّهِ، ومَن شِرارُ خَلقِهِ ؟ قالَ: الَّذين إذا أعطَوا مَنّوا، وإذا مَنَعوا عابوا" ألا يعني هذا الخطأ من الامام أمير المؤمنين "عليه السلام" مخالف لعصمته وإمامته، فحسب ما ورد في الرواية ان الامام "ع" أخطأ في الدعاء وصحَّحَّ له الرسول (ص) وهل هذا منطقي ؟
كيف يمكن الرد على هذا الكلام من الإمام عليه السلام وهو العارف بالقران الكريم فهل يمكن أن يحتج على حقه في هداية الناس بهذه الطريقة وكذلك الكلام عن الإمام الصادق عليه السلام عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال : ( في قول الله عز وجل {و الشُعَراء يَتّبعهُم الغاوون} ، قال: هل رأيت شاعراً يتبعه أحد إنما هم قوم تفقهوا لغير الدين فضلوا وأضلوا ) عن الإمام الصادق (عليه السلام ) أنه قال : ( في قول الله عز وجل {و الشُعَراء يَتّبعهُم الغاوون} ، قال: قال : نزلت في الذين وضعوا بآرائهم فتبعهم الناس على ذلك .( وسائل الشيعة)كيف يمكن الرد على هذا الكلام من الإمام عليه السلام وهو العارف بالقران الكريم فهل يمكن أن يحتج على حقه في هداية الناس بهذه الطريقة وكذلك الكلام عن الإمام الصادق عليه السلام عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال : ( في قول الله عز وجل {و الشُعَراء يَتّبعهُم الغاوون} ، قال: هل رأيت شاعراً يتبعه أحد إنما هم قوم تفقهوا لغير الدين فضلوا وأضلوا ) عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال : (هم قوم تعلموا وتفقهوا بغير علم فضلوا وأضلوا كثيراً) (تأويل الآيات
ما النكتة في التعبير بالفوز الكبير ؟
السؤال: ما المقصود بـ ( وَطَوارِقِ الْحَدَثانِ ) في دعاء يوم الاحد ؟

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل