في حول الأسرة /
العلاقات الأسرية لها دور كبير في توثيق بناء الأسرة وتقوية التماسك بين أعضائها ولها تأثيراتها على نمو الطفل وتربيته ، وايصاله إلى مرحلة التكامل والاستقلال .
والأجواء الفكرية والنفسية والعاطفية التي تخلقها الأسرة للطفل تمنحه القدرة على التكيف الجدي مع نفسه ومع أسرته ومع المجتمع ، ومن هذا المنطلق فان الأسرة بحاجة إلى منهج تربوي ينظم مسيرتها ، فيوزع الادوار والواجبات ويحدد الاختصاصات للمحافظة على تماسكها المؤثر في انطلاقة الطفل التربوية .
وتتحدد معالم المنهج التربوي بما يلي :
أولا : الاتفاق على منهج مشترك
للمنهج المتبنى في الحياة تأثير على السلوك ، فهو الذي يجعل الايمان والشعور الباطني به حركة سلوكية في الواقع ويحول هذه الحركة إلى عادة ثابتة ، فتبقى فيه الحركة السلوكية متفاعلة مع ما يحدد لها من تعاليم وبرامج ، ووحدة المنهج تؤدي إلى وحدة السلوك ، فالمنهج الواحد هو المعيار والميزان الذي يوزن فيه السلوك من حيث الابتعاد أو الاقتراب من التعاليم والبرامج الموضوعة ، فيجب على الوالدين الاتفاق على منهج واحد مشترك يحدد لهما العلاقات والأدوار والواجبات في مختلف الجوانب ، والمنهج الاسلامي بقواعده الثابتة من أفضل المناهج التي يجب تبنيها في الأسرة المسلمة ، فهو منهج رباني موضوع من قبل الله تعالى المهيمن على الحياة بأسرها والمحيط بكل دقائق الأمور وتعقيدات الحياة ، وهو منهج منسجم مع الفطرة الإنسانية لا لبس فيه ولا غموض ولا تعقيد ولا تكليف بما لا يطاق ، وهو موضع قبول من الإنسان المسلم والأسرة المسلمة ، فجميع التوجيهات والقواعد السلوكية تستمد قوتها وفاعليتها من الله تعالى ، وهذه الخاصية تدفع الأسرة إلى الاقتناع باتباع هذا المنهج وتقرير مبادئه في داخلها ، فلا مجال للنقاش في خطئه أو محدوديته أو عدم القدرة على تنفيذه ، فهو الكفيل بتحقيق السعادة الأسرية التي تساعد على تربية الطفل تربية صالحة وسليمة ، وإذا حدث خلل في العلاقات أو تقصير في أداء بعض الادوار ، فان تعاليم المنهج الاسلامي تتدخل لانهائه وتجاوزه .
والمنهج الاسلامي وضع قواعد كلية في التعامل والعلاقات والأدوار والسلوك ، اما القواعد الفرعية أو تفاصيل القواعد الكلية ومصاديقها فإنها تتغير بتغير الظروف والعصور ، فيجب على الوالدين الاتفاق على تفاصيل التطبيق ، وعلى قواعد ومعايير ثابتة ومقبولة من كليهما ، سواء في العلاقات القائمة بينهما أو علاقاتهما مع الأطفال والأسلوب التربوي الذي يجب اتباعه معهم ، لان الاختلاف في طرق التعامل وفي أسلوب العلاقات يؤدي إلى عدم وضوح الضوابط والقواعد السلوكية للطفل ، فيحاول إرضاء الوالد تارة والوالدة تارة أخرى فيتبع سلوكين في آن واحد ، وهذا ما يؤدي إلى اضطرابه النفسي والعاطفي والسلوكي . ( فان الأطفال الذين يأتون من بيوت لا يتفق فيها الأب والام فيما يخص تربية أطفالهم يكونون أطفالا معضلين أكثر ممن عداهم ) ( 1 ) .
ثانيا : علاقات المودة
من واجبات الوالدين إشاعة الود والاستقرار والطمأنينة في داخل الأسرة ، قال تعالى : * ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة . . ) * ( 2 ) .
فالعلاقة بين الزوج والزوجة أو الوالدين علاقة مودة ورحمة وهذه العلاقة تكون سكنا للنفس وهدوءا للأعصاب وطمأنينة للروح وراحة للجسد ، وهي رابطة تؤدي إلى تماسك الأسرة وتقوية بنائها واستمرار كيانها الموحد ، والمودة والرحمة تؤدي إلى الاحترام المتبادل والتعاون الواقعي في حل جميع المشاكل والمعوقات الطارئة على الأسرة ، وهي ضرورية للتوازن الانفعالي عند الطفل ، يقول الدكتور سپوك : ( اطمئنان الطفل الشخصي والأساسي يحتاج دائما إلى تماسك العلاقة بين الوالدين ويحتاج إلى انسجام الاثنين في مواجهة مسؤوليات الحياة ) ( 3 ) .
ويجب على الزوجين إدامة المودة في علاقاتهما في جميع المراحل ، مرحلة ما قبل الولادة والمراحل اللاحقة لها ، والمودة فرض من الله تعالى فتكون ادامتها استجابة له تعالى وتقربا إليه ، وقد أوصى الإمام علي بن الحسين ( عليه السلام ) بها فقال : ” واما حق رعيتك بملك النكاح ، فان تعلم أن الله جعلها سكنا ومستراحا وأنسا وواقية ، وكذلك كل واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ، ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه ، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها ، وإن كان حقك عليها أغلظ وطاعتك بها ألزم فيما أحببت وكرهت ما لم تكن معصية ، فان لها حق الرحمة والمؤانسة وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لابد من قضائها وذلك عظيم . . ” ( 4 ) .
وقد ركز أهل البيت ( عليهم السلام ) على إدامة علاقات الحب والمودة داخل الأسرة ، وجاءت توصياتهم موجهة إلى كل من الرجل والمرأة .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي ” ( 5 ) .
وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) : ” رحم الله عبدا أحسن فيما بينه وبين زوجته ” ( 6 ) .
وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” من اتخذ زوجة فليكرمها ” ( 7 ) .
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” أوصاني جبرئيل ( عليه السلام ) بالمرأة حتى ظننت انه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة مبينة ” ( 8 ) .
فأقوال أهل البيت ( عليهم السلام ) وتوصياتهم في الإحسان إلى المرأة وتكريمها ، عامل مساعد من عوامل إدامة المودة والرحمة والحب .
وقد أوصى أهل البيت ( عليهم السلام ) المرأة بما يؤدي إلى إدامة المودة والرحمة والحب إن التزمت بها ، ومنها طاعة الزوج ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وأحصنت فرجها وأطاعت بعلها فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت ” ( 9 ) .
وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” ما استفاد امرؤ فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة ، تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله ” ( 10 ) . وشجع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الزوجة على اتباع الأسلوب الحسن في إدامة المودة والرحمة ، بالتأثير على قلب الزوج وإثارة عواطفه ( جاء رجل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : إن لي زوجة إذا دخلت تلقتني ، وإذا خرجت شيعتني ، وإذا رأتني مهموما قالت : ما يهمك ، ان كنت تهتم لرزقك فقد تكفل به غيرك ، وان كنت تهتم بأمر آخرتك فزادك الله هما ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” بشرها بالجنة وقل لها : إنك عاملة من عمال الله ولك في كل يوم أجر سبعين شهيدا ، – وفي رواية – ان لله عز وجل عمالا وهذه من عماله ، لها نصف أجر الشهيد ” ) ( 11 ) .
وقال الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) : ” جهاد المرأة حسن التبعل ” ( 12 ) .
ومن العوامل المساعدة على إدامة المودة والحب وكسب ود الزوج ، هي الانفتاح على الزوج واجابته إلى ما يريد ، قال الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) : ” خير نسائكم التي إذا خلت مع زوجها خلعت له درع الحياء وإذا لبست لبست معه درع الحياء ” ( 13 ) .
فهي منفتحة مع زوجها مع تقدير مكانته ، وبعبارة أخرى التوازن بين الاحترام وعدم التكلف .
وحدد الإمام علي بن الحسين ( عليه السلام ) العوامل التي تعمق المودة والرحمة والحب داخل الأسرة فقال : ” لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها ، وحسن خلقه معها ، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها ، وتوسعته عليها .
ولا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال ، وهي : صيانة نفسها عن كل دنس حتى يطمئن قلبه إلى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه وحياطته ليكون ذلك عاطفا عليها عند زلة تكون منها ، واظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه ” ( 14 ) .
وعلاقات المودة والرحمة والحب ضرورية في جميع مراحل الحياة ، وخصوصا في مرحلة الحمل والرضاعة ، لان الزوجة بحاجة إلى الاطمئنان والاستقرار العاطفي ، وان ذلك له تأثير على الجنين وعلى الطفل في مرحلة الرضاع كما سيأتي .
ثالثا : مراعاة الحقوق والواجبات
وضع المنهج الاسلامي حقوقا وواجبات على كل من الزوجين ، والمراعاة لها كفيل بإشاعة الاستقرار والطمأنينة في أجواء الأسرة ، فالتقيد من قبل الزوجين بالحقوق والواجبات الموضوعة لهم يساهم في تعميق الأواصر وتمتين العلاقات الودية وينفي كل أنواع المشاحنات والتوترات المحتملة ، والتي تؤثر سلبيا على جو الاستقرار الذي يحيط بالأسرة والمؤثر بدوره على التوازن الانفعالي للطفل .
ومن أهم حقوق الزوج هو حق القيمومة ، قال الله تعالى : * ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم . . ) * ( 15 ) .
فالواجب على الزوجة مراعاة هذا الحق لان الحياة الأسرية لا تسير بلا قيمومة ، والقيمومة للرجل منسجمة مع طبيعة الفوارق البدنية والعاطفية لكل من الزوجين ، وان تراعي هذه القيمومة في تعاملها مع الأطفال وتشعرهم بمقام والدهم .
وأهم الحقوق بعد حق القيمومة كما جواب في قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على سؤال امرأة عن حق الزوج على المرأة فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” أن تطيعه ولا تعصيه ، ولا تصدق من بيتها شيئا إلا باذنه ولا تصوم تطوعا إلا باذنه ، ولا تمنعه نفسها وان كانت على ظهر قتب ولا تخرج من بيتها إلا باذنه . . ” ( 16 ) .
ومن حقوق الزوج قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” حق الرجل على المرأة إنارة السراج واصلاح الطعام وان تستقبله عند باب بيتها فترحب به وان تقدم اليه الطشت والمنديل وان توضئه وان لا تمنعه نفسها إلا من علة ” ( 17 ) .
ولأهمية مراعاة هذا الحق قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” لا تؤدي المرأة حق الله عز وجل حتى تؤدي حق زوجها ” ( 18 ) .
ووضع المنهج الاسلامي حقوقا للزوجة يجب على الزوج مراعاتها ، قال الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) جوابا على سؤال إسحاق بن عمار عن حق المرأة على زوجها فقال ( عليه السلام ) : ” يشبع بطنها ويكسو جثتها وإن جهلت غفر لها ” ( 19 ) .
وأجاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على سؤال خولة بنت الأسود حول حق المرأة فقال : ” حقك عليه أن يطعمك مما يأكل ويكسوك مما يلبس ولا يلطم ولا يصيح في وجهك ” ( 20 ) .
ومن حقها مداراة الزوج لها وحسن صحبته لها ، قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في وصيته لمحمد بن الحنفية : ” إن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ، فدارها على كل حال وأحسن الصحبة لها فيصفو عيشك ” ( 21 ) .
ومن حق الزوجة وباقي أفراد العائلة هو اشباع حاجاتهم المادية ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله ” ( 22 ) .
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” ملعون ملعون من يضيع من يعول ” ( 23 ) .
وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” حق المرأة على زوجها أن يسد جوعتها وأن يستر عورتها ولا يقبح لها وجها فإذا فعل ذلك فقد أدى والله حقها ” ( 24 ) .
والالتزام بحقوق الزوج من قبل الزوجة وبحقوق الزوجة من قبل الزوج ضروري لإشاعة الاستقرار في أجواء الأسرة ، فيكون التفاعل ايجابيا ويدفع كلا الزوجين للعمل من أجل سعادة الأسرة وسعادة الأطفال ، واستقرار المرأة في مرحلة الحمل والرضاعة ومرحلة الطفولة المبكرة يؤثر في استقرار الطفل واطمئنانه ، والانطلاق في الحركة على ضوء ما مرسوم له من نصائح وارشادات وتوجيهات فينشأ مستقر الشخصية سوي في أفكاره وعواطفه وسلوكه .
