كاظم الغيظ لغة: هو الذي يحبس غيظه ويمسك على ما في نفسه منه. كما جاء في لسان العرب لابن منظور: كظم الرجل غيظه، إذا اجترعه، وكظماً: ردَّهُ وحبسهُ فهو رجل كظيم. وفي الكتاب العزيز «والكاظمين الغيظ» أي الحابسين الغيظ وقد روي عن رسول الله محمّد صلىاللهعليهوآله أنه قال: «ما من جرعة يتجرعها الإنسان أعظم أجرا من جرعة غيظ في الله عزّ وجلّ».
وقد صوّر الإمام الكاظم عليهالسلام كظم الغيظ والعفو عن الذّنب تصويراً بلغ درجاته القصوى، وانتهى بحدود الذروة منها، ولعله صار لحدّ الاعجاز فلم يرو لنا التاريخ لأحد من الأعلام مثلما روى عن الإمام موسى بن جعفر عليهالسلام حتى لُقّب بها فكانت هذه الصفة ذروتها تتمثل فيه.
وقد روي أنه جمع أولاده فقال لهم: «يا بنيّ إني اُوصيكم بوصية من حفظها لم يضع منها، إن أتاكم آتٍ مكروها فاعتذر وقال لم أقل شيئاً فاقبلوا عذره»[1].
وقد لقيه أبو نؤاس مرّة فقال له:
إذا أبصرتك العين من غير ريبة***وعارض فيك الشّك أثبتك القلبُ
ولو أنّ ركباً أمّموك لقادهم***نسيُمك حتى يستَدِلّ بك الركبُ
جعلتُك حسبي في اُموري كُلّها***وما خاب من أضحى وأنت له حسبُ
كان مولده عليهالسلام بالأبواء موضع بين مكة والمدينة المنورة سنة 128 هـ، واُمه أمّ ولد يقال لها (حُميدة المصفاة) ويقال: نباته، ابنة صاعد المغربي البربري أو بنت صالح وقيل إنها شقيقة صالح وذهَب بعضهم إنها رومية وقيل إنها من أجل بيوت العجم[2] وقيل أنها اُندلسيّة وتكنّى بـ لؤلؤة[3].
عاصر ثلاثة من خلفاء بني العباس «المنصور، والمهدي، والرشيد» ولكنّ إبتدأت إمامته عليهالسلام من سنة 148 هـ لحين وفاته عليهالسلام سنة 183 هـ وقد تعرض خلالها للسجون بين البصرة وبغداد، وللسجن الإنفرادي والتعذيب النفسي بعد أن إستدعي من المدينة المنورة وكان ذلك حقداً وحسداً من هارون الرشيد، حيث كان يرى بعينه ويسمع بأذنه، عن اقبال الناس على الإمام الكاظم عليهالسلام والقبول منه والأخذ عنه، والرجوع إليه.
فكانت تأخذ الرشيد الهواجس، وأخذ الحيطة والحذر على سلطانه عندما شاهد الإمام عليهالسلام مالكاً لقلوب العامة متمتّعاً بهذه الشعبيّة والمنزلة الروحيّة الرفيعة.
كنيته عليهالسلام أبو الحسن الأوّل، وأبو الحسن الماضي، وأبو إبراهيم وأبو علي، ويعرف بالعبد الصالح والكاظم، وذي النفس الزكيّة، وزين المتهجدين وراهب آل محمد صلىاللهعليهوآله وباب الحوائج، والسيد والوفيّ[4]، والصابر، والأمين، والزاهر لأنّه زهر باخلاقه الشريفة.
قال الربيع بن عبد الرحمن: «كان والله من المتوسّمين؛ فيعلم من يقف عليه بعد موته ويكظم غيظه عليهم، ولا يُبدي لهم ما يعرفه عنهم، فلذلك سُمّي بالكاظم. وكان عليهالسلام أزهر إلّا في الغيظ لحرارة مزاجه… فهو ربع تمام، خصر حالك، كثّ اللّحية، وكان أفقه أهل زمانه، واحفظهم لكتاب الله، وأحسنهم صوتاً بالقرآن، فكان إذا قرأ يحزن، وبكىى وأبكى السامعين لتلاوته، وكان أجلّ الناس شأناً، وأعلاهم في الدين مكاناً، واسخاهم بناناً، وافصحهم لساناً، واشجعهم جناناً قد خصّ بشرف الولاية، وحاز إرث النبوّة، وبريء محلّ الخلافة، سليل النبوّة، وعقيد الخلافة».
تولّى حبسهُ عيسى بن جعفر، ثمّ الفضل بن الربيع، ثمّ الفضل بن يحيى البرمكيّ، ثمّ السندي بن شاهك الذي سقاهُ سُمّا، وبعد ثلاثة أيام استشهد على يده وكانت شهادته في مسجد هارون الرشيد المعروف بمسجد المسيّب، في الجانب الغربيّ من باب الكوفة بسبب نقله إليه من دار تعرف بـ (دار عمرويه).
* المصدر: الإمام الكاظم (ع) وذراريه – بتصرف
[1] موسوعة العتبات المقدسة، جعفر الخليلي 10: 40 قسم الكاظمين.
[2] حياة الإمام موسى بن جعفر عليهالسلام / باقر القرشي، ج 2 ص 42، قم المقدسة 1428 هـ / 2007 م. نقلا عن كثير من المصادر.
[3] قاله الشيخ المفيد في الإرشاد صفحة 307 طبع ايران، حجر سنة 1308 هـ.
[4] حياة الإمام موسى بن جعفر عليهالسلام / باقر القرشي، ج 2، ص 49، قم المقدسة 1428 هـ / 2007 م.