من محاور الدعوة إلى وحدة الأمة في مشروع الشهيد مرتضى مطهري

من محاور الدعوة إلى وحدة الأمة في مشروع الشهيد مرتضى مطهري

من محاور الدعوة إلى وحدة الأمة في مشروع الشهيد مرتضى مطهري

قضية تقارب المذاهب الإسلامية ووحدة الأمة تحتلّ مساحة كبيرة من نشاطات الشهيد مطهري الفكرية والدعوية والعملية. وهذه ظاهرة طبيعية في رجل يحمل همّ إحياء الأمة. باختصار نذكر أهم محاور خطاب مطهري في هذا المجال. المحول الأول: اهتمامه بخطاب الوحدة في القرآن الكريم، ويكرر في أحاديثه آيات من كتاب الله تؤكد على وحدة الصف الإسلامي مثل قوله سبحانه: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾، وقوله:﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾. وقوله: ﴿ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ وقوله: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ وقوله: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ .. ويذكر الآية الكريمة: ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ﴾ ويرى أن الدعوة في الآية إلى مطلق الخير، وأن أهم الخير الدعوة إلى الوحدة الإسلامية. الثاني: سرد سيرة النبي والإمام علي في المحافظة على وحدة الأمة، بشأن سيرة النبي(ص) يذكر اهتمام الرسول بعقد الأخوة بين المهاجرين والأنصار، حتى كانوا لأمد يتوارثون. ثم يطيل الحديث في سيرة أمير المؤمنين علي(ع) في هذا الإطار، ذلك لأن مخاطبيه عادة هم الشيعة، يريد بذلك أن يقول لهم إذا كنتم شيعة علي حقًا فعليكم أن تكونوا أكثر من غيركم اهتمامًا بوحدة الأمة، رادًا بذلك على الفئة التي تتخذ من الولاء لآل البيت مدخلاً للتفرقة بين المسلمين. وفي سيرة علي و(ع) يركز على موقفه من الخلفاء لحفظ وحدة الأمة، وتعامله بإخلاص معهم لصيانة الإسلام والمجتمع الإسلامي، من ذلك نصيحته للخليفة الثاني أن لا يخرج مع الجيش في فتح إيران خشية أن يسبب قتله في تجرّؤ العدوّ وفي تصعيد معنويات الجيش المعادي. ويشير أيضًا إلى موقف أبي سفيان الذي حرّض عليًا(ع) لأن يثور على بيعة أبي بكر متظاهرًا بأنه يؤمن بأحقية علي في الخلافة، وإلى موقف عليّ(ع) في رفض هذا الموقف بشكل حاسم، مؤكدًا اهتمامه بسلامة الإسلام. بعد ذلك يقول: «يبدو أن يد أمثال أبي سفيان لا تزال تعبث للتفرقة بين المسلمين متظاهرة بالولاء لآل البيت»!! ويحذّر من هذه الأيدي مؤكدًا ضرورة وضع سيرة علي(ع) نصب العين لدفع شرّ هؤلاء المفرقين. وفي كتابه سيرى در نهج البلاغة (فارسي) يركز على موقف علي(ع) من وحدة الأمة، وما قدمه على هذا الطريق من تضحيات. ولا بأس أن أنقل عنه عبارة تنبئ عن مواجهة في عصره بين التقريبيين والمفرقين يقول: «علي أصبح فداء للوحدة الإسلامية، أي شخص كان بِقَدَر علي في احترام الوحدة؟ الآخرون كانوا يقطعون وهو كان يوصل. (من المؤسف) أن رجلاً اليوم يصعد المنبر ليقول: «كنت بحمد الله منذ بداية حياتي معارضًا للوحدة الإسلامية> لا كثّر من أمثالك في هذا المجتمع يا رجل!! ألم تسمع قوله تعالى …» ثم يذكر الآيات الداعية إلى الوحدة ونبذ الاختلاف. الثالث: محور بيان طبيعة الدعوة الإسلامية، وهو ما يؤكد عليه الأستاذ الشهيد في كتاباته ومحاضراته بسبب شيوع الخطاب القومي والطائفي في عصره، فيفصّل القول في عالمية الإسلام، ويعرض موقف القرآن والسيرة من الأطر القومية والعشائرية وأي إطار آخر يفصل بين المسلمين. يستعرض الخطاب الغربي الموجّه إلى الإيرانيين بشأن الدين الإسلامي.. زاعمًا أنه دين غريب على الإيرانيين ولا يرتبط بهم لا قوميًا ولا لغويًا ولا ثقافيًا!! ويردّ على ذلك في كثير من كتبه مؤكدًا على عالمية الدعوة الإسلامية وأسسها الإنسانية، ومشيرًا إلى أن المسيحية التي يعتنقها الغرب هي دعوة