إجابة مختصرة على أربعة أسئلة مهمة من حياة الإمام الجواد عليه السلام

لماذا يُعَدّ الإمام محمد الجواد (عليه السلام) المولود الأكثر بركة؟

وقعَت ولادةُ الإمام الجواد (عليه السلام) في مرحلةٍ حسّاسة واجه فيها الشيعةُ تحدّياتٍ كبرى. فقد بلغ الإمامُ الرضا (عليه السلام) سبعًا وأربعين سنةً من عمره من دون أن يُرزق ولدًا ذكرًا، فاستغلّت فرقة الواقفيّة هذا الأمر للطعن في إمامته.

وبولادة الإمام الجواد (عليه السلام)، لم تُثبَّت إمامةُ الإمام الرضا (عليه السلام) فحسب، بل نجا الشيعةُ أيضًا من الحيرة والاضطراب.

ثم جاءت شهادةُ الإمام الرضا (عليه السلام) في وقتٍ كان فيه الإمام الجواد (عليه السلام) لا يتجاوز الثامنة من عمره، فشكّلت ابتلاءً آخر للشيعة.

غير أنّ هذا الحدث ذاته كشف حقيقةً مهمّة، وهي أنّ الإمامة موهبةٌ إلهيّة وليست مقامًا اكتسابيًّا، فقد دلّ علمُ الإمام الجواد (عليه السلام) ومعرفته في تلك السنّ المبكّرة الناسَ على أنّ الإمام يُصبِح إمامًا بعلمٍ موهوب من الله، تمامًا كما نال النبيّان يحيى وعيسى (عليهما السلام) النبوّة في سنّ الطفولة.

ومن بركات هذه الولادة أيضًا وضعُ حدٍّ للخلافات العائليّة والانحرافات التي صدرت عن بعض أقرباء الإمام الثامن (عليه السلام).

كذلك كانت الأجوبةُ المحكمة والبركاتُ العلميّة للإمام الجواد (عليه السلام) سببًا في الهداية والإرشاد؛ ولذلك فإنّ التوسّل به (عليه السلام) في دفع الهموم وقضاء الحاجات أمر مجرَّبٌ كثيرا.

كيف يمكن تعقّل إمامة الإمام الجواد (عليه السلام) وهو في سنّ الطفولة؟

إنّ الإمامة لا ترتبط بالسنّ، وإنّما تقوم على العلم والعصمة الإلهيّة. وقد تجلّى ذلك في الإمام الجواد (عليه السلام)، إذ إنّه، على صغر سنّه، أدهش علماء عصره بمناظراته العلميّة.

فعندما طرح يحيى بن أكثم، قاضي قضاة المأمون، على الإمام مسألةً دينيّة معقّدة، لم يكتفِ الإمام بالجواب عنها، بل عمد إلى تقسيم السؤال إلى أربعين وجهًا، وشرح كلّ وجهٍ منها تفصيلاً. وقد جرت هذه الواقعة بحضور المأمون وكبار رجال البلاط، فكانت شاهدًا عيانيًّا على سعة علم الإمام في طفولته.

وهذه الحقيقة لا تختصّ بالإمام الجواد (عليه السلام) وحده، بل إنّ القرآن الكريم يؤكّدها صراحةً.

ففي شأن النبيّ يحيى (عليه السلام) يقول تعالى: «يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» (مريم: 12)، وفي شأن النبيّ يوسف (عليه السلام) يقول سبحانه: «وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا» (يوسف: 22)، وفي شأن النبيّ موسى (عليه السلام) يقول تعالى: «بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً» (الأحقاف: 15).

وتُظهر هذه الآيات أنّ السنّة الإلهيّة في منح النبوّة والإمامة واحدة في الأصل، ولكن قد تختلف في الزمان؛ فقد تكون في الطفولة، وقد تكون في الشباب، وقد تكون في الكهولة.

وقد استند الإمام الجواد (عليه السلام) نفسه إلى هذا الاستدلال القرآني. يروي عليّ بن أسباط أنّه قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام وقد خرج علي فأخذت النظر إليه وجعلت أنظر إلى رأسه ورجليه، لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فبينا أنا كذلك حتى قعد، فقال: يا علي إن الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النبوة فقال، ثم تلا هذه الآيات، ثم قال عليه السلام: فقد يجوز أن يؤتى الحكمة وهو صبي ويجوز أن يؤتاها وهو ابن أربعين سنة. (الكافي ج1  ص384).

وفي روايةٍ أخرى، لمّا قال عليّ بن حسّان للإمام: يا سيدي إن الناس ينكرون عليك حداثة سنك، فقال عليه السلام: وما ينكرون من ذلك قول الله عز وجل؟ لقد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله: ” قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني (4) ” فوالله ما تبعه إلا علي عليه السلام وله تسع سنين وأنا ابن تسع سنين. (نفس المصدر)

ما سببُ زواجِ الإمام الجواد (عليه السلام) بابنةِ المأمون؟ وهل رُزِق من أُمّ الفضل بولد؟

توجد في سُنّة المعصومين (عليهم السلام) قضايا قد يصعب إدراك حكمتها لأول وهلة، ومن ذلك ما ورد في قصّة قتل الغلام على يد الخَضِر، الأمر الذي بدا لموسى (عليه السلام) مستغرِبًا، ثم انكشفت فيما بعد حكمتُه الإلهيّة.

وكذلك الحال في زواج الإمام الجواد (عليه السلام) بأُمّ الفضل بنت المأمون؛ فإنّ هذه الواقعة تندرج ضمن هذا النمط من الوقائع. فالمأمون، الذي كان قد تسبّب في قتل الإمام الرضا (عليه السلام)، لم يُقدِم على هذا الزواج إلا لغرضٍ سياسيّ، تمثّل في مراقبة الإمام الجواد عن طريق ابنته، واسترضاء العلويّين، وخداع الرأي العام.

غير أنّ الإمام الجواد (عليه السلام)، بحكمته وبصيرته، أفشل جميع مخطّطات المأمون، ولم يُتح له الوصول إلى أيٍّ من أهدافه. فقبول الإمام بهذا الزواج كان تکليفًا إلهيًّا خاصا، ولأجل النفوذ إلى مركز السلطة وصيانة الشيعة من السياسات المعادية للدين التي كانت تتّبعها الحكومة.

روى الحسين المكاري، قال: دخلتُ على أبي جعفر عليه السلام ببغداد وهو على ما كان من أمره، فقلتُ فينفسي: هذا الرجل لا يرجع إلى موطنه أبداً، وأنا أعرف مطعمه، قال: فأطرق رأسه ثمّ رفعه، وقد اصفرّ لونه، فقال: يا حسين، خبز شعير وملح جريش في حرم جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أحبّ إليّ مما تراني فيه. (الخرائج والجرائح ج1 ص383).

ويُظهر هذا القول أنّ بقاء الإمام في بغداد وموافقته على هذا الزواج لم يكن إلا لأداء التكليف الإلهي وخدمة الدين.

ويُضاف إلى ذلك كله أنّ الإمام الجواد (عليه السلام) لم يُرزق من أُمّ الفضل ولدًا.

فترة المِحنة في زمن الإمام الجواد (عليه السلام)؛ واقعة أودت بحياة آلاف المسلمين

كان الإمام الجواد عليه السلام يتولّى مسؤولية هداية وقيادة الشيعة في واحدة من أشدّ وأظلم فترات تاريخ الإسلام، وذلك من سنة 203 إلى سنة 220 للهجرة.

في هذه الفترة قامت فتنة كبرى بين المسلمين بسبب الخلاف حول قضية “خلق القرآن”، حيث أقام الخلفاء العبّاسيّون ما يسمى بـ”محاكم تفتيش العقائد“، وكانوا يسألون الناس في الطرقات: «هل القرآن حادث أم قديم؟»

وكانوا يُعدِمون من لا يقدّم الجواب المطلوب، ويأسرون عائلاتهم. وفي هذه الفاجعة، استُشهِد آلاف المسلمين باسم “تفتيش العقيدة”.

وبالتزامن مع ذلك، فُرض ضغط اقتصادي واجتماعي شديد على الشيعة، فأصدر الإمام عليه السلام تخفيفا عن الشيعة فيما يخص مقدار الخمس.(1)

وكان الوضع بالغ الصعوبة، حتى إنّ النساء السيّدات لم يكنّ يمتلكن حتى ثوبا واحدًا للصلاة، فكنّ يتداولنه فيما بينهنّ.

وفي ظلّ هذه الظروف القاسية، تحمّل الإمام الجواد عليه السلام، بالصبر والثبات، عبءَ الإمامة وزعامة العالم الإسلامي، وحفظ الشيعة بالحكمة وبعد النظر من الانحراف والهلاك.

ترجمة مركز الإسلام الأصيل


(1) ورد في رسالة الجواد عليه السلام إلى شيعته: ولم اُوجب عليهم ذلك في كلّ عام ، ولا اُوجب عليهم إلاّ الزكاة التي فرضها الله عليهم ، وإنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضّة التي قد حال عليهما الحول ، ولم اُوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ولا ضيعة إلاّ في ضيعة ساُفسِّر لك أمرها ، تخفيفاً منِّي عن مواليّ ، ومنّاً منِّي عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم ولما ينوبهم في ذاتهم… (وسائل الشيعة ج6 ص349).

للمشاركة:

روابط ذات صلة

السؤال: لماذا يترتب على الذنب المحدود عقاب أبدي؟
السؤال: لماذا خلقني الله؟ أنا لم أُرِد أن أُخلَق فلماذا أوجدني؟ ألكي أُذنب في النهاية ثم أُلقى في جهنّم؟
ما النكتة في التعبير بالفوز الكبير ؟
السؤال: ما هي الأدلّة النّقليّة (قرآن ورواية) على انتفاع الأموات بعمل الأحياء، مع اعتقادي بعدم وجود مانع عقليّ لتوصيل النّفع من الحيّ للميّت، وهل يمكن لأيّ إنسان أن يستأجر إنساناً آخر للقيام بعبادات من أجل الميّت أم لا بدّ من كون الحيّ إبناً للميّت؟
السؤال: لماذا خلق الله إبليس؟

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل