غزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع هي غزوة جرت أحداثها في السنة الخامسة من الهجرة النبوية المباركة، وفي شهر شعبان تحديدًا.
بنو المصطلق:
هم بطن من خزاعة، والمصطلق جدهم، وهو جذيمة بن سعد ابن عمرو بن ربيعة ابن حارثة بن عمرو بن عامر ماء السماء.
تاريخ الغزوة:
اختلف العلماء في ذلك، وانحصرت أقوالهم فيها في ثلاثة أقوال، فمن قائل إنها في شعبان سنة ست، قال بذلك ابن إسحاق وخليفة بن خياط، وابن جرير الطبري. ومن قال بأنها في شعبان من العام الرابع للهجرة، مثل المسعودي.
وذهبت طائفة إلى أنها كانت في شعبان من السنة الخامسة، منهم موسى بن عقبة، وابن سعد، وابن قتيبة، والبلاذري، والذهبي، وابن القيم، وابن حجر العسقلاني، وابن كثير – رحمهم الله – ومن المحدثين الخضري بك، والغزالي، والبوطي.
سبب الغزوة
دعا الحارث بن أبي ضرار ـ رئيس بني المصطلق ـ قومه، ومن قدر عليه من العرب إلى حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأجابوه وتهيّئوا، فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فبعث بريدة بن الحصيب الأسلمي ليأتيه بخبرهم.
فرجع بريدة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخبره بإصرارهم على الحرب، فندب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الناس إليهم، فأسرعوا.
فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه مجموعة كثيرة من المنافقين لم يخرجوا في غزاة مثلها قطّ، إنّما خرجوا طمعاً في الغنائم مع قرب المسافة.
وأصاب (صلى الله عليه وآله) جاسوساً للمشركين كان وجّهه الحارث ليأتيه بخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فسأله (صلى الله عليه وآله) عن بني المصطلق فلم يذكر من شأنهم شيئاً، فعرض عليه الإسلام فأبى، فأمر(صلى الله عليه وآله) بقتله فقُتل، وبلغ الحارث قتله فساء بذلك ومن معه وخافوا خوفاً شديداً، وتفرّق عنهم من كان معهم من العرب.
منطقة المريسيع
وصل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى منطقة المريسيع فضرب عليه قبّته، وكانت معه عائشة وأُمّ سلمة، وتهيّئوا للقتال، وصفّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أصحابه، ثمّ دعا بني المصطلق إلى الإسلام فأبوا، فتراموا بالنبل ساعة.
ثمّ أمر(صلى الله عليه وآله) أصحابه فحملوا حملة رجلٍ واحد، فما أفلت منهم إنسان، وقتل عشرة منهم، وأُسر سائرهم فكُتّفوا، ولم يُقتل من المسلمين إلّا رجل واحد قتله المسلمون خطأً، وكان شعار المسلمين: «يا منصور أمت».
مقاتلة الإمام علي
قال الشيخ المفيد (قدس سره) في الإرشاد: «كان من بلاء علي (عليه السلام) ببني المصطلق ما اشتهر عند العلماء، وكان الفتح له في هذه الغزاة بعد أن أُصيب يومئذٍ ناس من بني عبد المطّلب، فقتل علي (عليه السلام) رجلين من القوم، وهما مالك وابنه».
إلقاء الرعب في قلوب المشركين
قالت جويرية بنت الحارث ـ زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ: «أتانا رسول الله(صلى الله عليه وآله) ونحن على المريسيع، فأسمع أبي وهو يقول: أتانا ما لا قِبل لنا به.
قالت: وكنت أرى من الناس والخيل والسلاح ما لا أصف من الكثرة، فلمّا أن أسلمتُ وتزوّجني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورجعنا، جعلت أظهر إلى المسلمين فليسوا كما كنت أرى، فعرفت أنّه رعب من الله عزّ وجلّ يلقيه في قلوب المشركين».
الغنائم
أصاب (صلى الله عليه وآله) من بني المصطلق سبياً كثيراً قسّمه بين المسلمين، وأسهم (صلى الله عليه وآله) للفارس سهمين، للفرس سهم ولصاحبه سهم، وللراجل سهم.
