آية الله الشيخ عبد الله جوادي آملي
إن الحصول على السعادة الإلهية ساحة واسعة يتمكن فيها كافة البشر حتى المعصومين عليهم السلام من التقدم. وإحدى مفردات تحصيل السعادة الإلهية هي رضوان الله تعالى، إذ يشعر الإنسان عند الرضى بالانبساط أما عند السخط والغضب فتنتابه حالة من السخط والغضب والانقباض الداخلي.
وقد تحدث القرآن الكريم عن أن رضى الله تعالى كان الدافع لدى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في ذاك العمل الشجاع الذي قام به في “ليلة المبيت”، قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ﴾ (البقرة: 207). كذلك فإن سيرة حياة الأئمة الأطهار عليهم السلام كانت لأجل تحصيل رضى الله. فقد ورد أن الإمام السجاد عليهم السلام كان عندما ينظر إلى الهلال يقول: “… واجعلنا مِن أرضى مَن طَلُعَ عليه وأزكى مَن نُظِرَ إليه”(1)، “واستعملني بما هو أرضى”(2)، “وامنن عليّ… بالعمل لك بما تحب وترضى”(3). ثم إن سيد الشهداء وفي بداية رحلته إلى كربلاء، وقف عند قبر جده صلى الله عليه وآله وتوسّل به وطلب من الله تعالى أن يجعل حركته في رضاه: “أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحق القبر ومن فيه إلّا اخترت لي ما هو لك رضىً ولرسولك رضى”(4).
* اتّباع الحق والدين
ويمكن تحصيل رضى الله تعالى من خلال اتّباع الحق وإقامة الأمور الدينية والاتيان بالعمل الصالح. ويكون نصيب الإنسان أكبر من رضى الله تعالى كلّما كثر العمل الصالح وكلّما سعى لإحياء الدين والأمور الدينية. من ناحية أخرى يقول الإمام السجاد عليهم السلام: “واستعملني في مرضاتك عملاً لا أترك معه شيئاً من دينك”(5). لذلك أما التوفيق للاستمرار بهذه الأمور فهو عبارة عن تلك الخطوة من ذاك الطريق الطويل الذي ينتهي برضوان الله تعالى: “فهب لي يا إلهي من رحمتك ودوام توفيقك ما أتّخذه سلّماً أعرج به إلى رضوانك وآمن به من عقابك”(6). ولا بدّ لأجل اتباع الحق وإقامة الأمور الدّينية من المعرفة التي تكتسب بالتعليم والتعلم، كما لا بدّ من التربية.
* الدعاة إلى الله
فالأئمة عليهم السلام هم الدعاة إلى الله تعالى، وهم الأدلاء إلى مرضاة الله. فدعوة هؤلاء المقدسين إلى الله هي دعوة مأذونة، خالصة وحقيقية، ذلك أنهم وبعد دعوة الناس إلى الله تعالى ومعرفة ذاك الكمال اللامتناهي بشكل مجمل، يتحقّق عندهم الشوق لتحصيل رضاه. من هنا كانت الدعوة بداية إلى المجتمع للسير نحو الله تعالى ثم لتحصيل رضاه.
* إشارات
1ـ التحليل العقلي لمسألة رضى الله تعالى
إنّ لرضى الله وغضبه حالة ثابتة ومعايير محدّدة حيث يقال إنّ الله راضٍ عن فلان أو غير راضٍ عنه إذا تحقّقت في الشخص أمور محدّدة حيث تؤدي هذه الأمور إلى غضب الله أو تساعد في تحقيق رضاه عزّ وجلّ، مثل: الشكر (الزمر: 7)، نصرة دين الله (الفتح: 18)، زيارة بيت الله تعالى (المائدة: 2)، الركوع والسجود لله (الفتح: 29)، الجهاد (الممتحنة: 1).
وفي الخلاصة إن في اتباع الإسلام رضا الله تعالى: ﴿وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ (المائدة: 3)، ﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾ (النور: 55). فهذا الاتباع يؤدي إلى الحصول على رضا الله تعالى في الدنيا والآخرة. وأما في حالة التخلي عن الإسلام وعن الاتصاف بالأخلاق الحسنة، فيقال: “الله ساخط عليه”، والحقيقة هنا أن التغيير يطال الإنسان على أساس أن أفعاله قد تكون طبق الصفات المُرضية أو غير المرضية لله تعالى. وهذا يعني أن أيّاً من حالات التغيير لا يحصل لله تعالى. فالتغيير والتحوّل اللذان يؤديان إلى الفناء والعدم وكل ذلك يحصل في الإنسان، وليس في الذات الإلهية المقدسة. وقد تعرّضت الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسيره للآية الشريفة ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا﴾ (الزخرف: 55)
إلى الأمور الآتية:
أ “إن الله تعالى لا يأسف كأسفنا”.
ب “ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مدبرون فجعل رضاهم لنفسه رضى وسخطهم لنفسه سخطاً”.
ج “وذلك لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه فلذلك صاروا كذلك”. وبما أن معيار رضاهم وغضبهم قبول أو عدم قبول الدعوة إلى الله تعالى، الاتّصاف أو عدم الاتّصاف بالصّفات الحسنة، الطّاعة أو التّمرّد أمام أوامر الله تعالى و… لذلك كانوا معيار رضى أو غضب الله تعالى(7).
د لا يعني ذلك أن يكون في الله كما يكون في خلقه. وقد ورد في الحديث القدسي: “من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها”(8)، وفي الآية الكريمة: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ﴾ (النساء: 80) وفي آية أخرى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ (الفتح: 10). وبناءً على هذا، فأولياء الله هم مظهر محاربة الله وطاعته وبيعته.
فكل من أهانهم فقد حارب الله وكل من أطاعهم أو بايعهم فقد أطاع الله وبايعه.
2ـ أعلى النعم، رضوان الله
لا يمكن مقارنة أيٍّ من النعم الإلهية مع نعمة رضوان الله. جاء في القرآن الكريم بعد ذكر النعم التي وعد الله تعالى بها المؤمنين: ﴿وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (التوبة: 72، وأكبر نعمة عند حزب الله هي: ﴿رضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ﴾ (المجادلة: 22). على سبيل المثال يطلب الإمام السجاد عليه السلام في دعائه من الله تعالى أن يشرّفه بمقام الرضى: “شرّف درجتي برضوانك”(9). ويطلب من الله تعالى أن يوفقه للإتيان بالأعمال التي توصل إلى مقام الرضى”: “اللهم… فأعطني من نفسي ما يرضيك عني”(10)، وأن يسهّل عليه طرق الوصول إلى رضاه: “وسهّل إلى بلوغ رضاك سُبُلي”(11).
3ـ الإمام ميزان الرضا الإلهي
الإمام واسطة الوصول إلى رضوان الله. ويُفْتح هذا الطريق أمام الإنسان من خلال اتباع أوامره ونواهيه.
يتوجه سيد الساجدين وزين العابدين عليه السلام في دعاء عرفة إلى الله تعالى: “اللهم إنك أيّدت دينك في كل أوان بإمام أقمته علماً لعبادك ومناراً في بلادك بعد أن وصَلْتَ حبلَهُ بحبلك وجعلته الذريعة إلى رضوانك وافترضت طاعته وحذّرت معصيته”(12).
إنّ كلام الإمام المعصوم عليه السلام وسلوكه هو الدليل للوصول إلى رضى الله تعالى.
ونختم بما تحدثت به الأدعية والأحاديث والأحراز والزيارات حول تأثير مقام الرضى وتجلي منزلته عند أهل البيت عليهم السلام سواء في الإشارة إلى العبودية والخضوع والخشوع وقربهم من المعبود الأزلي أم في الحديث عن زعامتهم وولايتهم لكافة عباد الله الآخرين. علاوة على ذلك وقد جاء في الزيارة الجامعة: “وأشهد أن محمداً… ورسوله المرتضى وارتضاكم لغيبه ورضيكم خلفاء في أرضه وبذلتم أنفسكم في مرضاته وسننتم سنته وصرتم في ذلك منه إلى الرضى بكم يُسلك إلى الرضوان إن بيني وبين الله ذنوباً لا يأتي عليها إلا رضاكم”. وجاء في دعاء يُقرأ عند زوال كل يوم من شهر شعبان: “اللهم صل على محمد وآل محمد صلاةً كثيرة تكون لهم رضا”(13).
1) النوري، مستدرك الوسائل، ج 7، ص 440.
2) الصحيفة السجادية، الدعاء 20.
3) م.ن، الدعاء 21.
4) بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 44، ص 328.
5) الصحيفة السجادية، الدعاء 54.
6) م.ن، الدعاء 49.
7) جاء حول الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام: “إن الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها”. البحار، ج 43، ص 19.
8) الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 144.
9) م.ن، الدعاء 41.
10) م.ن، الدعاء 22.
11) م.ن، الدعاء 20 (دعاء مكارم الأخلاق).
12) الصحيفة السجادية، الدعاء 47 (دعاء يوم عرفة).
13) مفاتيح الجنان، ص 288، أعمال شهر شعبان المعظم.