رابعا : تجنب إثارة المشاكل والخلافات
المشاكل والخلافات في داخل الأسرة تخلق أجواء متوترة ومتشنجة تهدد استقرارها وتماسكها ، وقد تؤدي في أغلب الأحيان إلى انفصام العلاقة الزوجية وتهديم الأسرة ، وهي عامل قلق لجميع أفراد الأسرة بما فيها الأطفال ، حيث تؤدي الخلافات والأوضاع المتشنجة بين الوالدين إلى خلل في الثبات والتوازن العاطفي للطفل في جميع المراحل التي يعيشها ، بدءا بالأشهر الأولى من الحمل ، والسنين الأولى من الولادة والمراحل اللاحقة بها .
والأجواء المتوترة تترك آثارها على شخصية الطفل المستقبلية ، و ( إن الاضطرابات السلوكية والأمراض النفسية التي تصيب الطفل في حداثته والرجل في مستقبله ، تكون نتيجة المعاملة الخاطئة للأبوين كالاحتكاكات الزوجية التي تخلق الجو العائلي المتوتر الذي يسلب الطفل الامن النفسي ) ( 25 ) .
ويقول العالم جيرارد فوجان : ( والام التي لا تجد التقدير الكافي كإنسانة وأم وزوجة في المنزل لا تستطيع ان تعطي الشعور بالأمن ) ( 26 ) .
فالشعور بالأمن والاستقرار من أهم العوامل في بناء شخصية الطفل بناء سويا متزنا ، وهذا الشعور ينتفي في حالة استمرار الخلافات والعلاقات المتشنجة ، والطفل في حالة مثل هذه يكون مترددا حيرانا لا يدري ماذا يفعل ، فهو لا يستطيع إيقاف النزاع والخصام وخصوصا إذا كان مصحوبا بالشدة ، ولا يستطيع ان يقف مع أحد والديه دون الآخر ، إضافة إلى محاولات كل من الوالدين بتقريب الطفل اليهما باثبات حقه واتهام المقابل بإثارة المشاكل والخلافات ، وكل ذلك يترك بصماته الداكنة على قلب الطفل وعقله وارادته .
يقول الدكتور سپوك : ( إن العيادات النفسية تشهد آلاف الحالات من الأبناء الذين نشأوا وسط ظروف عائلية مليئة بالخلاف الشديد ، ان هؤلاء الأبناء يشعرون في الكبر بأنهم ليسوا كبقية البشر ، وتنعدم فيهم الثقة بالنفس ، فيخافون من إقامة علاقات عاطفية سليمة ويتذكرون ان معنى تكوين أسرة هو الوجود في بيت يختلفون فيه مع طرف آخر ويتبادلون معه الإهانات ) ( 27 ) . ويختلف نوع التشنجات والخلافات من أسرة إلى أخرى ، ويختلف أسلوب التعبير عن التشنجات من أسرة إلى أخرى ، فقد يكون التعبير بالألفاظ الخشنة البذيئة والإهانات المستمرة ، وقد يكون بالضرب واستخدام العقاب البدني ، ويلتقط الأطفال الممارسات التي تحدث أثناء الخلافات فتنعكس على سلوكهم الآني والمستقبلي ، فنجد في كثير من العوائل أن الابن يهين الام أو يضربها ، أو يستخدم نفس الأسلوب مع زوجته حين الكبر .
ومن أجل الوقاية من الخلافات والتشنجات بين الزوجين ، أو التقليل من تأثيراتها النفسية والعاطفية أو تحجيمها وانهائها ، فقد وضع الاسلام منهجا متكاملا إزاء الخلافات والتشنجات ، وقد مر في النقاط السابقة
التأكيد على تعميق المودة والرحمة داخل الأسرة ، ووضع برنامج للحقوق والواجبات بين الزوجين ، والأهم من ذلك وضع برنامج في أسلوب اختيار الزوج أو الزوجة كما سيأتي . والمنهج الاسلامي يبتني على أسلوب الحث والتشجيع على الوقاية من حدوث الخلافات أو معالجة مقدماتها أو معالجتها بعد الحدوث ، وعلى أسلوب الردع والذم للممارسات الخلافية أو التي تؤدي إلى الخلافات .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” خير الرجال من أمتي الذين لا يتطاولون على أهليهم ويحنون عليهم ولا يظلمونهم ” ( 28 ) .
وشجع الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) على تحمل الإساءة ، لان رد الإساءة بالإساءة يوسع دائرة الخلافات والتشنجات ، فقال ( عليه السلام ) : ” من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة أعتق الله رقبته من النار وأوجب له الجنة ” ( 29 ) .
وشجع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الرجل على الصبر على سوء أخلاق الزوجة فقال :
” من صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر ما أعطى أيوب على بلائه ” ( 30 ) .
والصبر على الإساءة من الزوجة أمر غير متعارف عليه لولا أنه من توجيهات رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فيكون محبوبا ومرغوبا من قبل الزوج المتدين وليس فيه أي إهانة لكرامته فيصبر عن رضا وقناعة .
والاقتداء برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في تعامله مع زوجاته يخفف الكثير من التشنجات ، وكذلك الاقتداء بسيرة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، قال الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) : ” كانت لأبي ( عليه السلام ) امرأة وكانت تؤذيه وكان يغفر لها ” ( 31 ) .
ونهى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن استخدام العنف مع الزوجة فقال : ” أي رجل لطم امرأته لطمة أمر الله عز وجل مالك خازن النيران فيلطمه على حر وجهه سبعين لطمة في نار جهنم ” ( 32 ) .
وشجع الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) على التفاهم لتجنب الخلافات الحادة فقال : ” خير نسائكم التي إن غضبت أو أغضبت قالت لزوجها : يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى ترضى عني ” ( 33 ) .
وعن الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) : ” وجهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته ” ( 34 ) .
ونهى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الزوجة عن الممارسات التي تؤدي إلى حدوث الخلافات فقال : ( من شر نسائكم الذليلة في أهلها ، العزيزة مع بعلها ، العقيم الحقود ، التي لا تتورع عن قبيح ، المتبرجة إذا غاب عنها زوجها ، الحصان معه إذا حضر ، التي لا تسمع قوله ، ولا تطيع أمره ، فإذا خلا بها تمنعت تمنع الصعبة عند ركوبها ولا تقبل له عذرا ولا تغفر له ذنبا ” ( 35 ) .
ونهى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الزوجة عن تكليف الزوج فوق طاقته فقال : ” أيما امرأة أدخلت على زوجها في أمر النفقة وكلفته مالا يطيق لا يقبل الله منها صرفا ولا عدلا إلا أن تتوب وترجع وتطلب منه طاقته ” ( 36 ) .
ونهى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن المن على الزوج فقال : ” لو أن جميع ما في الأرض من ذهب وفضة حملته المرأة إلى بيت زوجها ثم ضربت على رأس زوجها يوما من الأيام ، تقول : من أنت ؟ انما المال مالي ، حبط عملها ولو كانت من أعبد الناس ، إلا أن تتوب وترجع وتعتذر إلى زوجها ” ( 37 ) .
وحذر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من مواجهة الزوجة لزوجها بالكلام اللاذع المثير لاعصابه فقال : ” أيما امرأة آذت زوجها بلسانها لم يقبل منها صرفا ولا عدلا ولا حسنة من عملها حتى ترضيه . . ” ( 38 ) .
ونهى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن الهجران باعتباره مقدمة للانفصام وانقطاع العلاقات فقال : ” أيما امرأة هجرت زوجها وهي ظالمة حشرت يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون في الدرك الأسفل من النار إلا أن تتوب وترجع ” ( 39 ) . وهذه التوجيهات ان روعيت رعاية تامة فإنها كفيلة بالحد من التوترات والتشنجات ، وإذا لم يستطع الزوجان مراعاتها فالأفضل ان يكون النقاش الحاد والمتشنج بعيدا عن مسامع الأطفال ، وأن يكون تبادل النظرة السلبية ، وتبادل الاتهامات والإهانات بعيدا عن مسامعهم ، وأن يوضح للأطفال ان الخلافات شئ طبيعي ، وانهما لا زالا يحبان بعضهم البعض ، ويجب عليهما حسم الخلافات وانهائها في أسرع وقت .
خامسا : التحذير من الطلاق
حذر الاسلام من الطلاق وانهاء العلاقة الزوجية للآثار السلبية التي يتركها على الزوجين وعلى الأطفال وعلى المجتمع ، فالطلاق مصدر القلق عند الأطفال ومصدر للاضطراب النفسي والعاطفي والسلوكي ، حيث إن الطفل بحاجة إلى الحب والحنان من كلا الوالدين على حد سواء ، بل إن التفكير المجرد بالطلاق يولد القلق والاضطراب في أعماقه ، فيبقى في دوامة من المخاوف والاضطرابات التي تنعكس سلبيا على ثباته العاطفي وعلى شخصيته السوية ، وقد وضع الإسلام منهجا في العلاقات وإدامتها للحيلولة دون الوصول إلى قرار فصم العلاقات الزوجية ، وتهديم الأسرة ، فحذر من الطلاق في مواضع مختلفة ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” أوصاني جبرئيل ( عليه السلام ) بالمرأة حتى ظننت انه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة مبينة ” ( 40 ) .
وقال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ” ما من شئ مما أحله الله عز وجل أبغض اليه من الطلاق وان الله يبغض المطلاق الذواق ” ( 41 ) .
وقال ( عليه السلام ) : ” إن الله عز وجل يحب البيت الذي فيه العرس ، ويبغض البيت الذي فيه الطلاق ، وما من شئ أبغض إلى الله عز وجل من الطلاق ” ( 42 ) .
وحث الإسلام على اتخاذ التدابير الموضوعية للحيلولة دون وقوع الطلاق ، فدعا إلى توثيق روابط المودة والمحبة ، ودعا إلى حل المشاكل والخلافات التي تؤدي إلى الطلاق ، فأمر بالعشرة بالمعروف ، قال الله تعالى : * ( . . وعاشروهن بالمعروف فان كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) * ( 43 ) .
وحث على الاصلاح وإعادة التماسك الأسري ، قال الله تعالى : * ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير . . ) * ( 44 ) . فالصلح أولى من عدمه ، وبما ان القلوب تتقلب وان المشاعر تتغير من وقت لآخر ومن ظرف لآخر ، فإن الإسلام حث على إجراء مفاوضات الصلح قبل القرار بالانفصال ، قال تعالى : * ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا ) * ( 45 ) .
وإذا لم تنفع كل محاولات الاصلاح وإعادة العلاقات إلى مجاريها ، وإذا لم تتوقف التشنجات والتوترات إلا بالطلاق ، فقد يكون الطلاق سعادة لكلا الزوجين ، ولكنه يؤثر على نفسية الطفل ، وينعكس على سلوكه ، ولهذا منح الاسلام فرصة جديدة للعودة إلى الحياة الزوجية فأعطى للرجل حق العودة أثناء العدة دون عقد جديد ، وبعد العدة بعقد جديد وجعل للرجل حق العودة بعد الطلاق الأول والثاني ، فإذا لم تنجح محاولات إعادة العلاقة الزوجية ، وتم انفصالها ، يجب على الوالدين مراعاة مشاعر الطفل ومنحه الحنان والحب ، ويجب عليهما توفير كل الظروف التي تساعده على الايمان بسلامة أخلاق والده أو والدته ، حيث حرم الإسلام البهتان والغيبة وكشف المساوئ ، وبهذا الأسلوب يستطيع الطفل تحمل صدمة الطلاق ، اما إذا لم يتبع هذا الأسلوب وحاول كل من الوالدين كشف مساوئ الآخر أمام الطفل ، فان الطفل سوف يبغض الحياة ويحتقر نفسه ، وتنعكس على عواطفه اتجاه والديه فهو يحبهما ويبغضهما في آن واحد بعد اطلاعه على مساوئهما ، فيبقى يعيش في دوامة من القلق والاضطراب وتزداد همومه يوما بعد يوم وتنعكس سلبيا على علاقاته الاجتماعية ، وعلاقاته الأسرية في المستقبل .
ــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) علم النفس التربوي ، للدكتور فاخر عاقل : 111 – دار العلم للملايين 1985 ط 11 .
( 2 ) الروم 30 : 21 ، يراجع الميزان .
( 3 ) مشاكل الآباء في تربية الأبناء ، للدكتور سپوك : 44 – المؤسسة العربية للدراسة والنشر 1980 ط 3 .
( 4 ) تحف العقول ، للحراني : 188 – المكتبة الحيدرية – النجف 1380 ه ط 5 .
( 5 ) من لا يحضره الفقيه ، للصدوق 3 : 281 / 14 باب حق المرأة على الزوج .
( 6 ) من لا يحضره الفقيه ، للصدوق 3 : 281 – دار صعب – بيروت 1401 ه .
( 7 ) مستدرك الوسائل ، للنوري 2 : 550 – المكتبة الإسلامية طهران 1383 ه .
( 8 ) من لا يحضره الفقيه ، للصدوق 3 : 278 / 1 باب حق المرأة على الزوج .
( 9 ) مكارم الأخلاق ، للطبرسي : 201 – منشورات الشريف الرضي – قم 1410 ه ط 2 .
( 10 ) مكارم الأخلاق ، للطبرسي : 200 – منشورات الشريف الرضي – قم 1410 ه ط 2 .
( 11 ) مكارم الأخلاق : 200 .
( 12 ) من لا يحضره الفقيه 3 : 278 / 6 باب حق الزوج على المرأة .
( 13 ) الكافي ، للكليني 5 : 324 / 2 باب خير النساء ، كتاب النكاح – دار التعارف بيروت 1401 ه ط 3 .
( 14 ) تحف العقول : 239 .
( 15 ) النساء 4 : 34 .
( 16 ) من لا يحضره الفقيه 3 : 277 / 1 باب حق الزوج على المرأة .
( 17 ) مكارم الأخلاق 215 .
( 18 ) مكارم الأخلاق 215 .
( 19 ) من لا يحضره الفقيه 3 : 279 / 2 باب حق المرأة على الزوج .
( 20 ) مكارم الأخلاق 218 .
( 21 ) مكارم الأخلاق 218 .
( 22 ) عدة الداعي ، لأحمد بن فهد الحلي : 72 – مكتبة الوجداني قم .
( 23 ) عدة الداعي ، لأحمد بن فهد الحلي : 72 – مكتبة الوجداني قم .
( 24 ) عدة الداعي ، لأحمد بن فهد الحلي : 81 – مكتبة الوجداني قم .
( 25 ) أضواء على النفس البشرية ، للدكتور الزين عباس عمارة : 302 – دار الثقافة بيروت – 1407 ه ط 1 .
( 26 ) أضواء على النفس البشرية ، للدكتور الزين عباس عمارة : 302 – دار الثقافة بيروت – 1407 ه ط 1 .
( 27 ) مشاكل الآباء في تربية الأبناء : 45 .
( 28 ) مكارم الأخلاق 216 – 217 .
( 29 ) مكارم الأخلاق 216 .
( 30 ) مكارم الأخلاق 213 .
( 31 ) من لا يحضره الفقيه 3 : 279 / 4 باب حق المرأة على الزوج .
( 32 ) مستدرك الوسائل 2 : 550 .
( 33 ) مكارم الأخلاق 200 .
( 34 ) من لا يحضره الفقيه 3 : 277 / 4 باب حق الزوج على المرأة .
( 35 ) مكارم الأخلاق 202 .
( 36 ) مكارم الأخلاق 202 .
( 37 ) مكارم الأخلاق 202 .
( 38 ) مكارم الأخلاق 214 .
( 39 ) مكارم الأخلاق 202 .
( 40 ) من لا يحضره الفقيه 3 : 278 / باب حق المرأة على الزوج .
( 41 ) الكافي 6 : 54 / 2 باب كراهية طلاق الزوجة الموافقة – الذواق : السريع النكاح السريع الطلاق .
( 42 ) الكافي 6 : 54 / 3 باب كراهية طلاق الزوجة الموافقة .
( 43 ) النساء 4 : 19 .
( 44 ) النساء 4 : 128 .
( 45 ) النساء 4 : 35 .