وكان ممّن أُصيب من السبايا: جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ـ رئيس بني المصطلق ـ سباها الإمام علي (عليه السلام)، فجاء بها إلى النبي (صلى الله عليه وآله) بعد إسلام بقية القوم.
فقال الحارث: يا رسول الله إنّ ابنتي لا تُسبى؛ لأنّها امرأة كريمة، فقال له: «اذهب فخيّرها»، قال: أحسنت وأحملت. وجاء إليها أبوها فقال لها: يا بنية لا تفضحي قومك، قالت: قد اخترت الله ورسوله، فقال لها أبوها: فعل الله بك وفعل فأعتقها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجعلها من أزواجه، وسمّاها جويرية وكان اسمها برة.
قال ابن سعد: «كان السبي منهم مَن مَنَّ عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بغير فداء، ومنهم من افتدى، وقدموا المدينة ببعض السبي، فقدم عليهم أهلوهم فافتدوهم، فلم تبق امرأة من بني المصطلق إلّا رجعت إلى قومها».
وفي رواية أنّه (صلى الله عليه وآله) لمّا تزوّج جويرية قال المسلمون في بني المصطلق: «أصهار رسول الله. فأعتقوا ما بأيديهم».
نزول سورة المنافقين
لمّا رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الغزوة، نزل على بئرٍ وكان الماء قليلاً فيها، فتنازع سنان بن وبر الجهني ـ حليف بني سالم من الأنصار ـ وجهجاه بن سعيد الغفّاري على الماء، فضرب جهجاه سناناً بيده، فنادى سنان: يا للأنصار، ونادى جهجاه: يا لقريش، يا لكنانة، فأقبلت قريش سراعاً، وأقبلت الأوس والخزرج، وشهروا السلاح، فتكلّم في ذلك ناس من المهاجرين والأنصار حتّى ترك سنان حقّه واصطلحوا.
ولمّا سمع عبد الله بن أُبي ـ وكان منافقاً ـ وهو من الأنصار من الخزرج، وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم حديث السنّ، غضب وقال: «قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما مثلنا ومثلهم إلّا كما قال القائل: سمّن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة، ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ»! يعني بالأعزّ نفسُه، وبالأذلّ رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فمشى زيد بن أرقم إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) فأخبره الخبر، فأمر(صلى الله عليه وآله) بالرحيل، وأرسل إلى عبد الله فأتاه فقال: ما هذا الذي بلغني عنك؟ فقال عبد الله: والذي أنزل عليك الكتاب! ما قلت شيئاً من ذلك قطّ، وإنّ زيداً لكاذب. فعذره رسول الله (صلى الله عليه وآله).
قال زيد بن أرقم: فلمّا وافى رسول الله(صلى الله عليه وآله) المدينة، جلست في البيت لما بي من الهمّ والحياء، فنزلت سورة المنافقين في تصديق زيد وتكذيب عبد الله بن أُبي.
ثمّ أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأذن زيد فرفعه عن الرحل، ثمّ قال: «يا غلام! صدق فوك، ووعت أُذناك ووعى قلبك، وقد أنزل الله فيما قلت قرآناً».
فتقدّم عبد الله بن عبد الله بن أُبي الناس ـ وكان خالص الإيمان، لم يكن كأبيه ـ ووقف لأبيه على الطريق، وقال: لا أفارقك حتّى تزعم أنّك الذليل ورسول الله (صلى الله عليه وآله) العزيز، فمرّ به رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال: «دعه، فلعمري لنحسننّ صحبته ما دام بين أظهرنا».
وفيه نزلت: “يَقُولُونَ لَئِن رّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلّ وَلِلّهِ الْعِزّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ”.
وفي رواية: إنّه لمّا نزلت سورة المنافقين وفيها تكذيب ابن أُبي، قال له أصحابه: اذهب إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) يستغفر لك، فلوّى رأسه ثمّ قال: أمرتموني أن أُؤمن فقد آمنت، وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فقد أعطيت، فما بقي إلّا أن أسجد لمحمّد، فنزلت: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إلى قوله: (وَلَكِنّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ).