تمّ صباح يوم الخميس 28/10/2021 نشر النصّ الكامل لكلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع القيّمين على مؤتمر «إحياء الذكرى لشهداء محافظة زنجان» بتاريخ 16/10/2021، وفي كلمته اعتبر قائد الثورة الإسلاميّة إقامة مثل هذه المؤتمرات حسنة عظيمة، وأشار سماحته إلى كون الشهادة قمّة يحتاج الوصول إليها إلى عبور سفحٍ يضمّ العديد من الأمور كالإخلاص والصّدق والمعنويّة والمجاهدة والتوجه إلى الله، ودعا الإمام الخامنئي إلى تحليل البُعدين النفسي والاجتماعي لمذكّرات الشهداء وعائلاتهم بناءً على العنصر القوي للدين.
بسم الله الرحمن الرحيم،
هناك نقطة هنا يجب أن نلتفت إليها جميعاً: الشهادة هي القمة، والقمة من دون السّفح لا معنى لها، فكل قمة لها سفح. كلّنا، أي الكثير منا، لدينا أمنية الوصول إلى تلك القمة، فعلينا عبور السّفح، وأن نجد المسار في سفح تلك القمة، وأن نسلك ذلك المسار لنصل إليها. وإلّا يكون الوصول إلى القمة غير ممكن بلا عبور السّفح. ما هذا السّفح والمسار؟
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولا سيما بقية الله في الأرضين.
بدايةً أود أن أرحب بكم جميعاً، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، خاصة أفراد عائلات الشهداء الموجودين هنا، ووالدة الشهداء الثلاثة الجليلة، وكل من شارك في هذه الذكرى المهمة. أشكركم، أنا حقاً أشكركم جميعاً لأنكم بدأتم هذا العمل القيّم، وقمتم عليه. استمروا به وأنجزوه، إن شاء الله.
أوصلوا سلامي الحارّ أيضاً إلى الأصدقاء، كما قال السادة وبعثوا سلامهم إليّ، سواء الشباب أو أهل الهيئات.
إن افتخارات زنجان ليست واحدة أو اثنتين؛ كانت زنجان تاريخياً مركزاً مليئاً بالافتخارات من الناحية العلمية والعملية أيضاً: في العلم، سواء في العلوم الدينية، أو الفقه، أو الفلسفة، أو العرفان لدى الشخصيات البارزة، وكذلك في المجالات الاجتماعية ذات التوجهات المختلفة، ولكن ذلك كله من أجل الله وفي سبيله، من أمثال الملا قربانعلي ونحوه. زنجان حقاً مركز بارز وممتاز. في العلوم الجديدة، إنّ شهيدنا النووي الشهير، الشهيد شهرياري، هو ابن زنجان المفتَخر. لذلك إن افتخارات زنجان كثيرة جداً، والشهداء على رأس افتخاراتها.
أود أن أقول جملة عن الشهداء وجملة عن عملكم وهذه الحركة في إحياء ذكرى الشهداء. بشأن الشهداء، إنهم المختارون، أي المختارون من الله، تعالى. الشهداء اختاروا الطريق الصحيح واختارهم الله للوصول إلى المقصد. قيمة الشهداء غير قابلة للحساب بحساباتنا المادية. لقد فاز الشهداء بأفضل تجارة في العالم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ…} (الصف، 10 و11) إلى آخر الآية. شهداؤنا هم الرابح الأكبر في هذه التجارة؛ {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ…} (التوبة، 111)، وماذا يكون أعلى من هذا؟ هناك نقطة هنا يجب أن نلتفت إليها جميعاً: الشهادة هي القمة، والقمة من دون السّفح لا معنى لها، فكل قمة لها سفح. كلّنا، أي الكثير منا، لدينا أمنية الوصول إلى تلك القمة، فعلينا عبور السّفح، وأن نجد المسار في سفح تلك القمة، وأن نسلك ذلك المسار لنصل إليها. وإلّا يكون الوصول إلى القمة غير ممكن بلا عبور السّفح. ما هذا السّفح والمسار؟ إنه الإخلاص، إنه الإيثار، إنه الصدق، إنه المعنوية، إنه المجاهَدة، إنه الصفح، إنه التوجه إلى الله، إنه العمل من أجل الناس، إنه السعي من أجل العدالة، إنه السعي من أجل إرساء حاكمية الدين. هذه، هذه التي تحدد المسار، وإن مشيتم في هذا المسار، فقد تصلون إلى القمة. يجب على من يصل إلى القمة أن يذهب من هنا ويتحرك من هذه المسارات. لا ينبغي نسيان المعنوية. قرأت في مكان ما أن الشهيد شهرياري كان يعمل في وقت متأخر من الليل على مسألة علمية معقدة لم يستطع حلها. ينقل تلميذه – كتب هذا في ذلك الكتاب – أن الشهيد عمل مقداراً كثيراً، ثم لم يستطع حل هذه المسألة، فقال: فلنذهب إلى المسجد، مسجد الجامعة. أعتقد جامعة الشهيد بهشتي… ذهبنا إلى المسجد وصلّى ركعتين بخشوع وتوجه، وبعد الصلاة قال: فهمتها! الله – تعالى – أراني الحل. ثم نهض وذهب وحلّ المسألة. إذاً، هذه هي! المعنوية وطريق الله على هذا النحو. عندما يؤدي الإنسان هذه الحركة ويسير في هذا الطريق ويتقدم، حينئذ يكون الوصول إلى القمة ممكناً وسهلاً، ولا نقول إنه يصير محتّماً بل يصير ممكناً. فالوصول إلى القمة دون التحرك في هذا المسير غير ممكن.
أما بشأنكم، يا منظمي هذا المؤتمر وهذه الذكرى، فأولاً اعلموا أن هذا العمل حسنة عظيمة. هذا العمل الذي يتم مهم. لا ينبغي أن يكون إحياء ذكرى الشهداء هذا والأعمال الأخرى حول هذه القضية كأنه عمل عادي، فهو حقاً حسنة عظيمة تفعلونها. إنه واجب.
لم ينتهِ الأمر كما جاء في حديث أخينا. الأمر ليس هكذا [أي] مرت سنوات الآن وأحيت بعض المدن والأقضية والمحافظات الذكرى وانتهت القضية. لا! لقد بدأت للتو. بعد مرور سنوات على «الدفاع المقدس»، بدأ إحياء ذكرى الشهداء وسيستمر ويجب أن يستمر. عليكم أن تأخذوا مبادرات لكن الأعمال التي ذكروها والتي أنجزت كلها من بين أفضل الأعمال: تأليف الكتب وصناعة الأفلام والخدمات حول ذكرى هؤلاء الشهداء وأسماء الشهداء. كلها أعمال جيدة. كما أنني رأيت هذه الكتب هنا وشاهدت على الطريق هذه العلامات التي أعددتموها. كانت جيدة. طبعاً لم أقرأ الكتب لكن العناوين جيدة وصحيحة. بالإضافة إلى هذه الأمور لا بد من أمور أخرى من جملتها التحليلات والاستنتاجات الاجتماعية والنفسية حول هذه المذكّرات بناءً على العنصر القوي للدين، وهذا أمر مهم للغاية. لماذا يريد بعض الناس تجاهل هذا الأمر؟ قرأت في تقرير الأصدقاء أن عدداً هؤلاء الشهداء هم الفتيان الوحيدون لهذه العائلات. هذه الأم وهذا الأب مستعد لإرسال هذا الابن الوحيد إلى ميدانٍ قد لا يعود منه، فمن أين ينشأ هذا [الدافع]؟ وهل ينشأ من شيء غير النظرة إلى الدين ورضا الله والثواب الإلهي والواجب الديني؟ هذا الشاب نفسه الذي يتحرك على هذا النحو، ويذهب أمام هذه الأخطار الكبيرة ويتصدى لها بروحه وبصدره فيه دافع ديني. إن حضور هذا العنصر القوي يجب تحليله ودراسته من حيث علم اجتماع البلد وسيكولوجية شعب البلد، وأن يعملوا عليه. وكذلك بعض الأشياء التي كانت موجودة على هامش هذا الفداء والتضحيات، مثل شرح حال الآباء والأمهات. إنه مهم جداً. هؤلاء الآباء كيف كانت مشاعرهم ودوافعهم؟ الزوجات، أي الزوجة التي تعيش حياةً مريحة مع هذا الشاب المحبوب عندها، كيف تغض الطرف عنه وتوافق على رحيله وتصبر على غيابه ثم استشهاده؟ هذه [الأمور] ومشاعرهم وحالاتهم كلها تستحق التحليل… أو الخدمات التي أنجزت على هامش هذا العمل. واحد من الأشياء التي أعتقد أنه يمكن القول – طبعاً لا يمكنني أن أجزم، لكن يبدو لي – إنها جزء من خصائص بلدنا وحربنا هي الخدمات التي أُنجزت في المنازل والمراكز النسائية والشعبية وما إلى ذلك. على سبيل المثال أنهم أعدّوا الطعام في المنازل، وصنعوا «الكومبوت»(1)، كما جهزوا إمكانات التموين الحربي، وخبزوا الخبز وأرسلوه. هذه أشياء مذهلة. بأي دوافع! بأي همّة فعل هؤلاء الرجال والنساء ذلك العمل؟ لقد قرأت في المدة الأخيرة كتاباً بعنوان «حوض الدم»، وبالطبع رأيت في الأهواز بنفسي حيث كانوا يغسلون الثياب الملطخة بالدماء للمجاهدين، والأغطية الملطخة بالدماء للمستشفيات وللمجاهدين. يفصّل هذا الكتاب تلك الأشياء، فيَحار المرء حقاً ويخجل المرء أمام الخدمات كافة التي أدتها تلك النساء على مر السنوات والمصاعب التي تحمّلنها. هذه هي الأشياء التي يمكن ذكرها. أيضاً تشييع الجثامين واحد من الأمور التي أُغفلت ولم يتم التركيز عليها حتى الآن. التشييع لجثامين شهداء الحرب، والآن الأمر على هذا النحو أيضاً. طبعاً في بعض الأحيان يأتون بعظام شهيد ما إلى مدينة ما وأيّ تشييع [رائع] يقام! خلال الحرب، كانت كل بضعة أيام في هذه المدن، وكذلك في مدينتكم زنجان وأماكن أخرى، تقام جنازات عظيمة، فكان الناس يأتون، والشعراء يقرؤون القصائد ويقيمون العزاء ويلطمون باسم الشهداء وبذكراهم. إنها أحداث ليست في أي مكان في العالم. إنها عجيبة وغريبة ولا تُنسى، ويجب تسجيلها وحفظها.
مسألة أخرى أيضاً هي تسمية شوارع المدن وأزقتها. يجب أن تتزين المدينة باسم الشهداء وبذكراهم. لا بدّ أن تُدرك مجالس المدن في المدن المختلفة بأسماء أيّ الأشخاص تصير هذه المدينة مفتَخرة، وأي افتخار لمدينة وشارع وزقاق وممر أكبر من أن يوضع عليها اسم شهيد عظيم واسم إنسان مضحٍّ. هذه هي الأشياء التي لا بدّ من متابعتها. تابعوا هذه القضايا. لقد اتخذتم الخطوة الأولى وهي تشكيل هذه الأعمال وهذا المؤتمر وإحياء الذكرى وأعماله الجانبية، فاستمروا في هذه المسائل.
إن شاء الله، سيجعل الله – تعالى – بركات الشهداء تشمل أحوال شعبنا. و[نسأله] أن يحشر أرواح الشهداء المطهرة مع الرسول (ص)، وأن يروا آثار هذه المجاهَدات التي هي انتصار الشعب الإيراني قريباً، إن شاء الله، كما لا نزال نرى – لحسن الحظ – في هذه السنوات كيف سار الشعب الإيراني دائماً نحو النصر. إن شاء الله، ستحل المشكلات أيضاً. ما هو موجود اليوم من مشكلات معيشية واقتصادية ونحوها، إن شاء الله، ستحل بتوفيق الله وبهمة المسؤولين وهمة أمثالكم. أثابكم الله، إن شاء الله، وحشركم والإمام العظيم الذي وضع هذا الطريق أمامنا مع الرسول (ص)، إن شاء الله. و[نسأله] أن ترضى عنا أرواح الشهداء الطيبة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.