السؤال: لماذا يترتب على الذنب المحدود عقاب أبدي؟

الجواب: الكلام حول خلود الجنة والنار، قبل أن يكون مسألة كلامية، هو محاولة لفهم العلاقة العميقة بين اختيار الإنسان الواعي ونتائج هذا الاختيار الطبيعية والدائمة في النظام الإلهي الحكيم.

قد يثير خلود الجنة والنار بعض التساؤلات، إذ يبدو للبعض أن ذلك لا يتناسب مع الأعمال المحدودة للإنسان في هذه الدنيا.

وقد كان هذا السؤال مطروحاً منذ القدم في المناقشات الكلامية، وحتى في زمن الإمام الباقر عليه السلام كان يتم النقاش حوله.

في الواقع، جوهر المسألة ليس في وجود الجنة والنار، بل في السؤال الرئيسي حول خلودهما.

القرآن الكريم صرح في آيات متعددة بخلود الجنة والنار. على سبيل المثال، ذكر الجنة بـ “جنة الخلد” واعتبرها جزاءً ونهائياً للمتقين (الفرقان/25). كما أكد أن المؤمنين الصالحين سيدخلون جنات تكون دائمة لهم.

وتشير أحاديث النبي صلى الله عليه وآله بوضوح إلى الجنة الخالدة، ويقتضي العدل الإلهي أن الذين قضوا حياتهم في الإيمان والطاعة لا يتعرضوا للتاهٍ أو العذاب.

أما بالنسبة للنار، فقد ذكر القرآن بعبارات صريحة ديمومة بعض الناس فيها، مثل قوله: خالِدینَ فیها أَبَداً لا یجِدُونَ وَلِیا وَ لا نَصیراً (الأعراف/65).

ويخص هذا الخلود أولئك الذين اختاروا عن وعي الكفر والعناد والظلم. كما يؤكد القرآن أن نار جهنم لن تنطفئ، وأن أهل النار هم سبب اشتعالها، أي أن العذاب هو نتيجة مباشرة لأفعالهم: فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِی وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلحِجَارَةُ أُعِدَّتۡ لِلکافِرِین (البقرة/24).

النقطة الأساسية هنا أن جزاء وعقاب الآخرة ليس اتفاقاً بشرياً كقوانين الدنيا، بل هو علاقة تكوينية وطبيعية مرتبطة بفعل الإنسان.

لتوضيح هذا، يمكن الاستعانة بمثال دنيوي: أحياناً يتعرض الإنسان نتيجة خطأ صغير أو لحظة غفلة لعواقب كبيرة ودائمة، مثل سائق يتسبب في حادث يؤدي إلى إصابة دائمة له أو للآخرين. لا يقول أحد أن كون الخطأ لحظياً يعني أن أثره سيكون قصيراً، فالعاقبة هي نتيجة طبيعية للعمل نفسه.

بنفس المنطق، أعمال الإنسان في الدنيا هي بذور تتجلى آثارها في الآخرة. كما أن زرع الشوك يؤدي إلى شوك، كذلك الذنب والمعصية الواعية للحق لهما نتائج لا تنفصل عن الفعل نفسه. لذا، قصر مدة العمل لا يعني قصر أثره.

من جهة أخرى، العقل يقتضي أن يكون للمؤمنين الصالحين والظالمين عاقبة مختلفة. إذا لم يُقبل خلود النار لبعض الفئة، فهذا يعني أن من قضى عمره في الإيمان والتقوى سيكون في موقع واحد مع من اختاروا الفساد والكفر، وهو ما لا يتوافق مع العدل الإلهي.

لذلك، الفصل الأبدي بين هذين الفريقين ضرورة لحكمة وعدل الله.

ومع ذلك، يجب ملاحظة أن جميع الذين يدخلون النار لن يبقوا فيها للأبد. حسب الآيات والأحاديث، هناك من سينال رحمة الله بعد فترة يحددها الله وحده، بينما سيبقى البعض الآخر فيها خالدين بسبب اختيارهم الواعي ومسار حياتهم.

المصدر: موقع راسخون

*ترجمة مركز الإسلام الأصيل

للمشاركة:

روابط ذات صلة

السؤال/ سبب خروج الإمام الحسين عليه السلام؟
السؤال: لماذا تُمطر بلاد الكفّار بغزارة، بينما بلاد المسلمين تعاني الجفاف
السلام عليكم : اريد ان استفسر عن حادثة الدار ، هل كان الامام علي في الدار و لماذا السيدة الزهراء هي من فتحت الباب ؟
السؤال: سؤالي فيما يخص النبي موسى عليه السلام كيف اخطأ في اختيار اصحابه وهو معصوم ؟
السؤال: نلتقي أحيانًا بأشخاص يقومون بالكثير من أعمال الخير؛ يبنون المستشفيات، يشيّدون المدارس، يساعدون المحتاجين، ثم يقولون: «أنا أؤمن بالله وحده، ولا أؤمن بالنبي ولا بأهل البيت.» بل وربما يقول بعضهم: «أنا أصلًا لا أؤمن بالدين، وكل ما أفعله بدافع الإنسانيّة فقط.» ويُطرح هنا السؤال: هل يكون مصير مثل هذا الإنسان حسنًا في النهاية؟

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل