بعد الانتهاء من تجهيز الميت أي غسله وحنوطه وتكفينه، ينقل الميت إلى القبر وهذا يعرف بالتشييع، ولتشييع الميت إلى قبره أجرٌ كبير عند الله تعالى، فعن ميسر قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: “من تبع جنازة مسلم أعطي يوم القيامة أربع شفاعاً، ولم يقل شيئاً إلا وقال الملك: ولك مثل ذلك”1.
وعن رسول الله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال: “من شيع جنازة فله بكل خطوةٍ حتى يرجع مائة ألف ألف حسنة، ويمحى عنه مائة ألف ألف سيئة، ويرفع له مائة ألف ألف درجة، فإن صلى عليها شيعه في جنازته مائة ألف ألف ملك، كلهم يستغفرون له حتى يرجع، فإن شهد دفنها وكل الله به ألف ملك كلهم يستغفرون له حتى يبعث من قبره. ومن صلى على ميت صلى عليه جبرئيل وسبعون ألف ملك وغفر له ما تقدم من ذنبه، وإن أقام عليه حتى يدفنه وحثا عليه من التراب انقلب من الجنازة وله بكل قدم من حيث شيعها حتى يرجع إلى منزله قيراط من الأجر، والقيراط مثل جبل أحد يكون في ميزانه من الأجر”2.
وللتشييع سنن كثيرة سنتعرض لها إن شاء الله تعالى بالتفصيل.
1- عدم ترك الجنازة
فمن المتعارف أن يصلى على الميت بعد تشييعه، وقبل الدفن، ولذاك يستحب تأخير ترك الجنازة إلى أن يفرغ من تشييعها والصلاة عليها ودفنها فعن أمير المؤمنين عليه السلام : “من تبع جنازةً كتب الله له من الأجر أربع قراريط: قيراط باتباعه، وقيراطٌ للصلاة عليها، وقيراطٌ بالانتظار حتى يفرغ من دفنها، وقيراطٌ للتعزية”3.
وعن زرارة قال: “حضر أبو جعفر الباقر عليه السلام جنازةَ رجلٍ من قريش وأنا معه- إلى أن قال:- فلما صلى على الجنازة قال وليها لأبي جعفر عليه السلام : ارجع مأجوراً رحمك الله، فإنك لا تقوى على المشي، فأبى أن يرجع، قال: فقلت له: قد أُذن لكَ في الرجوع، ولي حاجة أريد أن أسألك عنها، فقال: امض فليس بإذنِهِ جِئنا، ولا بإذنِه نرجِع، إنَّما هو فضلٌ وأجرٌ طلبناه فبقدر ما يتبع الجنازةَ الرجلُ يوجر على ذلك”4.
2- كيف نمشي في الجنازة؟
فقد ورد في فضل المشي خلفها وعند جانبيها العديد من الروايات منه ما وري عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: “المشي خلف الجنازة أفضل من المشي بين يديها”5.
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: “مشى النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلف جنازة، فقيل يا رسول الله مالك تمشي خلفها؟ فقال: إن الملائكة رأيتهم يمشون أمامها ونحن تبع لهم”6. وعن أبي جعفر عليه السلام قال: “من أحبَّ أن يمشي ممشى الكرام الكاتبين فليمش جنبي السرير”7.
3- ترك الركوب
أي المشي على الأقدام وعدم استقلال الراحلة أو الدابة السيارة ووسائل النقل في أيامنا، فقد جاء في الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “مات رجل من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنازته يمشي فقال له بعض أصحابه: ألا تركب يا رسول الله؟ فقال: إني لأكره أن أركب والملائكة يمشون”8.
ولمَا ما في المشي على الأقدام من مناسبة الاحترام للميت فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: “رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوما خلف جنازة ركباناً فقال: ما استحيى هؤلاء أن يتبعوا صاحبهم ركباناً وقد أسلموه على هذه الحال؟!”9.
إلا أن بعض الناس ممن لا يقدر على المشي لعذرٍ يمنعه من ذلك، ترتفع الكراهة لهم في الركوب مراعاةً لحالهم،فعن أميرالمؤمنين عليه السلام: “أنه كره أن يركب الرجل مع الجنازة في بدأته إلا من عذر، وقال: يركب إذا رجع”10.
4- التربيع
والمراد بالتربيع حمل الجنازة من جوانبها الأربعة لما في ذلك من آثار أخروية منها غفران الذنوب فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: “من حمل جنازة من أربع جوانبها غفر الله له أربعين كبيرة”11.
أما كيفية التربيع فقد فصلته الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “السنة أن تستقبل الجنازة من جانبها الأيمن، وهو مما يلي يسارك، ثم تصير إلى مؤخره وتدور عليه حتى ترجع إلى مقدمه12.
وعن أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام قال: “السنَّة في حمل الجنازة أن تستقبل جانب السرير بشقك الأيمن فتلزم الأيسر بكفّك الأيمن،ثم تمرّ عليه إلى الجانب الآخر وتدور من خلفه إلى الجانب الثالث من السرير، ثم تمرّ عليه إلى الجانب الرابع مما يلي يسارك”13.
5- الدعاء بالمأثور
فقد رود في الروايات بعض الأدعية التي يستحب عند رؤية الجنازة أو استقبالها منها ما روي عن أبي حمزة قال: كان علي بن الحسين عليه السلام إذا رأى جنازة قد أقبلت قال: الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم 14.
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من استقبل جنازة أو رآها فقال: “الله أكبر هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، اللهم زدنا إيماناً وتسليماً، الحمد لله الذي تعزز بالقدرة وقهر العباد بالموت، لم يبق في السماء ملكٌ إلا بكى رحمةً لصوته.” 15.
أما ما يقال عند حمل الجنازة ففي الرواية عن عمار الساباطي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “سألته عن الجنازة إذا حملت كيف يقول الذي يحملها؟ قال: يقول: بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد، اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات” 16.
6- عدم اتباعها بالنار والمجمرة
والمراد بالمجمرة ما يوضع فيها البخور والعطر الذي يحرق لينشر الرائحة فعن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام في حديث”أنه كان يكره أن يتبع الميت بالمجمرة”17.
*اداب تجهيز الميت ، سلسلة الاداب والسنن، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- الحر العاملي- محمد بن الحسن- وسائل الشيعة- دار إحياء التراث- بيروت- ج 3- ص 141- 142
2- م.ن. ج 3- ص 143- 144
3- م.ن. ج 3- ص 145
4- م.ن. ج 3- ص 147
5- م.ن. ج 3- ص 148
6- م.ن. ج 3- ص 148
7- م.ن. ج 3- ص 148- 149
8- م.ن. ج 3- ص 152
9- م.ن. ج 3- ص 153
10- م.ن. ج 3- ص 152
11- م.ن. ج 3- ص 153
12- م.ن. ج 3- ص 155
13- م.ن. ج 3- ص 156
14- م.ن. ج 3- ص 157
15- م.ن. ج 3- ص 157
16- م.ن. ج 3- ص 158
17- م.ن. ج 3- ص 158