يوم ظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هو اليوم الموعود الَّذي تتحقَّق فيه كلمة الله تعالى ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾1، هو يوم ظهور الحقِّ وانتصار العدل، يوم تهفو إليه قلوب المؤمنين، وتشتاق إليه عيون المخلصين، وتتعلَّق بحبائله صرخات المظلومين، وتستنير بهديه قوافل السائرين.
هو يوم الإسلام العظيم، يوم الله الذي تظهر فيه جنوده، وتعلو فيه راياته و ينتصر فيه لأوليائه…
هو يوم يختصر بمعانيه كلَّ النور، ليطرد كلَّ الظلام… يدغدغ ذكره مشاعر المنتظرين، الَّذين يصبّحون الشمس، وبريق الأمل يلمع بأعينهم، بيوم جديد ربما يحمل خبراً عن الحبيب المنتَظر، ويودِّعون الشمس عند المغيب بازدياد الشوق واشتداد لوعة الفراق، وعتاب للنفس: أيَّتها النفس لم نصل بعد إلى اللياقة المطلوبة لتحمُّل مسؤوليَّة يوم الظهور، ولا زال المنتظَر ينتظِر جهوزيتنا. نعم في الحقيقة هو المنتظِر ونحن المنتظَرون، فمتى سنصبح أهلا لتحمُّل هذا اليوم، ومتى سترتفع تلك اليد المباركة لتقلَّدنا وسام استحقاق النصرة، وتقبَلَنا أفراداً في طلائع ذلك الجيش، جيش الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في يومه الموعود.
سنتعرف فيما يلي على بعض الأمور والمفاهيم الأساسيَّة الواردة في الروايات على لسان الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف حول يوم الظهور وعلاماته والتمهيد للظهور.
كذب الوقّاتون
إنَّ يوم الظهور، هو يوم واقع لا شك فيه، ولكنَّ توقيت ذلك اليوم ومتى سيكون، هو في علم الله تعالى، وسيفاجأ الناس بحصوله. ولذلك فإنَّ أيَّ توقيت ليوم الظهور غير صحيح، ولا يمكن الاعتماد عليه.
“وأمَّا ظهور الفرج فإنَّه إلى الله وكذب الوقّاتون” 2.
وكذلك قال الشيخ محمد بن عثمان العمري- سفير الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف- قدس الله روحه: كتبت أسأله عن ظهور الفرج؟ فخرج في التوقيع:”كذب الوَّقاتون” 3.
التمهيد للظهور
إنَّ يوم الظُّهور توقيته غير معلوم بالنسبة لنا كما أسفلنا، ولكن رغم ذلك فإنَّنا مؤثرّون في توقيت الظُّهور وتسريعه أو إبطاءه، وهذا ما تشير إليه العديد من الروايات عنه عجل الله تعالى فرجه الشريف:
1- “وأمَّا علة ما وقع من الغيبة فإنَّ الله عز وجل قال:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ 4. إنَّه لم يكن أحد من آبائي إلاَّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه. وإنِّي أخرج- حين أخرج- ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي” 5.
إذا كان سبب حصول الغيبة هو من قبيل حصول المانع الَّذي يمنع من قيام الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف بدوره المبارك في إظهار وانتصار الحقِّ على الباطل والعدل على الجور، فهذا يعني أنْه من انتفاء هذا المانع وارتفاع هذا السبب سيكون الظُّهور بإذن الله تعالى، وأنَّ الغيبة لا زالت مستمرة باعتبار أنَّ هذا المانع لم يرتفع بعد.
ولعلَّ الرِّواية تشير إلى أنَّ السبب الأساسي للغيبة عدم وجود الناصر الكافي لتحقيق هذا الأمر، وأنَّ الإمام لا زال ينتظر جهوزيَّة جنوده الَّذين سيقاتل بهم الأعداء، ولعلَّ هذا هو المقصود من الإستشهاد بالآية الكريمة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾.
2- “ولو أنّ أشياعنا وفَّقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخّر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقِّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلاَّ مايتصل بنا ممّا نكرهه ولا نؤثره منهم والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلواته على سيّدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلّم” 6.
هذه الرواية تؤكد أنَّ الذي يبقي الإمام في الغيبة ويحبسه عنّا، ويؤخر في الظهور، ليس انتظاره لامتلاء الأرض ظلماً وجوراً، فالأرض كانت ممتلئة كذلك من لحظة الغياب، وهي ممتلئة الآن بأبشع أنواع الظلم والجور، ولو كانت الأرض الآن بعيدة عن الظلم والجور لبادر الإمام لقيادتها بعدله، وما كان ليتأخر عنها وهي جاهزة لذلك، إنَّ الذي يؤخِّر الإمام هو ما يصله ويطَّلع عليه من أعمال لا يرضاها تصله عنّا. وما يؤخره هو عدم جهوزيَّة المجتمع لتحمُّل هذه المسؤوليَّة الكبرى، فإذا اجتنبوا المعاصي وأعدوا أنفسهم تماماً لتحمُّل تلك المسؤوليَّة وصاروا جاهزين يملكون الكفاءة اللازمة، فسيأتي وقت العاقبة الحميدة:”والعاقبة- بجميل صنع الله سبحانه- تكون حميدة ما اجتنوا المنهيَّ عنه من الذنوب” 7.
3- “يا معاشر نقبائي وأهل خاصتي ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض إئتوني طائعين 8” 9.
عندما يصبح النقباء وأهل الخاصَّة ومن ذخرهم الله تعالى لنصرة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف جاهزين ومستعدين، فإنَّ النداء سيأتيهم من الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ليلتحقوا به ويكون تحقيق الوعد الإلهي على أيديهم.
4- ورد في رواية عنه عجل الله تعالى فرجه الشريف يتحدث فيها عن كلمات قالها له والده الإمام الحسن العسكري عليه السلام: “فكأنك يا بني بتأييد نصر الله قد آن، وتيسير الفلح وعلو الكعب قد حان، وكأنَّك بالرايات الصفر والأعلام البيض تخفق على أثناء أعطافك ما بين الحطيم وزمزم، وكأنَّك بترادف البيعة وتصافي الولاء يتناظم عليك تناظم الدر في مثاني العقود، وتصافق الأكفَّ على جنبات الحجر الأسود، تلوذ بفنائك من ملأ برأهم الله من طهارة الولاء ونفاسة التربة، مقدَّسة قلوبهم من دنس النَّفاق مهذَّبة أفئدتهم من رجس الشِّقاق ليِّنة عرائكهم 10 للدِّين، خشنة ضرائبهم 11 عن العدوان واضحة بالقبول أوجههم، نظرة بالفضل عيدانهم 12، يدينون بدين الحقِّ وأهله.
فإذا اشتدَّت أركانهم وتقومت أعمالهم فدَّت بمكانفتهم، طبقات الأمم، إلى إمام إذ تبعتك في ظلال شجرة دوحة بسقت أفنان غصونها على حافات بحيرة الطبريَّة.
فعندها يتلألأ صبح الحقِّ، وينجلي ظلام الباطل، ويقسم الله بك الطغيان ويعيد معالم الإيمان، ويظهر بك أسقام الآفاق، وسلام الرفاق، يودُّ الطفل في المهد لو استطاع إليك نهوضاً، ونواشط الوحش لو تجد نحوك مجازاً.
تهتز بك أطراف الدنيا بهجة، وتنشر عليك أغصان العز نضرة، وتستقر بواني العزِّ 13 في قرارها، وتؤوب 14 شوارد الدين 15 إلى أوكارها، يتهاطل عليك سحائب الظفر فتخنق كلَّ عدو، وتنصر كلَّ وليّ، فلا يبقى على وجه الأرض جبَّار قاسط 16، ولا جاحد غامط، ولا شانئ مبغض، ولا معاند كاشح 17 ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ 18″. 19
وما يهمنا أن نلفت إليه النظر في هذه الرِّواية هو الرَّايات والأفراد الذين كانوا على مستوى عالٍ من الجهوزية والإستعداد، حتى إذا ظهر الإمام التحقوا به بشكل يسير، وبلياقة وجهوزية كافية.
5- “وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ ذلك فرجكم” 20. لا شك أن الدعاء من الأمور الأساسية المؤثرة، لأنَّه من جهة فيه توجه لله تعالى الذي قال ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾21، ومن جهة أخرى يقوِّي الارتباط والعلاقة بالإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، ومن جهة ثالثة يوجِّه الإنسان نحو إعداد العدة وتمهيد الأرض لهذا اليوم العظيم. فلهذا الدعاء أثره الغيبيّ والنفسيّ والعمليّ.
من علامات الظهور
ليس غرضنا أن نستقرئ في هذه الفقرة علامات الظهور، وأقسامها، وإنَّما نذكر بعض الأمور التي وردت في الروايات المرويَّة عن الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، وبعضهم واضح بدلالته ولكنَّ بعضها الآخر أشبه بالرموز التي يفهمها الإنسان بشكل تفصيلي حين تقع، لذلك نكتفي بعرضها.
1ـ “وآية حركتنا من هذه اللوثة 22 حادثة بالحرم المعظّم، من رجس منافق مذمّم، ستحلّ للدم المحرّم، يعمد بكيده أهل الإيمان، ولا يبلغ بذلك غرضه من الظلم والعدوان” 23.
2- “علامة ظهور أمري كثرة الهرج والمرج والفتن، وآتي مكة فأكون في المسجد الحرام.فيقال: إنصبوا لنا إماماً. ويكثر الكلام حتى يقدم رجل من الناس فينظر في وجهي ثم يقول: يا معشر الناس هذا المهدي انظروا إليه 24” 25.
* من وحي كلمات الحجة (عج)، سلسلة بين يدي القائم (عج)، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- سورة القصص، الآية 5.
2- الاحتجاج، الطبرسي، ج2ص 281- 284.
3- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج53- ص184 عن إكمال الدين.
4- سورة المائدة، الآية 101.
5- الاحتجاج، الطبرسي،ج2ص 281- 284.
6- خاتمة المستدرك، النوري، ج 3، ص 225، من رسالة للشيخ المفيد
7- خاتمة المستدرك، م.س: ج 3، ص 225، من رسالة للشيخ المفيد
8- ثم جاء في الحديث بعد ذلك ما يلي: (فترد صيحته عليه السلام ) عليهم وهم على محاريبهم، وعلى فرشهم في شرق الأرض وغربها فيسمعونه في صيحة واحدة في أذن كل رجل، فيجيئون نحوها (أي: نحو الصيحة) ولا يمضي لهم إلا كلمحة بصر حتى يكون كلهم بين يديه عليه السلام بين الركن والمقام…
9- بحار الأنوار، العلامة المجلسي،ج53 ص7.
10- عرائكهم: طبائعهم.
11- ضرائب: حد السيوف.
12- عيدان: جمع عود الغصن
13- بواني العز: أسسه
14- تؤوب: ترجع
15- شوارد الدين: كناية عما ترك من أحكام الله تعالى
16- قاسط: هي هنا بمعنى ظالم
17- كاشح: الذي يعطي للحق كشحه أي: ظهره.
18- سورة الطلاق، الآية 3.
19- كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق،-ج2 ص121.
20- الاحتجاج، الطبرسي، ج2ص 281- 284.
21- سورة غافر، الآية60.
22- اللوثة- بالضم- الاسترخاء والبطء.
23- خاتمة المستدرك، النوري، ج 3، ص 225، من رسالة للشيخ المفيد
24- ثم جاء في النص ما يلي: فيأخذون بيدي، وينصبوني بين الركن والمقام فيبايع الناس عند إياسهم عني.
25- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج51- ص320 عن غيبة الطوسي قدس سره.