انبثقت من أرض فلسطين فهل يمكن اعتبارها غريبة عليهم؟! ثم يستعرض الأسس التي يقوم عليها الإسلام في تقويم الإنسان من القرآن: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ ومن السنة: «يا معشر قريش إن حَسَب الرجل دينه ومروءته خُلُقه، وأصله عقله» و «ألا إن العربية ليست بأبٍ والدٍ ولكنها لسان ناطق، فمن قَصّر به عمله لم يبلغ به حَسَبُه». الرابع: الحج ووحدة المسلمين خصص الأستاذ الشهيد كتابًا للحديث عن الحج وكله يدور حول دور الحج في ترسيخ وحدة المسلمين، والمعاني التي تنطوي عليها مناسك الحج من توحيد للصفوف وتأليف للقلوب وإزالة للفوارق القومية والمذهبية والطبقية. ويرى أن سنّة الرسول(ص) تقتضي تكريس كل شيء في الحج واستثمار هذا الموسم على طريق وحدة المسلمين، واستشعار روح الأخوة بينهم. إذ إن رسول الله(ص) قد استثمر هذا الموسم ليعلن قائلاً: «أيها الناس إنّ ربكم واحد وأباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب. إن اكرمكم عندالله أتقاكم. وليس لعربيّ على عجمي فضل إلا بالتقوى» (تحف العقول/ 34). ويذكر عن علي(ع) قوله عن الحج: «جعله سبحانه وتعالى للإسلام عَلَمًا» (نهج البلاغة/ الخطبة1). ويذكر معنى العَلَم بأنه الراية التي يجتمع حولها المدافعون عن حياض الأمة، وهي ترمز إلى حياة الجماعة وبقائها وقدرتها ومقاومتها. والعكس من ذلك إذا انتكست الراية فإنها تدل على السقوط والاندحار. وينقل عن الإمام الصادق قوله عن الحج أيضًا: «فجعل فيهم الاجتماع من الشرق والغرب ليتعارفوا». و«يشرح المناسك واحدًا واحدًا مبينًا أنها جميعًا تنطوي على معنى ترسيخ مفهوم الجماعة والأمة الواحدة في الإسلام». السادس: رفض مقولة «إما أن تقبل كل ما عندي أو ترفض كل ما عندي». هذه هي عبارة الأستاذ الشهيد، وهي تعبير آخر عن مقولة: لنتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه. ينقل رأي المعارضين لوحدة المسلمين حيث يقولون إن الوحدة تعني التنازل عن المعتقدات، وهم بذلك يخلطون بين توحيد المذاهب ووحدة الأمة في الإطار الإسلامي. ويوضّح أن الوحدة تعني التعاون في حقل المشتركات وهي كثيرة للغاية، ويبقى كل مذهب محتفظًا بآرائه الخاصة. ويورد أمثلة من سيرة علي وآل عليّ، فهم وإن كانوا يحملون رؤيتهم الخاصة، غير أن ذلك لم يمنعهم من أن يقولوا: «والله لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة» (نهج البلاغة/ 72). ويذكر لعليّ(ع) أيضًا قوله: «من استحكمت لي فيه خصلة من خصال الخير احتملته عليها واغتفرت ما سواها ولا أغتفر فقدَ عقل ولادين». حاول الأستاذ الشهيد في مشروعه الفكري أن يرسّخ فكرة وحدة النفوس الإنسانية الإلهية ويدعو دائمًا إلى تبديل «أنا» إلى «نحن» ويرى أن هذا التبديل هو واحد من أهداف المصلحين الكبار عبر التاريخ. ويغوص في بحار التاريخ والأدب ليستخرج منها ما يؤيد كلامه ويجعله مؤثرًا في النفوس. يستشهد في هذا الموضوع بمولانا جلال الدين الرومي الذي يقوم عرفانه على أساس توحيد النفوس وإزالة ما يمنع التقاءها على الحبّ والوداد. من ذلك قوله: جان گرگان وسگان از هم جداست                                متحد جانهاي شيران خداســــت أي: إن نفوس الذئاب والكلاب متفرّقه/ بينما تتحد أرواح أسود الله. همچو آن يك نور خورشيد سما                                صد بود نسبت به صحن خانه‌ها أي: مثل نور الشمس الواحدة في السماء/ تصبح مائة عندما تتفرق في صحن البيوت ليـــك يك باشد همه أنوارشــان                            چون كه برگيري تو ديوار از ميان لكنّ أنوار (هذه البيوت) تصبح واحدة/ عندما تزيل الجدران بينها. السابع ـ العواطف الإنسانية والوحدة:  يرى الأستاذ الشهيد أن الإنسان بذاته يتجه إلى النزعة الفردية، وهذه النزعة الفردية تصطدم عادة بالنزعات الفردية للآخرين، ويحدث الصراع بين الأفراد. غير أن ثمة عوامل أخرى قد تأتي وتغطّي على هذا الصراع، وهذه العوامل إما أن تكون «مصلحية» أو «رسالية». العوامل المصلحية تجمع الفرقاء في تعاون تجاري أو اقتصادي فيرى كل واحد من الشركاء أن مصلحته مرتبطة بمصلحة غيره من الشركاء، عندئذ يتعاونون في إطار تحقيق هذه المصلحة، وهذا يمكن أن نطلق عليه اسم «تعاون» لا «تآلف». التآلف يأتي من اجتماع الناس على مصلحة رسالية مثل مصلحة الوطن والقوم، غير أن التاريخ لم يشهد مصلحة رسالية تجمع الأفراد وتؤلف بين قلوبهم كالمشروع الديني. ثم يذكر الأستاذ الشهيد أمثلة من تآلف المسلمين في ظل الرسالة الإسلامية في عصرها الأول، وينقل نصوصًا من سيرة الصحابة ومن سيرة الإمام علي تبين قدرة الدين على رفع مستوى هموم الناس إلى حمل هموم الأمة حتى بلغ بالإمام علي(ع) إلى أن يقول: «أو أبيت مبطانًا وحولي بطون غرثى وأكباد حرّى أو أكون كما قال القائل: وحسبك داء أن تعيش ببطنة        وحولك أكباد تحنّ إلى القــدّ (نهج البلاغة، الرسالة 45). وتأكيد القرآن على هذه الألفة بين القلوب تبينها آيات متعدّدة وتبين أهميتها كقوله سبحانه: ﴿ وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا..﴾ وقوله: ﴿ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾. الثامن :  الوحدة والحياة: في هذا المحور يتجه الأستاذ الشهيد نحو فهم حضاري للوحدة، فهو يرى أن الإسلام مهمته الإحياء: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إذا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾. ويرى أن طبيعة الجسم الحي أن يكون متواصلاً متواسيًا مرتبطًا ارتباطًا عضويًا. وفي ذلك يقول الرسول(ص): «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». (الجامع الصغير 2/155). يقول في كتابه: احياي تفكر إسلامي (فارسي): «إحدى علامات الحياة في المجتمع أن يقوى التضامن بين أفراده، خصائص الموت أن تتلاشى الأعضاء وتتفرق وتنفصل عن بعضها، وخاصية الحياة في المجتمع التضامن والاتحاد بين أكثر أعضائه وجوارحه. وهل المجتمع الإسلامي اليوم مجتمع حيّ أم ميت؟ بسبب ما نراه بين المسلمين اليوم من نزاعات، وما ينشغلون به من حروب وصراعات داخلية، وما يوفرونه للعدوّ من فرص للسيطرة على مقدراتهم. فهم أموات»!!. التاسع: العشق والوحدة: العشق بغضّ النظر عن نوعه أهو غريزي أم روحي يُخرج الإنسان من دائرة ذاتياته. الذاتية سجن وحصار، وعشق الغير يكسر هذا الحصار. الإنسان القابع في ذاته الذي لا يحمل مشاعر حبّ لغيره إنما هو إنسان جبان نحيل متكبر قاسي القلب مغرور ليس في روحه أية إضاءة ولمعان. وإذا دخل العشق يغيّر جوهر الإنسان ويجعله فردًا رقيقًا ذكيًا وثّابًا، كما يقول المولوي: أز محبت تلخها شيرين شود     از محبت مسها زرين شــود أي: من المحبّة يصبح كل مرّ حلوًا/ ومن المحبّة يصبح النحاس ذهبًا. ومن هذه النظرة ينطلق الأستاذ الشهيد في فهم العلاقة بين الرجل والمرأة، فهي ليست علاقة شهوية محضة، إذ إن هذه العلاقة تكرّس الذاتية، بل هي اسمى من ذلك فهي علاقة ودّ ورحمة وسَكَن كما يقول سبحانه: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾  . ويخلص الاستاذ الشهيد من هذا المحور أنّ هبوط عاطفة الحبّ والودّ في النفوس عامل تمزيق وتفتيت، بينما الحبّ يلين القلوب ويصقل العواطف ويهذّب الطباع ويجمع المتفرقين. المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية الشؤون الدولية

اقرأ المزيد على الرابط : https://taqrib.ir/ar/news/من-محاور-الدعوة-إلى-وحدة-الأمة-في-مشروع-الشهيد-مرتضى-مطهري

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل