“الحسد” يعني تمني زوال النعمة عن الآخرين سواء وصلت تلك النعمة إلى الحسود، أم لم تصل إليه، وعلى هذا الأساس تنصب جهود الحسود على فناء ما لدى الآخرين وزواله عنهم أم تمني ذلك، لا أن تنتقل تلك النعمة إليه. إن الحسد منشأ للكثير من المآسي والمتاعب الاجتماعية، من ذلك:
مفاسد الحسد ومآسيه
1 – إن الحاسد يصرف كل أو جل طاقاته البدنية والفكرية – التي يجب أن تصرف في ترشيد الأهداف الاجتماعية – في طريق الهدم والتحطيم لما هو قائم، ولهذا فهو يبدد طاقاته الشخصية والطاقات الاجتماعية معا.
2 – إن الحسد هو الدافع لكثير من الجرائم في هذا العالم، فلو أننا درسنا العلل الأصلية وراء جرائم القتل والسرقة والعدوان وما شابه ذلك لرأينا – بوضوح – أن أكثر هذه العلل تنشأ من الحسد، ولعله لهذا السبب شبه الحسد بشرارة من النار يمكنها أن تهدد كيان الحاسد أو المجتمع الذي يعيش في وسطه بالخطر، وتعرضه للضرر. يقول أحد العلماء: إن الحسد من أخطر الصفات، ويجب أن يعتبر من أعدى أعداء السعادة، فيجب أن يجتهد الإنسان لدفعه والتخلص منه. إن المجتمعات التي تتألف من الحاسدين الضيقي النظرة مجتمعات متأخرة متخلفة، والحساد – في الأغلب – عناصر قلقة وأفراد مرضى يعانون من متاعب وآلام جسدية وعصبية، وذلك قد أصبح من المسلم اليوم أن أكثر الأمراض والآلام الجسدية تنشأ من علل نفسية، فإننا نلاحظ الآن بحوثا مفصلة في الطب حول الأمراض التي تختص بمثل هذه. هذا والجدير بالذكر ورود التأكيد على هذه المسألة في أحاديث أئمة الدين وقادة الإسلام، ففي رواية عن الإمام علي (عليه السلام) نقرأ قوله: “صحة الجسد من قلة الحسد “و” العجب لغفلة الحساد عن سلامة الأجساد”. بل ووردت روايات تصرح بأن الحسد يضر بالحاسد قبل أن يضر بالمحسود، بل ويؤدي إلى القتل والموت تدريجا.
3 – إن الحسد يعد – من الناحية المعنوية – من علائم ضعف الشخصية وعقدة الحقارة، ومن دلائل الجهل وقصر النظر وقلة الإيمان، لأن الحاسد – في الحقيقة – يرى نفسه أعجز وأقل من أن يبلغ ما بلغه المحسود من المكانة أو أعلى من ذلك، ولهذا يسعى الحاسد إلى أن يرجع المحسود إلى الوراء، هذا مضافا إلى أنه بعمله يعترض على حكمة الله سبحانه واهب جميع النعم وجميع المواهب، وعلى إعطائه سبحانه النعم إلى من تفضل بها عليه من الناس، ولهذا جاء في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) “الحسد أصله من عمى القلب والجحود لفضل الله تعالى، وهما جناحان للكفر، وبالحسد وقع ابن آدم في حسرة الأبد، وهلك مهلكا لا ينجو منه أبدا”([1]). فهذا هو القرآن الكريم يصرح بأن أول جريمة قتل ارتكبت في الأرض كان منشؤها الحسد([2]). وجاء في نهج البلاغة عن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال: “إن الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب”([3]) وذلك لأن الحاسد يزداد سوء ظنه بالله وبحكمته وعدالته شيئا فشيئا، وهذا الأمر يؤدي به إلى الخروج عن جادة الإيمان.
إن آثار الحسد وأضراره المادية والمعنوية وتبعاته الفردية والاجتماعية كثيرة جدا، وما ذكرناه إنما هو في الحقيقة جدول سريع عن بعض هذه الآثار والمضار.
مفاسد الحسد ومآسيه
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
([1]) مستدرك الوسائل، ج 2، ص 327.
([2]) المائدة، 27.
([3]) نهج البلاغة، الخطبة 86.